مدارات

فنلندا.. هل تنتظرها أيام ساخنة؟

يوسف أبو الفوز
اظهرت نتائج اخر استطلاع لهيئة الاذاعة الفنلندية ان احزاب المعارضة وقوى اليسار تحقق تقدما متواصلا على حساب قوى الائتلاف الحكومي اليميني الذي خسر الكثير من مواقعه لتصل نسبة اصوات احزابه الثلاثة الى 47 في المئة .
وهذه النتائج ستنعش الشارع الفنلندي وتقوي من عضد النقابات، وخصوصا بعد اضطرار الحكومة الى الموافقة على نتائج المفاوضات الماراثونية التي استمرت لعشرة شهور وانتهت في الاول من اذار الحالي ، والتي أجبرت فيها نقابات ذوي الياقات البيض (الموظفين)،ارباب العمل على الموافقة على شروطها في اتفاق أسمته الحكومة " العقد الاجتماعي ". وفيه تم التراجع عن خطط الحكومة لخفض الانفاق بزيادة الضرائب واطالة ساعات العمل واستقطاع الاجور الاضافية، والغاء مخصصات الاجازة المرضية.
وفي مؤتمر صحفي حضره وزير المالية ووزير العمل اعلن رئيس الوزراء الفنلندي يوها سيبلا ، وهو زعيم حزب الوسط الفنلندي، بأن الحكومة (تدعم اتفاق "العقد الاجتماعي" وتأمل ان يساهم في زيادة فرص العمل لتصل الى 72 في المئة بعد ان كانت 67 في المئة ). وهذا يعني حسب مصادر وزارة العمل ضرورة ايجاد اكثر من 110 الف وظيفة جديدة لذوي الياقات البيض.
وتظهر نتائج الاستطلاع، ان الخاسر الاكبر هو الحزب اليميني المتطرف، الذي يعاني تراجعا مستمرا في شعبيته، اثر مواقفه المتشددة، خصوصا ازاء سياسة الهجرة. ومن جانب اخر يرى مراقبون، ان حزب الخضر (يسار)، ووفقا للاستطلاع، ورغم التراجع النسبي في نتائجه الا انه يظل واحداً من اكبر واهم احزاب المعارضة، حيث ينال دعما من الشبيبة والطلبة .
وبات واضحاً للكثيرين ان الحكومة اليمينية الحالية، هي ممثلة لمصالح الاغنياء وارباب العمل، وان سياستها التقشفية جاءت على حساب ذوي الدخل المحدود. وهذا ما يعكس اسباب التغير في موقف الكثير من الناخبين الذين صدقوا بالوعود الانتخابية التي اطلقتها احزاب الحكومة ووعدت فيها بحياة افضل والخروج من حالة الركود الاقتصادي. لكن مرور سنة من عمر الحكومة من دون نتائج ملموسة، جعل الكثير من الناخبين يراجعون مواقفهم.
ولا يفوتنا ان نذكر ان سياسة الحكومة اليمينية الحالية، تأتي امتدادا لسياسات الحكومات اليمينية السابقة، التي دأبت في بذل جهودها للالتفاف والانقضاض على نموذج "دولة الرفاه" الذي حققه الشعب الفنلندي، بنضالاته خلال سنوات طويلة، وخصوصا في الفترات التي حكمت فيها احزاب اليسار. حيث نجحت في بناء دولة مدنية تكون المؤسسات فيها هي المسؤولة عن حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للشعب، ويكون المواطن مساهما في تطوير المجتمع وخلق والسلام والامن الاجتماعي.
لقد سببت سياسات الحكومات اليمينية قلقا كبيرا على مستقبل الاجيال الجديدة، التي فتحت عيونها على نمط من الحياة راحت حكومات اليمين تقضم اطرافه بسياساتها النيوليبرالية التي تسعى الى الحد من دور الدولة وزيادة دور القطاع الخاص. والحكومة اليمينية الفنلندية الحالية، التي جاءت اثر الانتخابات التشريعية في نيسان العام الماضي 2015 ، تجد نفسها في خشية كبيرة ، من تصاعد التذمر الشعبي من سياساتها التقشفية، واحتمال بدء موجة جديدة من التظاهرات والاعتصامات لنقابات العمال (ذوي الياقات الزرقاء) والشبيبة والطلبة، وخصوصا مع انتهاء موسم البرد والثلج. حيث سيكون ممكنا للمتظاهرين البقاء ساعات طويلة في الشوارع، وهذا ينذر بربيع ساخن، مفتوح على احتمالات عديدة. وسيكون اكثرها تصعيدا ان تدعو احزاب المعارضة إلى سحب الثقة من الحكومة الحالية، في حال تغيرت خارطة التحالفات داخل البرلمان الفنلندي، وبالتالي المطالبة بانتخابات مبكرة. وهو الخيار الذي لا تريده الحكومة ابدا، والذي لا يمكن للمعارضة ان تخاطر فيه من دون ان تضمن الشارع الفنلندي واصوات الناخبين ليكونوا الى جانبها.