مدارات

في فنلندا.. اليمين المتطرف في تراجع لصالح قوى اليسار !

يوسف أبو الفوز
ما ان اعلنت نتائج الاستفتاء الذي قامت به هيئة الاذاعة الفنلندية Yle في الاسبوع الثاني من تشرين أول، والذي اظهر ان شعبية حزب "الفنلنديين الحقيقيين" اليميني المتطرف في تراجع كبير، وانه هبط من المرتبة الثانية الى الخامسة، وتتقدم عليه احزاب تنتمي لجبهة اليسار مثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر، حتى اشتعلت نيران الخلافات داخل الحزب وتحديدا بين الصف الاول من قياداته. وأذ ظهرت الخلافات الى العلن، وراح قادته يتبادلون التصريحات عن النتيجة واسبابها عبر وسائل الأعلام، كان ذلك أعلانا للمتابعين بأن ازمة الحزب تتعزز وستكون لها نتائج أكبر، وأن الشارع الفنلندي بدأ يدرك حقيقة سياسة هذا الحزب ،الذي حققا نجاحا لافتا في الانتخابات البرلمانية في نيسان من هذا العام ، مستثمرا الازمة الاقتصادية والسياسية، فرفع شعارات براقة مليئة بالوعود بتحسينه الاوضاع في البلاد، وليكون طرفا مهما في تشكيل الحكومة الفنلندية الحالية، التي شكلها حزب الوسط برئاسة يوها سيبلا زعيم حزب الوسط بالاشتراك مع اليمين التقليدي واليمين المتطرف، لتوصف الحكومة بأنها حكومة الثلاث أس (3 S) لبدء اسماء القاب زعماء الاحزاب الثلاثة بهذا الحرف.
كان رئيس الحزب تومي سويني (1962)، قد تخلى عن استحقاقه لمنصب وزير المالية لصالح الكسندر ستوب زعيم حزب الائتلاف الفنلندي (يمين التقليدي)، الذي عمليا يقوم بمهام نائب رئيس الوزراء، لاجل الحصول على حقيبة وزارة الخارجية، ظنا منه انه قادر على التأثير على سياسات الاتحاد الاوربي، خصوصا فيما يخص قضايا الهجرة واللاجئين التي يواصل حزبه النظر اليها من زاوية اقتصادية قبل كل شيء . في الاجتماع الاخير لوزراء الاتحاد الاوربي، وجد نفسه معزولا، حين اعترض على خطة حصص توزيع اللاجئين على دول الاتحاد، وراح ينتقد عبر وسائل الاعلام، سياسة السويد، التي وعبر حدودها تدفق الالاف من اللاجئين الى فنلندا، مما دفع أركي تيوميويا، وزير خارجية فنلندا الاسبق، والأكثر خدمة في منصبه في تأريخ البلاد، لأكثر من عشر سنوات، والقيادي في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الى وصف تصريحات تومي سويني بالحمقاء ودعاه بدلا من ذلك الى الاسراع برفع الهاتف والحديث مباشرة مع مارغوت والستروم وزيرة الخارجية السويدية. ويذكر ان والستروم سبق وان انتقدت السياسة الفنلندية تجاه اللاجئين في الاجتماع المذكور، وذكرت بدروس من التأريخ وقالت " في سنوات الحرب اخذنا سبعين الف طفل فنلندي، على فنلندا ان تتذكر ذلك".
رئيس حزب اليمين المتطرف، وصف نتائج الاستطلاع، بأنها "نتائج كئيبة" و"لكمة يسارية خاطفة من نقابات العمال"، مستخدما تشبيها من لعبة الملاكمة. وحالما اعلنت نتائج الاستفتاء دعا اثنان من نواب الحزب في البرلمان، احدهما ــ فيسا ماتي ساراكالا ــ يشغل موقع النائب الثالث لرئيس الحزب، وعضوين من مجلس ادارة الحزب ، الى اجتماع طارىء لقيادة الحزب وكتلة الحزب البرلمانية ، للمناقشة والتصويت داخل الحزب فيما اذا كان ينبغي الاستمرار في البقاء في الحكومة . واعلن النائب عن الحزب في البرلمان سيباستيان تونكونين عبر وسائل الاعلام عن عدم رضاه وانتقد قبول الحزب بسياسة الحكومة في التقشف والتعامل مع اللاجئين ملمحا الى ضرورة تنحية تيمو سويني، معلنا نيته الاستقالة من الحزب. أثارهذا التصريح غضب رئيس الحزب، فصرح لوسائل الاعلام، بانه انتخب رئيسا بالاجماع لرئاسة الحزب ولا يمكن ان يذعن للتهديد. وعاد مرة اخرى في حديث تلفزيوني مفصل، ويبدو مستفيدا من ملاحظة وزير الخارجية الفنلندي الاسبق ــ ليقول ان من حق كل عضو في حزبه ان يقدم وجهة نظره وبشكل مباشر! بدلا من اللجوء الى وسائل الاعلام، واشار الى كونه تلقى رسائل من ناخبيه، كانوا فيها مرعوبين، من كون الحزب سيتأثر من أول بادرة متاعب.
وكان حزب الفنلنديين الحقيقيين قد وافق الشهر الماضي على الميزانية الجديدة التي تضمنت حزمة أجراءت تقشفية شملت تخفيض اجور العمال، فالاجازة المرضية أصبحت غير مدفوعة الاجر في اليوم الاول من المرض، وتم تقليل مدفوعات العطل وخفض اجور يوم الاحد (في فنلندا يوم عطلة) وساعات العمل الاضافية، وأن العطلات عموما ستكون اقصر. هذه الاجراءات الحكومية اثارت انتقادات واسعة النطاق والعديد من الاضرابات بين العمال ونقابات العمال الكبرى، وشملت أيضا جماهير اليمين المتطرف وحزب الوسط ايضا، الذي يقود الحكومة، والذي تعرضت مواقعه للانحسار قليلا لكنه بقي متقدما على غيره بدعم واضح من المزارعين والقطاع الخاص والشركات الكبرى .
ويذكر ان حزب الفنلنديين الحقيقيين اليميني المتطرف اضطر قبل اشهر الى ان عزل اولي ايمونين، احد نوابه في البرلمان عن مجموعة الحزب البرلمانية بسبب تصريحاته العنصرية واسهامه في فعاليات بعض المجموعات النازية مما أثار غضب الشارع الفنلندي فنظمت التظاهرات الحاشدة في العاصمة هلسنكي واغلب المدن الفنلندية التي تدعو الى التعايش وضد العنصرية وتنادي بمجتمع متعدد الثقافات. من جانبه استغل النائب أولي ايمونين نتائج الاستفتاء وما اثارته من تصريحات زملائه وعبر عن رغبته بالعودة الى مجموعة الحزب البرلمانية ، مشيرا الى ان أمر عودته يقرره الحزب وليس رئيسه فقط.
رئيس حزب اليمين المتطرف ، تيمو سويني، يجد نفسه بين مجموعة من الضغوط والانتقادات ، من قبل قادة حزبه، ومن قبل معارضيه السياسيين، والرأي العام المعارض لسياسة حزبه خصوصا ما يتعلق بموجة اللجوء الاخيرة الى اوربا ، وهذا دفعه إلى التصريح بأن هذه رسالة قوية لحزبه.
زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي، والقائد النقابي، أنتي رينيه، انتقد تصريح زعيم حزب الفنلنديين الحقيقيين، بكون حزبه هو "حزب العمال الحقيقي" وانه سيجد طريقة للتعامل مع الازمات، وقال رينيه انه سعيد لنتائج الاستطلاع ، التي تبين ان الناس فهموا جيدا حقيقة ان اليمين المتطرف من انصار سياسة التقشف وضد الفقراء، مضيفا بأن "اي حزب لا يمكن ان يكون حزبا للعمال من خلال الوعود". وأكد بأن حزب الفنلنديين الحقيقين هو "حزب شعبوي" (حزب يستخدم الديماغوجية في دغدغة عواطف الناس واثارة حماسهم وكسب تأييدهم ) فاز في الانتخابات بخداع الناس بالوعود، ويعتقد ان عيون الناس تفتحت اخيرا.
ولا يبدو على المستوى القريب ان اليمين المتطرف يخطط لمغادرة الحكومة الحالية، حتى في حال نجحت الاحتجاجات داخل الحزب بإزاحة رئيسه الحالي، فانسحابه من الحكومة سيسهل سحب الثقة من الحكومة والإطاحة بها ، وهذا يعني تهيأة الارضية لقوى اليسار للفوز بالجولة القادمة بسهولة. من جانبها فأن احزاب اليسار التي انتعشت أمالها بعد نتائج الاستفتاء، ما زالت مطالبة من جماهيرها بتوحيد صفوفها اكثر، واحياء تحالف أحمرـ اخضر، لاجل تقليل عدد الجولات في الصراع مع الحكومة الحالية ، التي يبدو انها لن تستطيع المقاومة والمطاولة كثيرا مع حجم المشاكل الي تثيرها سياسة التقشف الحكومي التي تبنتها كحل للازمة الاقتصادية، وما تثيره موجة اللاجئين الاخيرة من اشكالات وتحديات، ومعها التصدع الذي بدأ داخل صفوف اليمين المتطرف الذي يشكل طرفا مهما في تشكيلة الحكومة الحالية.