مدارات

التظاهر في كربلاء / سلام القريني

ربما يظن البعض ان هذه المدينة المقدسة التي عانت كثيرا ابان الحكم الاستبدادي، اسوة بباقي مدن العراق التي كانت محرومة من هذه الممارسة الحضارية ( التظاهر ) المعبرة عن الارادة المسلوبة وقتذاك، حيث لم تكن توجد الا ثقافة التأييد للقائد المقبور عبر مسيرات مجلجلة .
المثير للانتباه ان اول تظاهرة معارضة في كربلاء خرجت بعد التغيير عام 2003 ووقف الناس بين مصدق ومكذب في شارع العباس ينظرون بخوف وهلع لهؤلاء المتظاهرين اول مرة ودون اذن مسبق من احد، وهم يعلنون عبر لافتة عريضة خطت باللون الاحمر ( نهنئ الشعب العراقي بسقوط الديكتاتورية ). كانوا كمن يخاف عودة سريعة للطاغية كما حدث عام 1991. هكذا زرع البعث الصدامي ثقافة الخوف في قلوب العراقيين، وبدلا من احداث انعطافة مهمة في حياة الناس وقواهم الاجتماعية، جاءت للحكم القوى الجديدة لتعمل بكل ما تملك من قوة على تأبيد الجهل وتغييب الوعي الجمعي .
كانت تلك التظاهرة الاولى (في 19 نيسان 2003) بحق بداية تخطي العتبة الاولى في مسار بناء دولة مدنية حديثة ، ويمكن وصفها بالباسلة، قادتها النخب الثقافية الواعية عبر اوسع تجمع اطلق عليه التجمع الثقافي من اجل الديمقراطية، والمكون من احزاب وشخصيات مستلقة وطنية من مختلف الاطياف والمشارب الفكرية. ولم تكن تلك التظاهرة الاخيرة فقد كانت للقوى الوطنية تظاهراتها التي شكلت وعيا تصاعديا يوما بعد اخر طيلة السنوات المنصرمة. وكانوا يهتفون " يامواطن ..ياشريف ... ليش واكف عالرصيف" في اشارة اولى الى ضرورة المشاركة الواسع.
بعد ذلك كان لنادي الكتاب الدور المهم والحيوي في استنهاض الوعي واطلاق مفهوم ضرورة الاخر والمختلف في المشهد السياسي والاجتماعي، فقد خلق جمهورا يؤمن بالمواطنة افقيا وعموديا، وساهم معه بكل اخلاص الاتحاد العام للأدباء والكتاب في كربلاء بجمهوره الرائع من شعراء وقصاصين وروائيين وفنانين تشكيليين وموسيقيين ومسرحيين ونقاد، ولم يكن ذلك ببعيد عن اهم مؤسسة تربوية وفرت مكانا لهذا المحفل المعرفي الا وهي نقابة المعلمين، التي ساهم اعضاؤها من اساتذتنا بحضورهم الكبير في زخم التظاهر السلمي المدني، ومعهم المحامون والاطباء والصيادلة والمهندسون، لتظاهرات الجمع الخمس التي اتخذت من مرقد العلامة ابو الفهد الحلي ونصب الانتفاضة التي صممه الفنان عبد الحليم ياسر جسرا للصعود الى السماء الزرقاء .
لقد غادر ابناء كربلاء وشبيبتهم الوهم ليعيشوا الحقيقة وهم يرون مدينتهم الحبلى بالجياع والمثقلة بالحزن خاوية ليس فيها حياة وهي التي تحتضن ابا الاحرار الحسين بن علي، وليهتفوا :
"باسم الدين .. باكونا الحرامية" و"خبز ... حرية .. دولة مدنية " و"حرية ..عدالة اجتماعية"
شعراء رفعوا المكانس معتبرين ان الوقت قد حان لكنس الفساد، كما فعله اليساري الرائع "لي كوان" في وطنه سنغافورة.
قالوا لرئيس الوزراء حيدر العبادي الواعد بالإصلاح:
"اضرب بيد من حديد" على الرؤوس الفاسدة..
طوبى لك ايها الشعب المقدام، فقد اثبتّ لمن قالوا عنك شعب نائم ,
انك حي لا تنام على ضيم .
هوذا انت ايها العراقي ..