مدارات

كوربن ينعش آمال اليسار البريطاني والأوربي

رشيد غويلب
السبت الفائت شهد اعلان فوز اليساري البريطاني المعروف جيرمي كوربن بزعامة حزب العمال. ومنذ لحظة الأعلان، والمؤسسة السياسية البريطانية وسائل الإعلام في البلاد تتنفس بصعوبة فائقة. وفي اليوم التالي كتب رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون على التويتر: "ان حزب العمال اصبح الآن تهديدا لأمننا الوطني، لأمننا الاقتصادي، وسلامة عوائلكم"
وموقفه هذا يتناغم مع الحملة الإعلامية الكبيرة التي ساهمت بها كبريات المؤسسات الإعلامية والصحف ضد كوربن تقريبا، والتي اطلقت عليه ضمن نعوت عديدة توصيف "المنافق".
وفي الوقت الذي رسمت فيه قوى اليمين صورة سقوط المملكة البريطانية على الجدران، احتفلت قوى اليسار الجذري البريطاني بانتصار كوربن، باعتباره انتصارا لجميع الساعين الى وضع نهاية لسياسة المحافظين المعادية للنقابات العمالية والحركات الإجتماعية.
وكان احد العناوين الرئيسة في جريدة الحزب الشيوعي البريطاني "مورننغ ستا" : " انتصار جيرمي كوربن هو انتصار لنا جميعا". واضافت الجريدة في عددها الخاص ليوم الأحد، ان انتخاب كوربن سيغير البلاد نحو الأفضل، وان الحكومة لن تتمكن من الإستمرار طويلا في الهجوم على دولة الرفاه، وحقوق العاملين، وضد مستوى المعيشة، دون ان تواجه، من جميع الجهات، مقاومة قوية. والحقيقة ان انتصار كوربن يمثل قطيعة جذرية مع نهج الليبرالية الجديدة لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، واحد ابرز الداعمين للحرب على العراق. ويمضي كوربن كذلك يسارا تاركا سلفه المعتدل ادورد مليباند على يمينه. فاعادة قطاع الطاقة، والسكك الحديد الى الملكية العامة هي مطالب غير واردة بالنسبة لميلباند، الذي كان قد نأى بنفسه في مقابلة تلفزيونية من دعم الإضرابات العمالية. ولهذا تتوقع الجريدة مقاومة شرسة من المؤسسات الإعلامية الكبيرة والنخبة السياسية المتنفذة، وتشدد على ضرورة قيام حركة واسعة خارج البرلمان، لتطور القوة القادرة على تحقيق تغيير سياسي حقيقي.
وتأمل تحالفات نقابية وحركات اجتماعية وقوى يسارية خارج البرلمان مثل "حزب وحدة اليسار" في توظيف الحركة الجماهيرية الواسعة التي تحققت في سياق حملة كوربن الإنتخابية، وآلاف الأعضاء الجدد في حزب العمال، في تحقيق تغيير جذري. وتضم حركة اليسار خارج البرلمان نشطاء نقابيين وتيارات يسارية متعددة ذات توجهات تروتسكية، حاولت خلال الإنتخابات الأخيرة تشكيل قائمة انتخابية من دون تحقيق نجاح يذكر، في حين رشح الحزب الشيوعي في بعض الدوائر الإنتخابية، ونصح اعضاءه وانصاره بالتصويت لصالح حزب العمال في الدوائر الأخرى.
ورحبت قوى اليسار الأوربي في العديد من بلدان القارة بانتصار كوربن الكبير ، معتبرة اياه قوة دفع جديدة في النضال ضد الحروب، والعنصرية، وفي سبيل اعادة بناء اوربا على اسس السلام والديمقراطية. وشكل نجاح الزعيم اليساري احراجا لقوى اليمين ويمين الوسط في احزاب الإشتراكية الدولية، باعتبار ان ما حققه كوربن يمكن ان يكون مثلا يحتذى به من قبل الأجنحة اليسارية داخل هذه الأحزاب، في محاولتها للعودة للسياسات الاكثر تقدمية التي كانت سائدة فيها في الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت.
ومن المسلم به ان خصوم كوربن داخل حزب العمال سوف يعملون بكل ما يمتلكوه من قوة ووسائل لمنع، او على الأقل، الحد من تحول الحزب نحو اليسار. والمتابعون لتجربة الحزب يعيدون الى الأذهان ما عاشه الحزب في الثمانينيات، عندما نجح الجناح اليميني في الحزب بعد صراع مرير وبوسائل قذرة وضع عدة آلاف من اعضاء الحزب ذو التوجهات الماركسية خارجه. وفي هذه المرة ايضا فان مؤسسات الحزب التي يتمتع بها انصار بلير من اصحاب نموذج الحزب الأصلاحي الموالي للراسمالية، سوف لن يتقبلوا الهزيمة دون مقاومة تذكر.