مدارات

محمد صالح العبلي والانقلاب البعثي في شباط "1963 " قائد شيوعي من طراز خاص إعداد وتقديم: د. حمدي التُكمجي / عرض: د. مزاحم مبارك مال الله

من اعداد وتقديم د. حمدي التكمجي صدر في عمان 2015 كتاب "محمد صالح العبللي والانقلاب البعثي في شباط 1963 قائد شيوعي من طراز خاص".
يقع في 224 صفحة من القطع الكبير، وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبت في حق الشهيد العبللي وقصائد تغنت به وببطولات الشيوعيين العراقيين.
الكتاب رحلة زمانية جميلة يأخذنا فيها د. حمدي الى سبعين عاماً خلت حيث بداية تعرفه بالشهيد الرفيق العبللي، يروي لنا من خلالها تفاصيل وأحداثا صنعت فصلاً أساسياً من فصول تاريخ العراق السياسي الحديث وتأريخ حركته الوطنية.
يقول المؤلف في مقدمته انه «اختار الكتابة عن الشهيد العبللي لكونه صديقه الحميم منذ 1944 حتى يوم استشهاده على أيدي جلاوزة البعث في انقلاب شباط الأسود عام 1963».
وجاء في مقدمته: «لقد تفرغ العبللي للعمل التنظيمي الذي كان يجيده وكان يشارك رفاق المكتب السياسي وخصوصاً سلام عادل والحيدري في صياغة وكتابة المقالات والأبحاث والدراسات، وكان يجيد الكتابة بأسلوب شيق وخط جميل».
ثم يشير الى انه تعرف الى الشهيد عن طريق اخيه د. حافظ التُكمجي عندما كانت الاجتماعات تجري في بيتهم في منطقة «صبابيغ الآل» خلال1944و1946،ويقول لقد («رأيت في هذه الاجتماعات كتابة الصحيفة الحائطية» التي ينجزها العبللي ومحمود صبري.)
كما جرت في دارهم الأحاديث حول تأسيس (مكتبة الطريق)،وفعلاً تم تأسيسها في شارع الأمين ثم انتقلت الى شارع الرشيد قرب مقهى حسن عجمي والتي تعرضت الى الغلق فيما بعد.
ويقول د.حمدي»ان الثلاثي العبللي ومحمود صبري وحافظ ومن خلال المكتبة أصبحوا نواة لتجمع شبابي حيث أسسوا (جمعية مكافحة الأمية) رأسها محمود صبري، وأنضم الى الجمعية مئات العمال والبسطاء الذين رغبوا في تعلم القراءة والكتابة، وأثناء تعليمهم كانوا يتحدثون اليهم عن سوء الأوضاع السياسية في العراق وانعدام الحرية والعدالة «.
ويتابع « كان العبللي من أنشط أعضاء الجماعة، ينظر بعيداً دائم الأفكار الجديدة والأعمال الرائدة، نشط الحركة، عميق التفكير، كثير القراءة، ويناقش كثيراً، هادئ في كلامه، حازم في رأيه، لا يجامل، يبحث عن الحقيقة، لا يكتفي بموقعه، وصاحب قدرات متعددة.»
وفي الفترة نفسها أسسوا (مدرسة المأمونية) فأصبحت محلاً لتجمع الشباب»، ويقول «رأيت بروفات مسرحيات من تأليف وتمثيل العبللي».
انتمى العبللي ومحمود صبري وحافظ وحمدي التُكمجي الى الحزب الوطني الديمقراطي، ولكنهم كانوا يبذلون الطاقات لأجل اتخاذ خطوات أكثر يسارية وثورية في الحزب، وقد ساهموا في تظاهرات 1946ضد حكومة ارشد العمري وجرح فيها بعض المتظاهرين، ولما علمت قيادة الحزب بمشاركتهم جرت محاكمتهم حزبياً لاشتراكهم في تظاهرة نظمها الحزب الشيوعي العراقي، وبعد هذه الحادثة تركوا الحزب الوطني الديمقراطي.
ويذكر المؤلف ان الشهيد قاد تظاهرات 1952(انتفاضة تشرين)، والتي انطلقت من العبخانة قرب المدرسة الجعفرية وحينما وصلت التظاهرة الى باب المعظم أوقفها العبللي وخطب فيها، ثم استمرت عبر شارع الرشيد رجوعاً الى الباب الشرقي وكل ذلك جرى بقيادته وتوجيهه، استمرت التظاهرات ثلاثة أيام وأسقطت الحكومة، مما عرضه الى الملاحقة من قبل المخابرات والشرطة.
ويقول د.حمدي» كان يحضر دائماً الى دارنا ليلاً مع دراجته التي في مقدمتها صندوق مشبك فيه (صمون)، وفي داخل الصمون، منشورات، في الصباح الباكر يقوم بتوزيع الصمون». ويتابع «لم يكن لديه الوقت لرؤية أهله وأصدقائه بشكل اعتيادي، فقد تبنى القضية الوطنية وأصبح الحزب ورفاقه، أهله وأصدقاءه وحياته».
في الفصل الثاني يتناول المؤلف (الحياة السياسية لمحمد العبللي)، ويقول، أن الشهيد ساهم بشكل فاعل في وثبة كانون 1948 حيث برزت إمكاناته القيادية وساهم بشكل فاعل في حماية مؤتمر السباع حيث انبثق منه اتحاد الطلبة العام، وكان من بين الذين حموا المؤتمر، أخوه الفقيد القائد العمالي» كليبان صالح».
شارك في تظاهرة نظمها الحزب في 17 تموز 1948 في الصحن الكاظمي ضد وزارة مزاحم الباجه جي، ألقي القبض عليه مع مجموعة من رفاقه وقدموا الى المحكمة فتم الحكم عليه بالسجن ونقل من سجن بغداد الى سجن الكوت حيث التقى أواخر 1948 بالخالد فهد. وبعد تنفيذ حكم الإعدام بالخالدين فهد وحازم وصارم في 1949 نقل مع عدد من السجناء من بغداد والكوت حيث تعرف إلى الخالد سلام عادل، ومنها بدأت رحلة صداقة حميمة ورفقة نضال امتدت حتى استشهادهما.
في بداية عام 1951 خرج من السجن وهو أكثر صلابة وساهم مساهمة فعالة في تنظيم التجمعات النسائية وتظاهراتها تضامناً مع إضراب سجناء نقرة السلمان والكوت والذي بدأ في 12/7/1951، أثناء هذا الإضراب أستشهد رفيقه وصديقه (نعمان محمد صالح) في 3/12/1951، حيث لعب العبللي دوراً كبيراً في تنظيم تشييع الرفيق نعمان، وقد رتب قبل ذلك عملية تهريب الجثمان من الطب العدلي حيث كانت السلطة قد منعت التشييع، الذي تحول الى تظاهرة كبرى جابت شوارع بغداد، وقد القى الشاعران الكبيران الجواهري وبحر العلوم قصائد على قبر الشهيد، كان لاستشهاد الرفيق نعمان أثر بالغ في حياة العبللي بحيث غيّر أسمه الحزبي من (رشدي) الى (نعمان) وحتى يوم استشهاده ظل على هذا الاسم.
الشهيد العبلي من مؤسسي اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي وكان ضمن اللجنة القيادية للاتحاد الى جانب عزيز الشيخ وعبد الجبار وهبي ودلي مريوش ونزيهة الدليمي. ولعب دوراً بارزاً في تظاهرات تشرين 1952.
في نيسان 1953 أصبح الرفيق العبللي عضواً في اللجنة المركزية التي تكونت من كريم احمد(سكرتيراً) ، وعضوية (ناصر عبود، عبد الله عمر محي الدين، حسين الرضي «سلام عادل»، سليم الجلبي، صادق الفلاحي).
كانت فترة عصيبة أحاطت بالحركة الوطنية والديمقراطية، وقد لعب العبللي دوراً كبيراً مع الشهيد سلام عادل في عملية توحيد الحزب، فانتخب الرفيق الخالد سلام عادل سكرتيراً للحزب، أما الشهيد الخالد العبللي فأعيد انتخابه عضواً في اللجنة المركزية.
ويقول الفقيد عامر عبد الله «لقد، تمكن الحزب من طبع نصف مليون منشور إبان التظاهرات الجماهيرية التي دعا اليها الحزب ضد العدوان الثلاثي على مصر وكان الشهيد العبلي يأخذ المنشورات على دراجته من المطبعة السرية ليجري توزيعها فوراً».
شكل الحزب وفداً كبيراً مؤلفاً من (120) شابة وشاب لحضور مهرجان موسكو العالمي للطلبة والشبيبة للفترة 28/7 – 12/8/1957 برئاسة الشهيد العبللي، وبعد انفضاض المهرجان التحق العبللي بمدرسة كادحي الشرق الحزبية وكان الطالب العراقي الثاني الذي يلتحق بها بعد الرفيق الخالد فهد ليدرس هناك العلوم الماركسية. قدم أكثر من طلب بعد انتصار ثورة 14 تموز 1958 للعودة ولكن قيادة الحزب لم تسمح له بذلك الى ان ينهي دراسته هناك في 1960.
عاد الى الوطن في نهاية 1960 حيث انخرط في العمل الحزبي فأصبح عضواً في المكتب السياسي في تشرين الثاني 1961.
صباح يوم 8 شباط الأسود 1963 خرج العبللي من البيت تاركاً عائلته، ولم يعد !
كثيرة جداً هي الكتابات التي أرخّت بطولة الشيوعيين في عگد الأكراد ومقاومتهم الانقلابيين الدمويين في 8 شباط، تلك المقاومة الباسلة التي قادها الشهيد محمد صالح العبللي.
بعد ثلاثة أيام من المقاومة الباسلة من قبل الشيوعيين وعائلات منطقة عگد الأكراد، ونتيجة لاستشهاد قادة ثورة تموز وسيطرة الفاشست البعثيين على المعسكرات والثكنات العسكرية، قرر قادة المقاومة وهم العبللي وحسين الوردي ولطيف حيدر الحاج، إنهاء المقاومة والعمل على الحفاظ على الكوادر الحزبية المتبقية.
شكل جمال الحيدري والعبللي وعبد الجبار وهبي (ابو سعيد) المركز القيادي ، بعد اعتقال الخالد سلام عادل في 20 شباط وأعلن عن استشهاده في 9 آذار مع قادة الحزب الميامين محمد حسين ابو العيس وحسن عوينة، وأصبح العبللي المطلوب الاول هو والحيدري من قبل جلاوزة البعث. وقد تمكنا من لملمة ما يمكن الحفاظ عليه من رفاق وأماكن حزبية وأصدرا جريدة الحزب المركزية «طريق الشعب»، في نهاية حزيران عام 1963، وتم توزيعها في أغلب مناطق العراق ، كما أنها وصلت الى المعتقلات والسجون.
يذكر احد الرفاق وكان معتقلاً في قصر النهاية بأن المجرم منذر الونداوي قائد الحرس القومي، سأل أفراد عصابته المجرمين، «هل اعتقلتم العبللي؟ أجابوا ، كلا ، فقال : إذن الحزب الشيوعي مازال موجوداً في الشارع».
ومما زاد في صعوبة اعتقال الخالد العبللي، أن قطعان الحرس القومي لا يعرفون سوى اسمه، حيث لم يمتلكوا له أية صورة».
وتشير المعلومات التي أوردها الرفيقات والرفاق الذين عاصروا تلك الأيام الصعبة الى وصول معلومات الى العبللي عن نيّة الشيوعيين القيام بحركة في معسكر الرشيد وقد حاول ان ينسق مع القائمين بها ، الاّ انه لم يتمكن بسبب سرية التحرك والعمل الحذر جداً.
اعتقل العبللي يوم 18/7/1963 على اثر تسليمه جريدة الحزب الى احد كوادر الحزب والذي كان مراقباً من قبل الحرس القومي، في الساحة القريبة من كراج الأمانة في باب المعظم.
هناك حقائق كثيرة ذكرها معتقلون شهود عيان في قصر النهاية يروون ما تعرض له الشهداء الأبرار من تعذيب حتى استشهادهم، إضافة الى اعترافات المجرمين أنفسهم الذين قاموا بتلك الأعمال الإجرامية الانتقامية التي تجاوزت ما يمكن ان يصدقه العقل البشري.
لقد قطع المجرمون يد الشهيد الخالد العبللي وقضوا على حياته حينما حفروا له حفرة انزلوه فيها، وطلب منه المجرمان خالد طبرة وسعدون شاكر ان يعترف، فأبى حتى رماه المجرم سعدون بطلقة في رأسه.
بعض من مآثر الرفيق الخالد العبللي بشهادة رفاق عاصروه:
• أصبح مشرف تنظيمات الحزب في ديالى وفي أول اجتماع للمنظمة قال:»يجب ان نبني منظمة شيوعية متينة،علينا الاتصال بالفلاحين والعمال والكسبة وفقراء المنطقة ،فهم الركيزة الأساسية في بناء الحزب»، واستطاع ان يفعّل الخلايا، كان شديد الملاحظة ودقيقا وفي الوقت نفسه متواضعا وبسيطا، يتعاون في حل المشكلات الشخصية، يختبر الرفاق من خلال تكليفهم بالعمل، كان يجلس بين الحمالين وأصحاب العربات والعمال والفلاحين وذاكرته ذهبية. سريع التنكر كي لا يعرفه الأعداء، دقيق المواعيد، وكان يقول لرفاقه «تحركوا، ناقشوا، انتقدوا نقداً علمياً، اقرؤوا الكتب وناقشوها فالشيوعي يجب ان يتعلم ويثقف نفسه».
• أوكلت اليه مهمة الإشراف على تهريب الرفاق من سجن بعقوبة، وقسّم العمل بين الرفاق وحسب تحديد الوقت للتنفيذ، وإمعاناً في ضبط الوقت أخذ ليلة التنفيذ ساعات الرفاق المكلفين بالمهمة وضبطها جميعاً ضبطاً واحداً وأعادها اليهم.
في الفصل الرابع من الكتاب يقص ابن الشهيد الخالد «سلام»، عن جدة والده الشجاعة. ويتطرق في صفحات أخرى عن عمه القائد النقابي العمالي «ليبان صالح عبلي» والذي تؤكد الأحداث انه توفي مسموماً في احدى المستشفيات. وفي موقع اخر عن أمه المناضلة «وردة ماربين» من أسرة مناضلة قدمت الكثير، فهي شقيقة الشهيد حنا وسلمان والقائد النقابي بطرس والمناضل عبد الأحد. المناضلة وردة عملت في مطبعة الحزب وعملت مراسلة حزبية حيث تعرفت إلى الشهيد محمد العبللي فتزوجا. اعتقلت في 1/1/1958 حينما داهمت الشرطة البيت الحزبي الذي كانت تسكنه مع المناضلة رضية الصفار وأودعت السجن هي وأطفالها سلام وسميرة وأطلق سراحهم بعد قيام ثورة تموز 1958. اعتقلت مرة أخرى في 20/شباط 1963 وأودعت في قصر النهاية مع ابنتها الرضيعة ندى لتمضي رحلة العذاب والتعذيب فأحيلت الى المحكمة لتصدر عليها حكما بالسجن خمس سنوات مع سنتين مراقبة. قضت المحكومية مع سنَتي المراقبة, رحلت الى أربيل بعد سقوط النظام عام 2003وتوفيت هناك عام 2010 عن 79 عاماً.
في الفصل الخامس من الكتاب يورد د. حمدي نص الحوار الذي أجرته جريدة الحقيقة مع الرفيق ابو داود سكرتير اللجنة المركزية للحزب، بمناسبة الذكرى 51 لانقلاب شباط الأسود والذي يورد فيه تفاصيل مهمة عن أحداث تلك الأيام السوداء وموقف الحزب من كل ما جرى.
الفصل السادس خصصه معد الكتاب لمقالة الرفيقة ثمينة ناجي يوسف (أم أيمان) أرملة الشهيد الخالد سلام عادل، كتبته عن الشهيد العبللي، لتتحدث عن خصاله الأخلاقية الرفيعة ومبدئيته الثابتة وإمكاناته الحزبية العالية وأهمها قدرته وقابليته على التنكر والتخفي. وتقول : «تعود أصول عائلة العبللي الى بعقوبة، فانتقل أجداده الى بغداد واتخذ أعمامه الثلاثة بيوتاً متجاورة في (قنبر علي)، زامل الفنان التشكيلي محمود صبري حيث ارتبطا بصداقة قوية، انتقل العبللي الى الدراسة المسائية في المتوسطة والإعدادية وعمل في الوقت نفسه بصناعة الأحذية ومن ثم في المطابع، انتمى إلى الحزب الشيوعي عام 1947، اعتقل بعد الوثبة وحكم عليه بالسجن سنتين بسبب نشاطه، تعرف إلى سلام عادل وأصبحا صديقين في سجن نقرة السلمان بداية عام 1949، اطلق سراحه في نهاية 1950 واصبح عضو لجنة بغداد ومن ثم انتخب عضواً في اللجنة المركزية.» وتروي الحادثة التالية بعد ان أصبح مشرفاً على ديالى زاره الرفيق سكرتير الحزب سلام عادل بعد شهرين :» في الموعد المتفق عليه جلس سلام عادل في كراج بعقوبة ينتظر العبللي ولكنه تأخر فقلق سلام، وفجأة وقف أمامه فلاح في حزامه منجل وبيده(كونية) خضراء، وبدأ يكلمه، التفت سلام وإذا به العبللي، تعانقا وقال العبللي، جئت إلى الموعد في الوقت تماماً وجلست أراقبك ثم رحت وجئت أمامك فلم تميزني»، ثم تقول: « تمكن العبللي من كسب عائلة الحكيم بكامل أفرادها والذين سيصبحون من مناضلي الحزب المرموقين، وكانوا يمتلكون بستانا في بعقوبة فراح يتردد عليهم كفلاح لانجاز المهام الحزبية».
في الفصل السابع يروي د. حافظ التكمجي كيف تعرف إلى محمود صبري لأول مرة في الإعدادية المركزية والذي أخذه الى العبللي الذي كان يدير مكتبة غازي. ثم ينتقل الى قصة الانتماء الى الحزب الوطني الديمقراطي الذي تركوه لكونه لم يجب عن تساؤلاتهم بصدد تحرير العراق وتثبيت العدالة الاجتماعية فوجدوا ضالتهم في الحزب الشيوعي العراقي. افترق الرفيقان منذ 1949 وحتى 1957 بسبب سفر التكمجي للدراسة، والتقيا مجدداً في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي في موسكو اذ كان الشهيد العبللي رئيساً للوفد العراقي.
وتحت عنوان (مذاق الذكريات يقيم قي صدري مستيقظاً)، يكتب جاسم المطير في الفصل الثامن من الكتاب، عن القائد العبللي وقد التقاه مرتين في مهمتين حزبيتين مرة في بغداد والأخرى في البصرة، ويقول عنه :»يملك تجارب متميزة في الظواهر الأدبية والفنية العراقية والعربية، جاد في كلماته لكنه يملحّها بروح المزاح والنكتة، يجذب انتباه السامعين اليه وفي الوقت ذاته قادر على بث الحيوية عندهم، أنه معلم يمتلك رؤية عسكرية، يمتلك موهبة الطبخ، يحفظ معلومات قاموسية كثيرة، كان كثير القراءة قبل النوم وكذلك بعد ان يستيقظ والكتب موجودة دوماً عند رأسه، وكان ينصح الآخرين ان لا يضيعوا اية دقيقة من حياتهم من دون استغلالها في تعلم شيء ما مهما كان بسيطاً، كان يتحدث عن الثقافة والفن والروايات والمسرح وكل أحاديثه كانت ذات مضمون فكري».
في الفصل التاسع، وتحت عنوان(محمد صالح العبلي نموذج المناضل العنيد) كتب عبد الرزاق الصافي، «تعود بي الذاكرة مع الشهيد العبلي الى عام 1952، حيث أكمل الشهيد محكوميته وكان يقضي فترة المراقبة بالتوقيع يومياً في مركز الشرطة للحد من نشاطه، ورغم ذلك كان الشهيد في غاية النشاط لبراعته، الأمر الذي جعل ضابط الأمن يقول له (أنك تواصل العمل السياسي حتى لو ربطناك مع أحد أفراد الأمن بالكلبجة طيلة اليوم).
«العبللي رمز البطولة والنضال والاستشهاد» هكذا كتب حكمت خليل في الفصل العاشر، ويقول: «الشهيد العبللي من مواليد 1927 في محلة قنبر علي من عائلة كادحة حيث كان أبوه وأعمامه من محترفي صنع الأحذية، كانت لقاءاته متواصلة مع الشيوعيين والتقدميين والوطنيين من الأحزاب الأخرى من أبناء المنطقة، حيث كانوا يلتقون في مقهى الطرف المعروف بـ (قهوة سباني) الواقع في نهاية محلة (فضوة قرة شعبان) مقابل الشارع المؤدي الى جامع الشيخ عمر وكان بمثابة منتدى وملتقى لكل العناصر الوطنية من التقدميين والشيوعيين منذ 1945 حتى 1950.»
في الفصل الحادي عشر،كتب خالص محي الدين، «استشهد على يد جلاوزة البعث سنة 1963 محافظاً على شرف عضويته في الحزب رغم كل الممارسات الوحشية في التعذيب» ويضيف «حرم نفسه من متع الشباب ولذائذه ، لم يشاهد فيلماً في دور السينما ولم يرتد باراً للشرب، وحتى اذا جلس في مقهى فليس للمتعة والتسلية بل لموعد حزبي».
كتاب اجده مهماً ليأخذ مكانه في مكتبة اي مثقف عراقي لكونه يسلط الضوء على حقبة من التاريخ العراقي المعاصر ويزيد من كشف الحقائق على جريمة العصر التي اقترفها انقلابيو شباط 1963 في العراق بحق الشعب العراقي.