مدارات

تظاهرات البصرة:.. واقع وآفاق / جاسم العايف

للبصرة تاريخ حافل بالتظاهرات المطلبية ، ولم تكن تلك التظاهرات معزولة عن الواقع الاجتماعي في المدينة، وقد ساهمت النخب الثقافية- السياسية في بلورة مطالب المتظاهرين إعلامياً.
تظاهرات الجمعة 28 آب الماضي ، هي امتداد لتظاهرات سلمية - مدنية سبقتها. نلاحظ أن التظاهرات الأخيرة لم يكن حجم المشاركة الشعبية فيها كالتظاهرات السابقة. وهذا يعني نجاح شبه مؤقت لـ (حكومة البصرة ) ومَنْ يؤيدها، في تثبيت أوضاعها ، خاصة بعد تخليها علناً عن حماية أمن (خيمة شباب الاعتصام) إثر وعودها بتنفيذ بعض مطالبهم. ولعل المسألة تقع ضمن الحسابات الزمنية وملل المشاركين من التواصل في التظاهر السلمي . فقد أعلن عديد من المواطنين تخوفهم من المشاركة بسبب توقع مشاركة عدد من التيارات السياسية المتنفذة، وحدوث ما لا يتوقع سلمياً .
المطالب ما زالت هي ذاتها: الخدمات، محاسبة الفاسدين في البصرة والعراق كله، والدعوة المتواصلة للدولة المدنية، وتحسين الخدمات وإيجاد فرص عمل للعاطلين، ومعالجة ملوحة الماء..الخ ، بجانب إقالة المحافظ ومجلس المحافظة والمجالس البلدية، مع زيادة في المطالبة بإصلاح القضاء وإقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورفع شعار " الخلاص من الأحزاب الفاسدة ".
لكن لم يحدث شيء ملموس حتى اللحظة. التظاهرات في البصرة مشتتة من قبل جهات مدنية وسياسية متعددة، قسم منها يمسك في مفاصل إدارة المحافظة. بعض المتظاهرين كانوا بالقرب من بناية المحافظة مستخدمين مكبرات الصوت الكبيرة ، فيما تجمع اليساريون والتقدميون في جانب آخر، لكن ثمة عدد لا يستهان به من النساء البصريات يطالبن بالدولة المدنية والمساواة . ثمة مَنْ يطالب (بإقليم البصرة) ،وهم قلة، وزعوا علم العراق مع علم (الإقليم) المقترح. القوات الأمنية المخصصة لحماية المظاهرات لم تسمح لأحد بالصعود إلى جسر المحاكم كالأسابيع الماضية، بعد أن علق علم (العراق) بحجم كبير جداً في تظاهرات الأسبوع الماضي .
بعض المواطنين يرى أن التظاهرات المقبلة ستكون اكبر فيما إذا شارك فيها سكان الأماكن المهملة والتي تمثل حزام الفقر في المدينة ، وهي ذات الكثافة السكانية العالية، مثل الحيانية وخمسة ميل والكزيزة والقبلة والأبله والجمهورية ومناطق شعبية أخرى. وهي مناطق لا تتعارض مع التواجد المدني في التظاهرات، كون أغلب شباب التظاهرات المدنية قادم منها.
غالبية الناس في البصرة تطالب بحل المشاكل، لكن لا توجد مطالب موحدة للمتظاهرين، فالمسألة لا تقتصر على انقطاع التيار الكهربائي أو تردي الخدمات بل هي اكبر. وهنا تبرز أهمية دور النخب في تشخيص جوهر المشاكل وتوضيح الأسباب الأساسية و تقديم الحلول الواقعية لها. ومنها مفوضية الانتخابات التي تكونت من ممثلي الكتل السياسية الكبيرة بالذات؟! فكيف يمكن أن تكون مستقلة وقد تشكلت عبر المحاصصة الحزبية الطائفية ؟! و كيف يمكن أن نتصور إن الإصلاحات ستمضي بشكل نزيه ما دام المال السياسي والنفوذ والمصالح والوظائف الحكومية بيد الكتل المهيمنة، وكذلك قانون الانتخابات الذي صُمم على مقاس المتنفذين. وهذا الأمر سيؤدى إلى استنساخ ذات الوجوه في كل عملية انتخابية قادمة، مع تخدير للناس وسوقهم إلى حيث يريد المتسلطون. (...)
بالنسبة للنخب الثقافية فهي مبعثرة هنا وهناك. في الأسبوع الماضي تمت الدعوة من قبل" اتحاد أدباء وكتاب البصرة" للمشاركة على انفراد وحصل هذا لكن العدد كان قليلاً.هذا الأسبوع لم يشارك الاتحاد، لكن اغلب اعضائه يحضرون مع جهات أخرى.
على العموم ليست هناك جهة تنسيقية واحدة قادرة على بلورة المطالب، ويبدو لي ان هذا يصب في خانة الحكومة ومَنْ يقف معها.
حتى الآن الجهات الأمنية تتعامل باحترام مع المتظاهرين والعكس كذلك.