مدارات

رضا الظاهر في "اقتحام السماء" تمرين الكفاح الذي لن يكون الأخير ! / كمال فهمي

بـ "اقتحام السماء" يضيف الكاتب رضا الظاهر مساهمة جديدة متميزة الى انجازاته الابداعية متمثلة بكتبه وأبحاثه المتنوعة.
فقد صدر، مؤخراً، عن (دار الرواد) كتابه القيّم الموسوم (اقتحام السماء .. تأملات في الحراك الشعبي) ليكون أول وأهم مصدر من مصادر دراسة الحركة الاحتجاجية، والحراك الشعبي الأخير، الذي اندلعت شرارته في الحادي والثلاثين من تموز 2015 ومايزال اللهيب متصاعداً حتى اليوم..
وبذلك يكون الظاهر، وهو نفسه ناشط في الحراك، قد قدم، من بين أمور أخرى، منهجية تتسم بوضوح الرؤية في التحليل، لا ريب أنها تشكل عوناً للمنتفضين لادراك الواقع وعلاقاته وسماته وتعقيداته، وتأمل آفاقه. وقد حرص المؤلف على أن يقدم انجازه بالأسلوب الذي تغلب عليه السمة الأدبية واللغة الشاعرية، وهو ما تميز به الظاهر في كتاباته، وبينها عموده الأسبوعي المعروف (تأملات).
وهذا الكتاب، كما يشير المؤلف في مقدمته الوجيزة الهامة، هو "صفحات من تاريخ سياسي واجتماعي معاصر، حاولت فيه طرح أسئلة حارقة حول الصراع السياسي والاجتماعي، ودور ومهمات الحركة الاحتجاجية المدنية، ذات المحتوى الاجتماعي والتوجه التنويري.
وهو مسعىً للنظر في تمرين كفاحي لن يكون الأخير .. وتقييم يحاول أن يبتعد عن التفكير الرغائبي، وسذاجة "التفاؤل الثوري"، واندفاع وانفعال وتطير واستعجال التحليل والحكم، وتشوش والتباس الرؤية، واستبداد الجزع واليأس والتخبط، والمراهنة على ما لا يستحق الرهان حقاً، ولامبالاة التنظيم الثوري باستقلاله الفكري والسياسي".
ويضم الكتاب عشر مقالات كان الكاتب قد نشرها، مواكباً حركة الاحتجاج وتطورها، متسلسلة كل يوم خميس وعلى مدى عشرة أسابيع في الفترة من 28 كانون الثاني وحتى 31 آذار 2016. وفيها تناول موضوعات ملتهبة بينها: مقدمات وأسباب الحراك الشعبي، سمات التظاهرات ومنجزاتها، المواقف المختلفة من الحراك، قضايا سياسية وفكرية منها موضوعات العفوية والتنظيم والميول العدمية والانعزالية، ودلالات الحراك، والاصلاح ومستلزماته والقوى المعرقلة له، ودور المثقفين في الحركة الاحتجاجية، وآفاق الحراك الشعبي.
وفي المقدمة أشار المؤلف الى أن هذه المقالات تصور ما هو غير ساكن، أي أنها تؤرخ لأحداث متحركة ومتغيرة، ولابد من النظر اليها في ضوء هذه الحقيقة، معبراً عن أمله في أن تكون جزءاً من خبرة متراكمة لا شك أن الحاجة ستمس اليها في الحراكات الثورية اللاحقة.
ومن بين اضاءات أخرى في المقدمة قال الكاتب الظاهر إنه " أدى التراكم الكمي للسخط وتعاظمه الى تحول نوعي في الاحتجاج الذي اتخذ أكثر من شكل للتعبير عنه، فأنعش الرجاء الذي ظل متقداً مثل جمرة تحت رماد العراق. وهذا الحراك، الذي تفجر جراء تغير في التوازن الاجتماعي والسياسي، هو سيرورة مفتوحة الآفاق، قد يكون من المبكر، وربما من غير الواقعي، الجزم بما ستؤول اليه عواقبه، وتحديد استنتاجات "نهائية" بشأن مصائره.
غير أن الهدف الرئيسي للحراك، الذي يمكن النظر اليه باعتباره أهم ممارسة كفاحية منذ سقوط الدكتاتورية عام 2003، مرتبط بالأزمة الاجتماعية والسياسية العميقة والمستعصية، وتفاقم معاناة الملايين المأساوية، واستقتال القوى المتنفذة في الدفاع عن امتيازاتها من ناحية، ومن ناحية ثانية بالوعي التنويري وإشاعة ثقافة الاحتجاج والمطالبة بالحقوق، وتوسيع مشاركة القوى الاجتماعية الحية من أجل الغاية الأسمى، متمثلة في إنهاء المحاصصات الطائفية والاثنية، ولّادة الأزمات، وبناء دولة مدنية حقيقية".
وللكاتب رضا الظاهر، المعروف بعموده النقدي الأسبوعي (تأملات) الذي ظل ينشر كل ثلاثاء على مدى تسع سنوات في صحيفة (طريق الشعب)، العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات في الثقافة الجمالية ونقد الرواية، فضلاً عن أربعة كتب مترجمة في هذا الميدان هي: "الدون الهادىء ليس هادئاً"، "جماليات الصورة الفنية"، "الوعي والابداع – دراسات جمالية ماركسية"، و"الثقافة الروحية والتفكير الجديد".
وفي إطار مشروعه النقدي درس العلاقة بين المرأة والأدب، ككاتبة وكشخصية في الرواية، وله في هذا المجال ثلاثة كتب: (غرفة فرجينيا وولف .. دراسة في كتابة النساء) و(الأمير المطرود .. شخصية المرأة في روايات أميركية) و(أمير آخر مطرود .. شخصية المرأة في روايات بريطانية)، فضلاً عن كتب أخرى في الموضوع معدة للنشر.
وفي إطار بحثه في الماركسية والثقافة لديه كتابه الصادر عام 2005 والموسوم (موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة).
كما أصدر كتابا عن روزا لوكسمبورغ هو (النسر المحلق .. تأملات في مثال روزا لوكسمبورغ).
* * *
ستمر مياه كثيرة تحت الجسور التي تعبر عليها المحن والتحديات .. وسيكون على "مقتحمي السماء"، أن يقيّموا، كل حين، حركتهم، ويتلمسوا طريقهم وخطوات مسيرهم، ويدققوا تحليلاتهم ومواقفهم، وهم يمضون، براياتهم وينابيعهم، غير هيّابين، الى غاياتهم الساميات ..
وسيكون كتاب رضا الظاهر (اقتحام السماء .. تأملات في الحراك الشعبي) أحد المصابيح التي تنير الطريق الى تلك الضفاف!