مدارات

وصفي طاهر.. رجلٌ من العراق

كتابة وتوثيق رواء الجصاني ونضال وصفي طاهر
عرض: د. مزاحم مبارك مال الله
كتاب صدر حديثاً عن "دار الرواد المزدهرة" في طبعته الثانية، يقع في 160صفحة من القطع الكبير، تضمن العديد من الصور التوثيقية وصور وثائق خطية.
وعنوان الكتاب يحمل عنواناً أضافياً وهو"وقائع وشهادات عن التهيئة لثورة 14 تموز ونجاحها واغتيالها".
الكتاب جمع مواده ووثقها السيد رواء الجصاني والسيدة نضال كريمة الشهيد وصفي طاهر، بالرغم من شح المادة التاريخية المتعلقة بالموضوع وعدم وجود ما يوثق سيرة الشهيد عدا تلك الكتب والوثائق الرسمية والخاصة بحياته الدراسية والمهنية وكذلك مذكرات زملائه من الضباط، وقد تم الاعتماد بشكل أساس (وكما هو واضح من صفحات الكتاب) على ما وثقته زوجة الشهيد بلقيس عبد الرحمن، والتي ذكرت ما يلي عن زوجها: "طلب بعض الأصدقاء من وصفي أن يكتب مذكراته عن ثورة 14 تموز، فقال لهم:(أذا أردت أن أكتب فسأكتب بصدق وصراحة، وذلك ما سيغضب الكثير ممن لا أريد أن يغضبوا)، وقد حصل ذلك فعلاً، فلم يدّون الرجل ولا حتى رؤوس نقاط".
الكتاب يحتوي على عشرة فصول.

الفصل الأول/ (1918 – 1948، السنوات الأولى والنشأة والعائلة)
ولد الشهيد في 10/7/1918وهو من عشيرة البياتي، والده طاهر وجده محمد عارف من مؤسسي جيش البلاد أوائل القرن الماضي، وتدرج والده في صفوف الجيش الى أن وصل رتبة عقيد، وأخر وظيفة له كانت (رئيس المحكمة العسكرية في بغداد)، تقاعد في 1944 وتوفي عام 1967.
لوصفي ثلاث أخوة(لطفي ووليد وأسامة، وأخت واحدة زهرة زوجة العلامة المعروف جواد علي).
أكمل وصفي الابتدائية في مدرسة المأمون، أما المتوسطة والإعدادية ففي الثانوية العرابية. في سن 16-17 سنة رغب في التطوع في الفيلق الأممي لمحاربة الفاشية الأسبانية، لكن العائلة ضغطت عليه فمنعته من تحقيق ذلك الحلم.
تخرج برتبة ملازم في الكلية العسكرية ببغداد عام 1939،وتدرج الى أن أصبح عقيداً قبل قيام ثورة 14 تموز 1958، رفض أن يتمتع بأي قِدم أضافي في ترقياته وأستشهد في 9/شباط/1963 وهو برتبة زعيم (عميد).

الفصل الثاني/(1948-1949، في حرب فلسطين)
بناءً على طلبه (وكان برتبة رئيس/نقيب)، تم نقله الى أحدى الوحدات الفاعلة في فلسطين ابتداءً من 12/7/1948، ثم شغل منصب أمر حامية "طوباس"، وبعدها، أمر سرية فوج "الشعراوية"، ثم مسؤولية السرية الثالثة لفوج خالد بن الوليد، ليتولى بعد ذلك آمرية حراسة مقر القيادة العسكرية العراقية في الحرب العربية – الإسرائيلية.
شارك في تشكيل أول فصيل للمقاتلين خلف خطوط العدو، وشارك في معركة "الأشرفية" و "فرونة" في 1/8/1948.
الفصل الثالث/(1950-1958، على طريق التمهيد لثورة الرابع عشر من تموز).
حصل الشهيد على العديد من الأوسمة ومنها، وسام الكوكب الأردني عام 1954،ووسام الهمايوني الإيراني عام 1956، ووسام الاستحقاق المدني الأسباني عام 1956.
في عام 1953 وكان برتبة رئيس أول(رائد)، أوكلت إليه مهمة المعاون الميداني ومرافقة وحماية رئيس الوزراء، وفي تلك الأثناء بدأت تتشكل النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار.
في 8/3/1956 نقل الى معمل تصليح المعدات في معسكر الرشيد بعد أن وصلت معلومات عنه الى نوري السعيد تفيد بتحركاته غير المطمئنة.
وتحت عنوان "مخاضات – وتوجهات"، يتطرق هذا الفصل الى البدايات الأولى لتشكيل تنظيم ضباط الأحرار في العراق متأثراً بعوامل عدّة، وكان وصفي طاهر من بين هؤلاء الضباط وهو الذي قدّم في نيسان 1956 عبد الكريم قاسم لينظم الى التنظيم، حيث تشير الوثائق الى أن الشهيد كان من بين اعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار والتي تشكلت في كانون ثان 1956في اجتماع عقد في بيت (محمد سبع)، وكانت اللجنة قد تألفت من عشرة ضباط.
وتذكر زوجة الشهيد السيدة بلقيس عبد الرحمن في مذكراتها ـ غير المطبوعة ـ، "أن قيادات الضباط الأحرار كانت تجتمع بدارنا في منطقة الصليخ ببغداد عامي 1957و1958."

الفصل الرابع/(الضباط الأحرار، ولجنتهم العليا عشية ثورة تموز)
اتصل بعض أعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار ببعض الأحزاب قبل قيام ثورة 14 تموز، كلٍ على حدة ومن دون علم الآخرين، كما أن اللجنة العليا لم تبقَ كما هي، "فقد توسعت الحركة وشملت عدداً كبيراً من الضباط وأنضم بعضهم الى اللجنة العليا كعبد الكريم قاسم وطاهر يحيى وعبد السلام محمد عارف وغيرهم.
وينقل الباحث ليث الزبيدي في مقابلة شخصية مع العميد الركن جاسم العزاوي بتأريخ 5/6/1976، جاء فيها: "ومن الذين جرى أخبارهم بموعد تنفيذ الحركة الضباط التالية أسمائهم:
• واجب احتياط للقوة في المنصورية ـ الزعيم الركن عبد الكريم قاسم
• واجب مساعدة عبد الكريم قاسم – الزعيم الركن احمد صالح العبدي
• واجب التنفيذ في بغداد:
1. العقيد الركن عبد السلام محمد عارف.
2. العقيد عبد اللطيف الدراجي.
3. العقيد عادل جلال.
• السيطرة على جسر بعقوبة ومقر الفرقة الثالثة فيها – النقيب قاسم الجنابي
• السيطرة على معسكر الرشيد:
1. الرائد الركن جاسم العزاوي.
2. الرائد الركن عبد الستار عبد اللطيف
• واجب الدلالة في خان بني سعد – المقدم وصفي طاهر.
• واجب الدلالة في بغداد:
1. الرائد الركن إبراهيم جاسم التكريتي.
2. الرائد الركن إبراهيم عباس اللامي.
• واجب ضابط الاتصال وتدعيم القوات في بغداد – العقيد عبد الرحمن محمد عارف.
وتحت عنوان محاولات لم تكتمل للقيام بالثورة:
• تكتب السيدة بلقيس عبد الرحمن، "قبل 14 تموز1958 بحوالي شهرين، ودعني وصفي وأوصاني ان أكون شجاعة وأن افتح الراديو عند السادسة صباحاً وأسمع البيان الأول، حمل ملابسه العسكرية، ولكن في العاشرة مساءً عاد ليقول أن الموعد تأجل".
• وفي سيرة القيادي الشيوعي ثابت حبيب العاني، يقول "في 11/12 أيار 1958 جرت محاولة بقيادة عبد الوهاب الشواف، وأداة تلك المحاولة كان اللواء الخامس عشر(في البصرة) بقيادة ناجي طالب ومعه عبد الغني الراوي، على أن يجري التحرك باتجاه بغداد بعد الانتهاء من التمرينات العسكرية."
• ويستمر العاني في قوله،"لم يقتصر نشاط الضباط المعارضين للحكم على الضباط الأحرار وإنما نشطت حركة أخرى من الضباط الشباب تدعى(حركة القسم أو جماعة القسم)، يقودها طه الدوري وشاركه أحمد محسن العلي وخليل إبراهيم العلي وخزعل علي السعدي وحسن النقيب.
• ويقول العاني، "أن الحزب قد حشد أنصاره في حركة الإطاحة بالحكم ومن بينهم الشهيد وصفي طاهر، الذي طلب منه الشواف أن يخبر عبد الكريم قاسم كي يلتحق بوحدته في منصورية الجبل لأنه كان في أجازة".
وتحت عنوان :خلافات بين الضباط الأحرار
يوثق الباحث ليث الزبيدي في مقابلة مع العقيد نعمان ماهر الكنعاني بتأريخ 13/5/1976 ومع المقدم طه ياسين الدوري بتأريخ 11/9/1976، حول بداية التذمر بين صفوف الضباط الأحرار لتأخر اللجنة العليا في القيام بحركة فعالة ضد النظام الملكي وأن الخلافات الشخصية والمبدئية أخذت تعج بها، مما أدى الى قيام اللجنة الوسطية(هيأة الظل) بتشكيل هيأة جديدة تأخذ على عاتقها مهمة تفجير الثورة، وكان أسم الشهيد وصفي طاهر من بين أسماء هذه الهيأة.
كتبت السيدة بلقيس: "أن وصفي طاهر، فكر ذات مرة، وبسبب خلافات بين قيادات الضباط الأحرار، أن ينسحب من التنظيم ويطلب التقاعد، ويهاجر من العراق، احتجاجاً على تلك الخلافات وعدم الاتفاق على رأي واحد قبل الثورة، فكيف ستكون الأمور بعدها .. ولما علم المختلفون بما نوى عليه وصفي، راحوا يقنعونه بالعدول عن رأيه، لأنهم كانوا متأكدين من كونه داينمو التنظيم وقد نجحوا في مسعاهم".

الفصل الخامس/(1958-1963، قيام الثورة..تفرّد، وخلافات واغتيال الجمهورية الأولى)
تكمن أهمية هذا الفصل في كونه يسجل شهادة الشهيد في عدة مواضع، ومنها:
• وصفي طاهر في يوم الثورة/ حيث أدلى بشهادته أمام المحكمة العسكرية الخاصة (محكمة الشعب) عن بعض مهامه يوم 14 تموز 1958،حيث كلفه الزعيم عبد الكريم قاسم بالالتحاق بالرتل القادم الى بغداد في طريق بعقوبة، وفعلاً تم ذلك. ثم يستمر الشهيد بالإدلاء بشهادته ، ويقول، "بعد أن أنجزت المهمة الأولى ، أخذت بعض المدرعات والدبابات الى قصر النهاية فوجدت الجماهير تسحل جثة عبد الإله وعرفت أن فيصل قد قتل أيضاً، رجعت الى الإذاعة وأخبرت عبد السلام عارف ليذيع خبر بالقضاء عليهما"، ويستمر الشهيد وهو يقص ما حصل في يوم الثورة، فيقول: " عند خروجي من الإذاعة ذهبت الى السفارة البريطانية حيث كان الوضع خطراً وبقيت هناك أربع ساعات الى أن تمكنت من ضبط الحالة، وإنقاذ السفير ورجال سفارته، ثم توجهت بعدها الى مقر وزارة الدفاع للالتحاق بقائد الثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم".
• شهادة بحق عبد السلام عارف/ يقول: "بدأت معرفتي بعبد السلام في أواسط 1957 بعد عودة اللواء 19 من أج ثري، وأنها توثقت بواسطة الزعيم عبد الكريم الذي زكّى عارف لنا وأدخله في تنظيم الضباط الأحرار، وكان الضباط يشككون بعارف بسبب سلوكه السابق الذي لا يُشجع، ومنها تبديل دفاتر امتحان أحد التلاميذ حينما كان أمراً لأحد الفصائل في الكلية العسكرية".
ويضيف، "أن العقيد عبد السلام حاول مراراً أبعادي من معية الزعيم عبد الكريم،حيث كانت له نوايا في القضاء على الزعيم ولكن محاولاته باءت بالفشل".
ويقول: "تصرفات عبد السلام الرعناء أدت الى انشقاق الصف في البلد"، ويضيف، "كان عبد السلام يرغب في الانضمام الفوري الى الجمهورية العربية المتحدة ويعلن نفسه نائباً لرئيسها، على عكس ما حددته قيادة ضباط الأحرار في رفع مستوى الشعب وتوحيد صفوفه ولم نحدد الالتحاق بالجمهورية العربية المتحدة مطلقاً بل أخضعنا ذلك الى استفتاء الشعب وهو يقرر ما يريد".
• شهادة حول تفاقم الخلافات بين عارف وقاسم، وكيف أن عبد السلام سحب مسدسه على عبد الكريم.
• يتضمن هذا الفصل واستناداً الى مذكرات السيدة بلقيس، وصفاً لعلاقة الشهيد برفعت الحاج سري.
• كما ان الفصل، أفرد حيزاً عن محاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد، وكيف أن الزعيم رفض دخول صالة العمليات ما لم يحضر وصفي طاهر حيث سلمه مسدسه ثم دخل الصالة، وبقى وصفي في المستشفى الى جانب الزعيم فترة مكوثه فيها. وتقول زوجة الشهيد في مخطوطة مذكراتها: "راح المحرضون والمعادون لمسيرة الثورة، يزورون قاسم في المستشفى ليسمعوه ما يغلي صدره ويؤزم الواقع ومن بين ذلك، أن سبب محاولة الاغتيال هو ميل الزعيم الى اليسار، وراح البعثيون يروجون إشاعة أن وصفي طاهر وجلال الأوقاتي وجماعتهم، وراء محاولة الاغتيال. وبعد خروج قاسم من المستشفى بدأ بنقل كل من هو محسوب على اليسار بما فيهم الضباط الذين أختارهم وصفي طاهر ليكونوا في حماية الثورة، بل راح الزعيم يحذر من وصفي. بدأ وصفي طاهر لا يذهب كثيراً الى مكتبه في وزارة الدفاع. وتقول زوجة الشهيد،: "كان وصفي يبقى ساهراً في الليل قلقاً متوتر بسبب سياسات قاسم وإجراءاته التي ستورط الشعب، وأصبحت السلطة بيد أعداء الثورة ولم يعد لوصفي حول ولا قوة."
الفصل السادس/ (حول مصرع نوري السعيد في 15/7/1958)
بسبب تردد أسم الشهيد وصفي طاهر عن ملابسات مصرع نوري السعيد، لذا أفرد المؤلفان هذا الفصل.
• كان وصفي طاهر مكلفاً باعتقال نوري السعيد الذي نجح في الهرب من بيته فجر يوم الثورة.
• يقول وصفي طاهر في شهادته أمام المحكمة العسكرية الخاصة(محكمة الشعب): "وصلت قصر نوري السعيد على أمل أن تلتحق بي سرية مدرعة لحمايتنا، أذ كنا نخشى أن تكون هناك قوّة في القصر، لكن الصدف ساعدتنا، أذ كان الحرس الخاص بنوري السعيد من الشرطة وقد انسحبوا الى ثكناتهم قبل مجيئنا بربع ساعة، وكنت بصفتي الضابط الذي يقود السرية والقوة المكلفة، أمرت الرئيس أول (بهجت سعيد) والرئيس أول(إبراهيم اللامي) بمرافقتي، كما كلفت بهجت سعيد أن يقسم سريته الى ثلاث أقسام، فصيلان ينفذان الى النهر للحيلولة دون هروب نوري السعيد، وأخر يتبعني الى داخل القصر، ولكن تمكن نوري السعيد من الهرب قبل تطويقه."
• وتذكر السيدة بلقيس في مذكراتها: "في اليوم التالي، وصل خبر مقتل نوري السعيد الى قيادة الثورة في منطقة البتاوين، توجه وصفي طاهر الى موقع الحدث فأوعز بنقله ودفنه في مقبرة باب المعظم، ثم جرى بعد ذلك أخراج الجثمان وسحله والتمثيل به في ظل هياج شعبي غير مسيطر عليه مما أثار غضب عبد الكريم ووصفي وعدد أخر من القيادات".
• هناك كتابات (واجتهادات) تذكر قصة مقتل السعيد، ومنها ، قصة السياسي القومي العراقي محمود الدرّة، وكذلك قصة الشخصية القومية المعروفة نجم الدين السهروردي، والذي يثير تساؤلات في قصة مقتل السعيد فيتساءل: "ولكن كيف هرب نوري السعيد؟ والى أين أتجه؟ من الذي ساعده؟ أين اختبأ ؟من الذي بلغ عن مكان وجوده؟ كل هذا لم يعلن حتى الآن بشكل رسمي رغم انتشار العديد من الإشاعات التي حاولت أن تفسر الموقف" ، ويواصل السهروردي: "كان نوري ساعتها يرتدي عباءة نسائية لكنه لم يكن يعرف كيف يسير بها فشك في أمره أحد المارة وحال اكتشافه أمر نوري السعيد أطلق النار عليه وأرداه قتيلاً هو والمرأة التي كانت تسير معه، وتوجه هذا الشخص فوراً الى وزارة الدفاع وسلم السلاح لضمان حقه في المكافأة، وظل أسم قاتل نوري السعيد سراً إلى أن أعلن عنه بعد وفاته وهو المواطن خضير صالح مهدي السامرائي.
• وفي رواية أخرى أن أحد الجنود شاهد بجامة رجالية من تحت عباءة نسائية فشك في أمره، مما جعل نوري السعيد يرمي رأسه طلقة من مسدسه(أي أن السعيد انتحر).
الفصل السابع/ (وصفي طاهر والعلاقة مع الشيوعيين والحزب الشيوعي العراقي)
يقول المؤلفان: "كُتب الكثير حول الأمر، بوقائع أحياناً، أو باجتهادات وعفو كلام في أحايين أخرى."، ويستشهدان بما كتبته زوجة الشهيد :"إن وصفي لم يكن شيوعياً كما أعتقد، أو يعتقد البعض، ولكنه كان يؤمن بالمبادئ التنويرية والديمقراطية."
بينما قالت نزيهة الدليمي في حديث خاص لمجلة (الثقافة الجديدة) في العدد 306 أيار/حزيران 2002،"كان لدينا قطاع واسع من الشيوعيين العاملين في الجيش،وعن طريق وصفي طاهر،ترتبت لنا علاقة مع عبد الكريم ومجموعته منذ 1954".
أما المؤرخ عزيز سباهي، فيؤكد على دور العقيد وصفي طاهر للتنسيق بين منظمة الضباط الأحرار وبين اتحاد الضباط والجنود، التي انتمى إليها العسكريون الديمقراطيون، وكان للعقيد علاقة مع الحزب الشيوعي العراقي، وهذا ما أكده زكي خيري في مذكراته.
ويقول زكي خيري:"تكللت جهود الحزب بالنجاح في لم شعث الحركة الوطنية في جبهة الاتحاد الوطني في آذار 1957وأرتبطت حركة الضباط الأحرار بقيادة قاسم عن طريق وصفي طاهر وهناك اتصال مباشر مع سلام عادل ورشيد مطلك وعامر عبد الله."، وهذا ما أكده الشخصية الوطنية والمسؤول في الحزب الشيوعي العراقي صالح مهدي دكلة أيضا.
ومن الشهادت المهمة، ما تطرق اليه المفكر والشخصية الوطنية والثقافية العراقية البارزة محمود صبري في مراسم تشييع الراحلة بلقيس عبد الرحمن في براغ بتأريخ 23/3/2001، قائلاً: " قبل 14 تموز1958 بوقت قصير كنت على موعد في بيتي مع الرفيق سلام عادل وشخص أخر(فيما بعد عرفته وصفي طاهر) وأخذتهما الى غرفة الجلوس، بقيت معهما قليلاً ثم تركتهما وحدهما لمناقشة وبحث شيء جاءا من أجله".
ثم تسترسل زوجة الشهيد في حرصه على الحزب الشيوعي في مرحلة ما بعد انتصار الثورة، ويختتم هذا الفصل بما كتبه الباحث أوريل دان: " كانت هناك شخصية هامة بنوع خاص: المقدم، ثم العقيد، وصفي طاهر،المرافق الأقدم لقاسم، وصار أسمه مقروناً بالشيوعيين ولكنه لم يكن قط عضواً في الحزب".
 
(انقلاب 8 شباط 1963 واستشهاد وصفي طاهر)الفصل الثامن 
يقول الموثقان أنهما معنيان بتوثيق اليومين الأخيرين من حياة الشهيد فيما يخص هذا الفصل. أقتبس هذا النص من الكتاب لأهميته:
عشية الانقلاب المشؤوم:
تكتب زوجة الشهيد: "في ليل يوم الأربعاء 6/2/1963، أتصل عبد الكريم قاسم هاتفياً بوصفي ليحضر الى وزارة الدفاع، فأسرع الى هناك وبقى الى صباح اليوم التالي الخميس 7/2/1963،وحينما عاد قال لي :(أطلعني الزعيم على قائمة بأسماء الضباط الذين يدبرون مؤامرة ضد الثورة وأكثرهم من البعثيين)، وبعد حوار مع الزعيم قال له الزعيم: "أطمئن، الجمهورية قوية والشعب قوي وسوف ترى كيف سأقضي على المتآمرين".
صبيحة الانقلاب:
وتستمر زوجة الشهيد:"في صبيحة اليوم المشؤوم كنا نشاهد التلفزيون على الفطور حينما اتصلت بنا إحدى الصديقات لتنقل خبر يُذاع من مأذنة جامع المأمون وتقول أن هناك ثورة ضد عبد الكريم قاسم، فارتدى وصفي ملابسه فوراً وكان معه 90 دينار أعطاها لي، وصل الى حيث يقيم الزعيم فأتصل من هناك وقال لا تبقوا في البيت لأن المتآمرين هجموا على بيت المهداوي، وذهبنا فعلاً الى بيت أقربائنا، وفي أخر اتصال معي قال، (نحاول السيطرة كوني شجاعة)".
• شهادة نعيم سعيد المرافق الشخصي للشهيد يقول فيها:"أن الشهيد قاوم المتآمرين حتى يوم 9/2/1963 وأحتفظ بأخر أطلاقة لنفسه، حيث قام هو وسائق الشهيد فيصل عذاب بتمديد الشهيد وأغمضا عينيه."

الفصل التاسع/(ما بعد 9/2/1963 تاريخ استشهاد وصفي طاهر)
أستُشهِدْ وصفي طاهر أحد أبطال ثورة 14 تموز في التاسع من شباط 1963 عن 45 عاماً ولم يكن قد مر على ترقيته الى رتبة عميد في الجيش العراقي سوى شهر وبضعة أيام، مخلفاً زوجة وأربع بنات. وتقول زوجة الشهيد في مذكراتها :" أصدر الإنقلابيون أوامر بحجز أموال وممتلكات العائلة المنقولة وغير المنقولة، ولما لم يجدوا شيئاً، حجزوا على الإكرامية التي يستحقها كل موظف وتعادل ستة رواتب حين يُحال الى التقاعد(وكان الانقلابيون قد أحالوا 18 ضابطاً إلى التقاعد بضمنهم الشهيد وصفي طاهر)."
لم يكن للشهيد دار باسمه ولا باسم زوجته، كان مشتركاً في تعاونية بناء مساكن للضباط ولكنه لم يحصل منها على مسكن ولم يستغل مركزه كمسؤول بارز في الدولة، ولم يكن له رصيد في البنك.

الفصل العاشر/(ويُخلد وصفي طاهر نفسه : رجلاً من العراق)
وتحت هذا الفصل جاءت بعض العناوين الفرعية والتي بمجموعها تسلط الضوء على شخصية هذا الرجل من مصادر متنوعة كالجواهري وزكي خيري ومحمود صبري ورفعت الحاج سري وثابت حبيب العاني ونزار جلال البياتي.
كان محباً للشعر والغناء العربي المتميز وكذلك للموسيقى العالمية، كان زبوناً دائماً لشارع المتنبي، حنون للغاية ويقدم المساعدة لكل أفراد العائلة وللحرس والسائق، يقوم بالواجب في الزواجات والولادات، ربى بناته على حب الأدب والفنون واللغات والتأريخ والسياسة.
ويمكن أن ننهي عرض كتابنا هذا بما جاء في رسالة زوجة الشهيد من بغداد الى الجواهري الكبير في براغ بتأريخ 3/9/1964، قائلة: "افتقدت وصفي كثيراً، وكلنا افتقدناه فقد كان الزوج والأب المثالي وكان الزوج والصديق والأب والأم وكل شيء لذلك جاء فراقه علي صعباً جداً، ولكني أشكر الله أحياناً لأنه لم يقع بأيدي الأوباش، كما وقع غيره من الأبطال، وتحملوا ما تحملوه من حالات تعذيب وتجاوزات يشيب لها الأطفال. لقد ضحى وصفي بحياته من أجل إنقاذ الجمهورية وشعبها من أيدي عصابة المرتزقة واللصوص وكان مخلصاً للشعب ولمبادئ ثورة 14 تموز الى أخر لحظة من حياته الغالية وضحى بها لأجل الشعب..".
ـــــــــــــــــــــ
وصفي طاهر.. شخصية فذّة من شخصيات تأريخ العراق المعاصر واحد أركان جمهوريتنا الأولى، عفيف اليد، نقي القلب ، طاهر السريرة ولم يبخل على شعبه ووطنه حتى بحياته.