مدارات

الى اين تتجه الرأسمالية..وهل من مستقبل لها ؟

ترجمة واعداد:حازم كويي
تعتبر الاستفتاءات التي تجري في أي مجتمع مؤشُر على اتجاهات الرأي ،ويتعلق الامر هنا في هذا المقال بالموقف من الرأسمالية ،وماهية الظروف المعيشية للناس وموقفها من هذا النظام.
في عام 2010 اجرت مؤسسة (أيمند) الالمانية استفتاء ظهر فيه أن 88بالمئة من المواطنين يرغبون في نظام اقتصادي جديد، كون هذا النظام لم يعد يراعي المساواة الاجتماعية ولا الحفاظ على البيئة او رعاية المصادر الطبيعية .
في نفس الاتجاه اظهر استفتاء لجامعة (ينا) ، وبنسبة 52بالمئة ، غالبيتها من الشبيبة تحت سن الثلاثين برأي ، انَّ الرأسمالية مُتجهه نحو الانهيار.
عام 1992 اعتقد 48بالمئة من مواطني المانيا ،ان الرأسمالية مرتبطة بالحرية ،اليوم يعتقد بذلك 27بالمئة فقط. فالتفكير السابق من أن الرأسمالية الاجتماعية كأتجاه ينحو الى التقدم ،تراجع في نفس تلك الفترة من 69بالمئة الى 38بالمئة.
آراء المواطنين تظهر بوضوح،وبالاخص الآباء عن مستقبل اولادهم ،ان كان نمط الحياة كما عاشوه سابقاً سيتغير نحو الافضل ام لا؟
فالنظام بشكله الحالي اصبح لايناسب عالمنا الذي نعيش فيه،وهذا ما لاحظهُ رئيس الملتقى الرأسمالي النخبوي ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (كلاوس شغاب).
والحقيقة ،هناك القلة من الالمان الذين يحاججون بأن الرأسمالية مازالت تحمل رونقها.
فمواقع العمل غير مضمونة رغم ان الاقتصاد الالماني في توسع كبير ،وانتاجية المصانع تتزايد مع تضاعف الارباح ،رغم ذلك فهي تقذف بالآلاف من العمال الى دائرة العاطلين ،واصبح التشغيل المؤقت للعمال هو الاساس والذي يجري من خلاله التنصل عن حقوق العمال الاساسية.
لاتدع الرأسمالية اليوم للانسان بان تتطور مشاعره الاجتماعية الطبيعية ،بل تقوم بتخريبه وبشكل وحشي وشمل ذلك الطبقة الوسطى، فلا يوجد مخطط منظور لأمن واستقرار الشبيبة، التي يعاني نصفها من عقود عمل غير ثابتة وأجور ضعيفة لا تمكن من العيش بشكل طبيعي.
على سبيل المثال ،إن بادر احد ما بفتح مشروع عمل ،عليه اولاً الاقتراض من البنك، والنتيجة على الاكثر هي الفشل والافلاس، دون مساعدته لتحقيق فكرته التجارية.
الخصخصة والليبرالية تتجاوز على اسلوب معيشة الناس الاساسية وبكل وضوح تسير نحو الاسوأ.
الحيتان المالكة للمال تشتري الشقق وتتركها في النهاية تتعفن،والشركات الاربع المنتجة للطاقة الكهربائية تملي شروطها بزيادة الاسعار، ولايقبلون بفكرة الطاقة البديلة ،بل يطالبون بحق ارباح اكثر لمشاريع لايمكن تحملها، واصبح المرضى يعاملون كبضاعة تجني فيها المستشفيات الخاصة ارباحاً ،يكون فيها النزيل في وضع افضل كلما دفع اكثر.
واصبح الوقوف صفاً طويلاً في دوائر البريد مألوفاً بعد خصخصتها ،وبدلا من ان يكون نظام التعليم والتأهيل في المانيا متساوياً للجميع كما كان سابقاً ،بشموله اكثرية طبقات المجتمع ،لكنه الآن قد طمر وصُبَ بالاسمنت ،وازدادت اعداد الذين يتركون المدارس من دون أن يستطيعوا القراءة والكتابة بشكل صحيح واصبح التفكير بالملاكمة بدلاً من قراءة فاوست.
المسارح والمكتبات والمدارس تعاني من قلة الدعم المالي نتيجة سياسة التقشف .
الآن اخذ اقتصاد الدول الرأسمالية يتآكل ،يتهدده خطر الركود ،المال الذي يقوم بمهمة تمويل الوحدات الانتاجية ،سيجد مكانه في مضاربات العاب كازينو القمار.
و تلعب البنوك بنقود الملايين من الاثرياء في الروليت الروسي وليس بأستطاعة احد ايقافهم ،ووعود السياسيين الكبار التي اطلقت عند بدء الازمة المالية نسيت مكبوتة لكون القواعد الجديدة قد جرى غسلها من قبل اللوبي المالي ،التي ليست لها فاعلية وبدلاً من ذلك فقد استمرت المضاربات والمراهنات ومواصلة الرقص على البركان المالي المخيف،فالكل يعرف انه سرعان ما ينفجر خانقاً الحياة الاقتصادية تحت حِممها.
الافكار الايجابية عن اقتصاد السوق قد ماتت،والسؤال هو اين توجد الاسواق المفتوحة والمنافسات الحقيقية؟ . عتاة ُممولي السوق مع سياسييهم هم المصممون الآن، الذين يُملونَ على المُوردين شروطهم من دون الاهتمام بترضية الزبون.
الارباح في تصاعد وفي الوقت نفسه يجري تقليص اعداد المنتجين الكفوءين، مواقع عمل تختفي وكذلك اختصاصات ومحترفين وخدمات في جميع النواحي،فالرأسمالية بالنتيجة لم تعد النظام الاقتصادي المُطالِبة بالانتاجية والابداع والتجديد مع التكنولوجيا المتقدمة ،فهي تعيق الاستثمار وتضع الحواجز للتحولات الضرورية في المجال الايكولوجي لتقوية المجال المالي.
الحكومات في أوربا لا تملك افكاراً وبما فيها الحكومات المعارضة التي سقطت ،حيث فقد الناس الثقة بهم لعدم مصداقيتهم، لانهم في الاساس غير موحدين امام الاسئلة التي تواجه مجتمعاتهم بكيفية الخروج من الازمات.
في المانيا على سبيل المثال جرى شطب الملايين من اماكن العمل الاعتيادية وحل محلها(العمال المؤقتين) وباجور رخيصة.
ولايجري الحديث عن الكساد الاوربي مع حذف التوقعات الحاصلة،محاولين التغلب على أزمة اليورو في كل قمة بتجميل صورة (فقدان الامل)وتهدئة المواقف لان الوضع السياسي مُسيطر عليه.
ان حركة الحياة الى الحرية وكرامة الانسان اذا بقيت على مسار الحافة فقط ،فإن الديمقراطية ستموت ،عندما تقوم البنوك والاحتكارات بالضغط على الدولة لاتباع السياسة التي تريدها.
يتوجب على المبدعين واصحاب الفنتازيا ان لايُخفوا الاسئلة ويُضيعوها ،ان تكون السياسة يافعة ،متعافية ومنتجة قدر الامكان واهمية اجراء النقاشات الاجتماعية بكيفية صنع وتشكيل المستقبل على الجانب الآخر من الرأسمالية .
اذا تابع المرء ،كيف ان اساسيات الافكار الليبرالية قد حطت في نهاياتها اخيراً الى الاشتراكية، والمعني بها اشتراكية غير مركزية ،تعلو بالجهود التنافسية العالية ،من واجبها خلق الاسس الفلسفية لمجتمع حر يعمل على تجديد الفرص.
لن يكون الحل بالطريق الليبرالي الخاطئ ،بل بالاشتراكية المبدعة.