مدارات

فرنسا.. النقابات العمالية مصرة على سحب قانون العمل الجديد

رشيد غويلب
مرة ثانية عاد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس, في الخامس من تموز, الى توظيف المادة (49.3), الأكثر رجعية في الدستور الفرنسي, لتمرير مشروع "قانون العمل الجديد" في قراءته الأولى في البرلمان دون مناقشة ودون التصويت عليه. وكانت الحكومة قد استخدمت, في ايار الفائت, نفس الوسيلة المعادية للديمقراطية لتمرير مشروع القانون في قراءته الاولى في الجمعية الوطنية الفرنسية, لأنها لم تكن واثقة من امكانية تحقيق الأكثرية المطلوبة.
وبالتوازي مع ذلك شارك الآلاف مجدد في باريس وكبريات المدن الفرنسية للمرة الثانية عشره في موجات الاحتجاج الرافضة لإقرار المشروع. وجاء في تصريح صحفي لنقابة سي جي تي اليسارية: "وعلى الرغم من التواجد المفرط لقوات الأمن والذي حرم الكثيرين من المشاركة في تظاهرة باريس شارك في تظاهرة اليوم 45 الف, وفي تولوز 10 الف, و15 الف في مارسيه". وتسبب اضراب العاملين في اغلاق برج ايفل امام السواح, وكذلك ملعب كرة القدم الرئيس الذي استضاف الأحد الفائت مباراة نهائي كأس الأمم الأوربية.
تعليقا على الفعل اللاديمقراطي للحكومة قال السكرتير العام لنقابات الـ سي جي تي فيليب مارتينز: "الحكومة لا تتمتع بدعم الراي العام , وليس هناك اكثرية نقابية او برلمانية لفرض مشروع القانون". وفي بيان مشترك للنقابات ومنظمات الشبيبة صدر بعد نهاية الاحتجاجات الأخيرة بعنوان "المادة 49.3 سوف لن توقفنا" تم التأكيد على: "إن التصميم عل سحب مشروع القانون والحصول على حقوق جديدة, لم تهزه ممارسة العنف الجديدة للحكومة". وان "الحكومة في وهم كبير عندما تعتقد ان بإمكانها اختزال الديمقراطية, عندما تمرر قانون بهذه الأهمية خلال عطلة الصيف. سوف لن تستسلم الحركة الاجتماعية, وهناك الكثير من المبادرات اقرت خلال الصيف للتهيئة لعودة قوية بعد نهاية فترة الإجازة, لمنع تنفيذ القانون".
لقد كررت الحكومة لعبتها في اجراء تغييرات شكليه كما فعلت عند تمرير القراءة الأولى, لكي تكسب تأييدا اكبر من اعضاء كتلتها البرلمانية, ولكن تمت المحافظة على جوهر مشروع القانون المعادي لحقوق العمال ودور النقابات العمالية. وحتى مبادرة اكثر 120 من نواب الحزب الحاكم لاجراء تغييرات تمنع المساس بالمكتسبات العمالية المتحققة في القانون النافذ لم تلتفت اليها الحكومة.
ولكن عودة الحكومة إلى توظيف المادة 49.3 ادت الى افشال كل المساعي للوصول الى "حل وسط", وبالمقابل خلق ارباكا وتحولات كبيرة في معسكر الحكومة. ان المادة الاستثنائية 49.3 تتيح للحكومة تمرير مشروع القانون حتى من دون أية مناقشة للتعديلات المقدمة و من دون تصويت رسمي, إذا قدم رئيس الحكومة قرار ضمان من مجلس الوزراء بتحمل المسؤولية المترتبة على المشروع. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول قد نجح في حينه في تثبيت هذه المادة في دستور الجمهورية الخامسة , لسرقة حقوق أعضاء البرلمان, وتعزيز صلاحياته. وتستطيع الحكومة بموجب هذه المادة الضغط على اعضاء كتلتها البرلمانية, الذين يعارضون جوانب من سياستها, وتضعهم بين خيارين اما التصويت لصالحها, او التصويت لإسقاطها.
الخيار الوحيد الذي بقي لمنع القانون , هو سحب الثقة من الحكومة خلال 24 ساعة, على ان يتم التصويت عليه خلال ثلاثة أيام, وبموافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان الفرنسي, وبهذا سيتم رفض القانون المذكور وتضطر الحكومة إلى الاستقالة. هذه المرة اعلنت المعارضة اليمينية على عكس المرة السابقة تخليها عن اي مشروع يدعو إلى سحب الثقة من الحكومة. وبهذا يتضح دعم اليمين لمشروع "قانون العمل الجديد" المعادي للحقوق الاجتماعية. وحصل مشروع سحب الثقة الذي قدمته قوى اليسار على دعم 56 نائبا بدلا من الحد الأدنى المطلوب 58 نائبا. وقد هددت قيادة الحزب الاشتراكي الحاكم اعضاء كتلتها البرلمانية بطرد الداعمين منهم لمشروع سحب الثقة من صفوف الحزب, وقد نجح هذا التهديد في تراجع اكثر النواب الاشتراكيين الداعمين لفكرة سحب الثقة. وعلى الرغم من ذلك وقع 32 نائبا اشتراكيا الى جانب 13 نائبا شيوعيا و10 نواب خضر على المطالبة بسحب الثقة.
وتنتظر مشروع "قانون العمل الجديد" قراءة ثانية في مجلس الشيوخ في 18 تموز. وستكون الكلمة الأخيرة للجمعية الوطنية في 20 تموز. من جانبها اكدت النقابات انها ستستمر في نضالها ضد المشروع حتى في حالة فرضه النهائي. وان النقابات ستستخدم كل الوسائل المتاحة في داخل المصانع لمنع تنفيذ هذا "القانون" الجائر. واعلنت النقابات عن مجموعة من الأنشطة خلال فترة الإجازة مثل اضراب سائقي الطرق السريعة, لفرض نقل المسافرين خلال اجازة الصيف مجانا, وكذلك تنظيم انشطة في المراكز السياحية, وهناك عودة قوية إلى الاحتجاجات بعد نهاية عطلة الصيف.