مدارات

نهوض جماعات النازيين الجدد في فنلندا.. وتداعيات ذلك

يوسف أبو الفوز
في وسائل الاعلام الفنلندية خلال الأسابيع الأخيرة كان هناك الكثير من الحديث عن نهوض جماعات النازيين الجدد في فنلندا.
في مركز مدينة يوفاسكولا الفنلندية شمال العاصمة هلسنكي، في أول آب تظاهر حوالي أربعين شخصا من ممثلي "الاشتراكية القومية" من اعضاء جماعة "حركة المقاومة الفنلندية".
وذكرت تقارير وسائل الاعلام على الرغم من أن التظاهرة بدأت بهدوء، الا ان المشاجرات اندلعت أثناء سيرها، وألقي القبض على سبعة أشخاص بسبب أعمال الشغب والاعتداء. وقال رئيس المحققين ميكو بورفالي الى هيئة الاذاعة الفنلندية Yle"" ان "الملابس والمعدات الواقية التي ارتداها المتظاهرون في مدينة يوفاسكولا تشير الى ان الجماعة اليمينية المتطرفة، "حركة المقاومة الفنلندية "، استعدت للعنف". وتقول "حركة المقاومة الفنلندية" أنها جزء من "حركة مقاومة الشمال الاوربي" بقيادة السويدي كلاس لوند زعيم النازيين الجدد. ومعروف في تقارير سابقة قدمتها هيئة الاذاعة الفنلندية أن "مجموعات النازيين الجدد في فنلندا نشطوا في أشكال مختلفة". في عام 2013 قدرت المخابرات الفنلندية SUPO بأن هناك نحو عشرين جماعة متطرفة تعمل حاليا في فنلندا. قائد الشرطة الوطنية سيبو كولهيماينين قال ان "الاحتجاجات العنيفة ليست جزءا من تقاليد المجتمع الديمقراطي". واما وزير الداخلية بيتري أوربو فقد قال لصحيفة هلسنكي سانومات: أن "ما حدث في يوفاسكولا أمر جاد جدا وانه حدث غير مقبول".
وأذ ترتفع الاسئلة لماذا يحدث هذا الان؟ فلابد ان ترد في البال العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومنها بالتأكيد المناخ السياسي، فالحكومة الان تقودها احزاب اليمين الفنلندي، ومنها حزب الفنلنديين الحقيقيين، المعروف بسياساته المناهضة للهجرة، والذي يتناغم البعض من أعضائه مع سياسة هذه الجماعات المتطرفة، في الكثير من القضايا ومنها موضوعات الهجرة والتعدد الثقافي. ويؤكد ما نقول ، ما حدث مؤخرا، قُبيل تظاهرات النازيين الجدد ، والتي جاءت كرد فعل بشكل ما، ولاستعراض القوى، فالنائب البرلماني "أولي أيمونين" ، عضو حزب الفنلنديين الحقيقين اليميني المتطرف والمعادي للهجرة، الذي سبق ونشر صورا له مساهما في نشاطات "حركة المقاومة الفنلندية "، كتب في صفحته في فيس بوك في نهاية شهر حزيران الماضي، تعليقات معادية للتعدد الثقافي. والمثير للارتياح، ان كتاباته وتصريحاته الهجومية لم تمر بسهولة، بل تسببت بردود افعال قوية ونقاشات بين اوساط المجتمع الفنلندي ووسائل الاعلام. في تصريحه دعا النائب أيومنين رفاقه المقاتلين ـ كما سماهم ـ الى هزيمة "كابوس التعددية الثقافية" حسب تعبيره . فورا بعد نشر هذه التصريحات تحدث بشكل علني رئيس الوزراء الفنلندي يوها سيبلا ( زعيم حزب الوسط الفنلندي) ضد هذه التصريحات المثيرة للجدل والمعادية للتعدد الثقاقي وغرد على موقع تويتر بأنها ليست مقبولة. وزير المالية ، الكساندر ستوب ( زعيم حزب اليمين التقليدي) ، انضم لرئيس الوزراء وقال "ان التعددية الثقافية هي احد الاصول الثمينة في المجتمع، هذا كل ما لدي لأقوله". لم يكن هناك ردود فعل مباشرة من زعماء حزب "الفنلنديين الحقيقين" ، اليميني المتطرف. وبعد صمت طويل، قال رئيس الحزب، وهو ايضا وزير الشؤون الخارجية الفنلندية، تيمو سويني في مقابلة مع صحيفة إيلتا سانومات "أن الحزب سيدرس هذه القضية". واضاف "إن الحزب عليه ان يصل إلى مرحلة البلوغ، وهو ما يعني أن أمور المجموعة البرلمانية يتم التعامل معها في المجموعة البرلمانية". من جانبه حاول النائب اولي ايمونين توضيح معنى تصريحاته المثيرة للجدل بالقول أن معركته ضد التعددية الثقافية لا تتجاوز الساحة السياسية، لكن تصريحات النائب الفيسبوكية أثارت دوائر واسعة من الغضب بين الشعب الفنلندي. وكان الجواب والرد ليس فقط من خلال المقالات والتصريحات، بل تجمع الناس في تظاهرات في جميع انحاء فنلندا، وفي هلسنكي ، في الاسبوع الاخير من شهر تموز، حضر حوالي خمسة عشر الف متظاهر لدعم التعدد الثقافي في فنلندا. واستلمت التظاهرة رسائل من الرئيس الفنلندي ساولي نينستو ، وهو من اقطاب اليمين المعتدل، والرئيس السابق السيدة تاريا هالونين وهي من زعماء الديمقراطي الاجتماعي وتعد من ابرز شخصيات اليسار الفنلندي. في رسالته أعرب الرئيس نينيستو عن أمله في أن الحدث سوف "يؤدي الى مناقشة موضوع الهجرة في الاتجاه الصحيح." وشملت قائمة المتحدثين أسماء كثيرة ، من بينها عدة وزراء وأعضاء في البرلمان وزعماء دينيين ومثقفين. اركي تيوميويا عضو البرلمان والوزير السابق للشؤون الخارجية ، وهو من زعماء الديمقراطي الاجتماعي، علق خلال المظاهرة واخبر صحيفة هلسنكى سانومات. "أعتقد أن هذا الحدث يعد مؤشرا على رد فعل الجمهور بشكل جيد وصحي للغاية. فغالبية الفنلنديين يفهمون ما تعنيه التعددية الثقافية والانفتاح والتسامح ولماذا هي ضرورية ".
أن هذا النهوض الشعبي ضد نشاط النازيين الجدد ومن يدعمهم في مراكز السلطة يأتي انطلاقا من كون المجتمع الفنلندي تعامل وتعايش طويلا مع مفاهيم السلام والعدالة الاجتماعية، وانطلاقا من القانون الفنلندي الذي ينص على " ان لكل شخص الحق في معاملة متكافئة ومنصفة، ولا يجوز معاملة أي شخص بطريقة مختلفة بسبب الجنس، العمر، الدين، القومية او الإعاقة " ، فالحفاظ على هذه القيم لن يحدث دون تعزيز المساواة من دون تمييز بين أولئك الذين يعيشون تحت سماء هذا البلد المسالم. ان التعددية الثقافية هي حقيقة. وان كثيرا من الفنلنديين يشعرون بعدم الارتياح من هذه التطورات، وهذه المجموعات من النازيين الجدد التي لها دوافع عنصرية قوية يمكن أن تزعج، ولكنها لا يمكن أن توقف مسير الحياة ومجيء مستقبل أفضل.