مدارات

ميانمار: خطوة أخرى صوب الديمقراطية

إعداد عادل حبه
بعد عقود من تسلط الطغمة العسكرية على مقاليد الأمور في دولة ميانمار، بدأت البلاد تخطو خطواتها على طريق الديمقراطية وإبعاد الطغمة العسكرية عن التحكم في مصير هذا البلد الأسيوي وتصفية مظاهر الاستبداد والديكتاتورية فيها. ففي لحظة تاريخية، قرر المجلس التأسيسي المنتخب ديمقراطياً في البلاد قبل أيام انتخاب هتين كياو ( 49 سنة) كأول رئيس مدني بأغلبية 360 من مجموع عدد أعضاء المجلس التأسيسي البالغ 652 عضوا، إثر الانتخابات التي جرت في شهر تشرين الثاني الماضي. إن الرئيس الجديد هو من المثقفين البارزين في البلاد وشاعر مشهور ورئيس جمعية خيرية قدمت الكثير لمساعدة المعوزين والمحرومين في هذا البلد، إضافة إلى حصوله على شهادة في علوم الحاسوب والاقتصاد من جامعة لندن. وقد عمل الرئيس الجديد في عقد السبعينيات في وزارة الصناعة ووزارة الخارجية، وقدم استقالته من العمل بعد أن ألغى المجلس العسكري نتائج الانتخابات التي كانت لصالح "العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية" المعارضة عام 1992. ويُعد هتين كياو أقرب مساعدي آنغ سان سو كوي زعيمة حزب المعارضة " العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية"، وكان يقوم بدور الصلة بين آنغ سان سو كوي والعالم الخارجي بعد أن تعرضت زعيمة الحزب إلى الحجز الاجباري.
لقد حرمت السيدة آنغ سان سو كوي من تولي مسؤولية رئاسة الجمهورية بحسب مواد الدستور الذي جرى سنّه في عهد الطغمة العسكرية، بدعوى زواجها من شخص يحمل جنسية أجنبية (بريطانية) وأنجبت أطفالاً منه. إلاّ أن "العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية" ستتولى زمام الأمور، وأصبحت الحزب الحاكم الفعلي في البلاد. وهكذا ستشهد البلاد أول حكومة شرعية منتخبة من الشعب بعد أن تعرضت البلاد وشعبها في ظل عقود من الحكم العسكري إلى قمع الحريات العامة وغياب الديمقراطية وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفساد والعزلة الدولية. إنها لحظة الفرح والأسف في آن واحد، الفرح نتيجة لتوفر الفرصة للشعب بأن يخطو أولى خطواته على طريق الديمقراطية، والأسف في عدم تمكن زعيمة المعارضة من تولي منصب رئاسة الجمهورية.
سيتسنم هتين كياو منصب رئاسة الجمهورية بشكل رسمي في الأول من نيسان القادم، مؤرخاً بذلك نهاية الحكم العسكري الذي ناهز الخمسين عاماً. ولكن سيواجه الرئيس الجديد وحكومته حجما هائلا من المشاكل والصعوبات والعراقيل. فالوضع الاقتصادي وحالة الركود التي تعصف به جراء السياسات السابقة ستكون المحك على قدرة الحكم الجديد في معالجة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية. فدخل الفرد من الناتج القومي الاجمالي لا يتجاوز إلاّ بقليل مقدار 800 دولار سنوياً. كما أن أنصار الطغمة العسكرية ما زالوا يسيطرون على غالبية المرافق الاقتصادية والإدارية ما يشكل عائقاً أمام القيام بالاصلاحات في هذا القطاع المهم. وسوف لا تتمكن الحكومة الجديدة من القيام بالاصلاح الدستوري لعدم حصولها على الاغلبية التي تمكنها من إجراء أي تغيير في الدستور. فقد نص الاتفاق الذي تم بين المعارضة والمجلس العسكري ضمن عملية الانتقال السلمي عام 2010 على أن يتمتع العسكر بربع أعضاء المجلسين التشريعين، مع أحتفاظهم بمنصب أحد أثنين من نواب الرئيس، مقابل السماح بإجراء الانتخابات وحل المجلس العسكري الذي حكم البلاد خلال العقود الماضية.
وعلى الرغم من النجاح الذي أحرزته المعارضة، فإنها ستخوض صراعاً مريرا من أجل تقليم أضافر العسكر، ووضع البلاد على سكة الديمقراطية الحقيقية.