مدارات

المؤتمر السابع لرابطة الأنصار الشيوعيين :خُطى راسخة، والثقافة تتقدم المهمات / داود أمين

 

مثل كل المؤتمرات الستة السابقة، كانت معظم ساعات اليوم الأول، حافلة بمشاعر الود والصداقة، وفيض العواطف الطافح، بين القادمين ومُستقبليهم، في الغابة التي تقع في ضواحي مدينة يوتوبوري السويدية، ففرع الرابطة في يوتوبوري، وبالتعاون مع منظمة الحزب والنادي الثقافي ومنظمات أخرى، هيأ كل ما بإستطاعته، من أجل أن يستضيف هذا العدد الكبير من الأنصار والنصيرات، وأن يوفر لهم الراحة والقدرة على إنجاز ما إجتمعوا من أجله، والأنصار الشيوعيون، الذين عاشوا عقداً كاملاً، من النضال المطرز بالتضحية والجسارة والإقدام، فوق جبال وسفوح كردستان، يشكلون الآن ما يقترب من عائلة، يفترق أفرادها ثم يلتقون، عائلة ذات ملامح متقاربة، فالثلوج علت رؤوس الجميع، والأصباغ لا تعالج ما أفسده الدهر، كما في حالة شاربي الذي:
أعالجُهُ صباحاً بالسُخامِ فيرجعُ أبيضاً وقتَ المنامِ!
ويضحك ساخراً مني طويلاً ويحسبني كلص أو حرامي
كما إن ( المجموعات الكاملة! ) من الأدوية، ظلت ترافق وجبات الفطور لأغلب الحاضرين.
الكاميرات كانت تدور في أيدي الكثيرين، تُثبت الوجوه واللحظات، ربما تعويضاً لوجوه غابت ولحظات فرطتْ، في زمن كانت الكاميرات فيه أشياء عزيزة ونادرة! فضاعت أجزاء هامة وغالية، من تأريخنا الأنصاري النادر، في البذل والعطاء.
أكثر من 130 نصيراً ونصيرة، بين مندوب وضيف، بينهم عدد كبير من النساء، إحتشدوا في المكان، قادمين من معظم بلدان أوربا، ومن اربيل وبغداد أيضاً، وهي المرة الأولى التي تنجح فيها الرابطة، في الحصول على الفيزا لأعضائها من الوطن.
الخيمة الواسعة، التي شهدت طوال ثلاثة أيام متتالية، أحرَّ الحوارات، وأكثر النقاشات سخونة وتناقضاً، كانت تُنضِجُ على نار ليست هادئة، افضل النتائج، وأقرب القرارات للواقع والتطبيق، فالأصوات العالية، والحرقة النابعة من الحرص، التي كنت أحسها، من معظم المتداخلين والمساهمين في الحوار، كانت تعابير صادقة، عن رغبة في التطوير، وإصرار على إعادة الإعتبار لحركة نضالية مغدورة ومعزولة، بقصد أوبدون قصد، عن المساهمة في رسم مستقبل العراق، وهي التي نذرت نفسها، وقدمت المئات من خيرة أبنائها، من أجل صنع هذا المستقبل، وجعله أكثر عدالة وإنسانية.
النظام الداخلي والتقرير الإنجازي وتقرير اللجنة الثقافية والتقرير المالي، التي توزعت على ورش المؤتمر الأربعة، جرت عليها تعديلات هامة وإضافات ومقترحات واقعية وملموسة، من قبل المساهمين في تلك الورش، لذلك كان إقرار تلك الوثائق من قبل الجميع، تعبيراً عن ترسيخ لأقدام كيان حي، لرابطة أنصارية فاعلة ومؤثرة، يُفترض أن تلعب دورها الطبيعي والفاعل في المستقبل.
جولة الإنتخابات، والرغبة الواسعة في الترشيح، للهيئة القيادية الجديدة للرابطة، كانت هي ايضاً رهاناً إضافياً على نجاح الرابطة، وعلى ترسخ أقدامها، إذ رشح سبعة أنصار أنفسهم، وهي المرة الأولى، التي أرى فيها هذا العدد، من الترشيح للنفس، في أي إنتخابات حضرتها، كما رشح آخرون غيرهم، وفي النهاية وافق أكثر من خمسة عشر نصيرة ونصيراً على خوض الإنتخابات، لتكلل النتائج، بعد التصويت والفرز، بهيئة قيادية ممتازة، أعتقد أنها ستنقل عمل الرابطة القادم، نحو أفاق أكثر رحابة وفاعلية.
ولآن الأنصار الشيوعيين، الذين إنخرطوا في الحركة الأنصارية، طوال عقد الثمانينات من قرننا المنفرط، لم يكونوا مقاتلين عاديين، بمعنى أنهم لم يكونوا يشبهون مقاتلي الحركة القومية الكردية، المعتمدة، بشكل رئيسي، على الفلاحين وسكان الريف من المواطنين الأكراد، ولم يكونوا يشبهون أيضاً حركة الحزب الأنصارية عام 1963، التي هي أيضاً إعتمدت على سكان الريف والرفاق الأكراد بشكل رئيسي، فحركتنا الأنصارية في الثمانينات، ضمت عشرات المثقفين، من شعراء وكتاب وصحفيين ومسرحيين وتشكيليين وموسيقيين، كما ضمت مثات الأكاديميين وخريجي وطلبة الجامعات والمتعلمين عموماً، وهؤلاء ينتمون لجميع قوميات شعبنا ، من العرب والكرد والتركمان والكلدوآشوريين، من كردستان العراق حتى بصرته الحبيبة، لذلك لم يكن غريباً، أن حركة أنصارية مقاتلة، هذا جسدها الاساسي، أن تكون الثقافة بكل فروعها واحدة من إولى أولوياتها، لذلك نشط المسرح ومعارض الفن التشكيلي والحفلات والندوات والمحاضرات الأدبية والفنية، في عموم المواقع الأنصارية الثابتة، بل حتى في عدد من المفارز والسرايا المقاتلة.
لقد إستمر الهم الثقافي لدى الأنصار المبدعين، بعد إنتهاء الحركة الأنصارية، بل لقد أضيف للذين أنتجوا وأبدعوا زمن الحركة الأنصارية، مبدعون جدد من الأنصار، فظهر روائيون وقصاصون وشعراء ورسامون وكتاب وغيرهم من الأنصار، إذ طوَّر الكثير منهم أدواته السابقة وصقلوا المواهب، التي لم تتبلور حينها، لذلك لم نُفاجيء عندما يُقدم خلال أيام هذا المؤتمر، عملان مسرحيان، من إخراج وتمثيل النصيرة نضال عبد الكريم والنصير سلام الصكر، وأن تشُد مضامينهما والتمثيل والإخراج، عشرات المشاهدين الذين إزدحمت بهم قاعة العرض. كما عرضت جدران إحدى القاعات أربع معارض تشكيلية، لأربعة رسامين أنصار، هم ستار عناد( أبو بسام ) وعباس العباس( أبو فائز ) وسربست( أبو تحرير ) وعماد الطائي، وكانت الرسوم الرائعة لهم، تعكس تجارب متنوعة، وتطويراً واضحاً لنتاجات سابقة. كما كانت كتب النصير فيصل الفؤادي ( أبو رضية ) الخاصة بالأنصار، وسيديات فلم( سنوات الجمر والرماد ) للفنان علي رفيق، تباع في إحدى القاعات، كما قمت بتوزيع نسخ من كتابين لي للأطفال على عدد من الأنصار( طبعاً ببلاش!)، وكان للشعر نصيبه في ليلتنا الأخيرة، إذ قرأ النصير عواد ناصر، عددا من قصائده الأنصارية الرائعة، والتي قوبلت بالتصفيق والإعجاب. أما الموسيقى والغناء فقد كانا ملح ليالينا الثلاث، فحمودي شربة وأبو بسام وعدد من المتطوعين لم يقصروا كل ليلة، ولكن في ليلة الختام، كان عود وصوت الفنان المبدع طالب غالي، يشنفان آذان الجميع، بالممتع والعذب من الألحان، كما غنى حمودي شربة وأبو بسام أيضاً، وكان الفنان محفوظ البغدادي( أبو نجيب ) بكمانه العذب والفنان فيصل غازي، بعزفه المتقن على القانون، وخشبتي أبو صبا وحمودي شربة، تضيف للمشهد الموسيقي مسحة الإحتراف والتمكن، وفي هذه الليلة، التي أوشك صباحها أن ينبلج على الساهرين، غنت عدد من النصيرات وبعض من الأنصار أيضاً، ورقص المنتشون بالصداقة والرفقة الحقيقية، دون حرج أو حساب.
إن الهم الثقافي للأنصار ورابطتهم، والذي طبع أيام مؤتمرنا السابع، إنعكس في تخصيص ورشة خاصة، شارك فيها أكثر من ثلاثين نصيراً، من مختلف الإختصاصات، لمناقشة التقرير الثقافي، الذي قدمته اللجنة الثقافية للرابطة، وكان للحوارات الجدية التي إستمرت ساعات، من قبل المساهمين في هذه الورشة، الخروج بنتائج ملموسة، لمستقبل العمل الثقافي للرابطة، والتي كان أبرزها، المحافظة على كيان اللجنة الثقافية الحالي، ودعمها بالمختصين من كافة فروع الثقافة، وتقديم الدعم المادي لنشاطاتها، وتأسيس دار نشر خاصة بالرابطة، ودعم الفرقة المسرحية وغرفة البالتولك والموقع الأنصاري، والوحدة السينمائية، وكل المشاريع الثقافية النافعة، التي تعكس تاريخ حركتنا الأنصارية، ومستوى ونوعية الأنصار الذين إنخرطوا فيها.
أخيراً يمكن القول بثقة إن رابطتنا الأنصارية، تحولت لكيان فاعل وملموس، وإن أقدامها ترسخت في الداخل والخارج، وإن مهامها الرئيسية، في أرشفة تأريخنا وسنوات نضالنا المفعم بالتضحية ونكران الذات، أصبحت حقيقة يمكن تلمسها، وإدراك أفاقها القادمة أيضاً.