مدارات

البرازيل.. فضائح متوالية ومقاومة متصاعدة

رشيد غويلب
صوت البرلمان البرازيلي اخيراً على عزل عضوه الحالي ورئيسه السابق ادواردو كونا ورفع الحصانة عنه، وحرمانه من الترشيح للمناصب العامة حتى عام 2027. وبهذا يصبح الطريق مفتوحا لمقاضاته بتهم تتعلق بملفات فساد. ويعتبر كونا العقل المدبر للانقلاب البرلماني الذي اطاح برئيسة الجمهورية المنتخبة ديلما روسيف قبل اسابيع.
وقد ثبت عبر شهادات الشهود وعدد من المتهمين تورطه في ملف الفساد المتعلق بشركة النفط "بيتروبراس" المملوكة للدولة، اضافة الى اخفائه الحقيقية امام لجنة التحقيق البرلمانية بشأن حساباته المصرفية السرية في سويسرا. وكان التحقيق البرلماني قد استغرق، على غير المعتاد، مدة طويلة تجاوزت11 شهرا. وكرر المراقبون شكوكهم في ان ادانة كونا بالتورط في الفساد ستتم حال الانتهاء من الإطاحة بالرئيسة ديلما روسيف.
وينتمي كونا الى حزب الرئيس المؤقت مشيل ثامر، حزب "حركة الديمقراطيين في البرازيل" اليميني. وبعد اعلان قرار البرلمان الخاص بعزله، هدد كونا بالكشف عن تفاصيل ربما ستطيح ببرلمانيين آخرين، وتجريم عدد من اعضاء حزبه.
البرلمان يصادق
بعد يومين فقط من عزل رئيسة الجمهورية المنتخبة في البرازيل، صادق البرلمان على قانون طرحته للتصويت الحكومة المؤقتة برئاسة مشيل ثامر، يمنح الحكومة الحق في اجراء مناقلات في الموازنة العامة. وكانت حكومة اليسار بزعامة روسيف هي التي طرحت مشروع القرار للقراءة الاولى في 25 تموز الفائت. و ادى اقرار القانون الى بداية جديدة للمناقشات في البرازيل بشأن الأسباب الحقيقية لعزل روسيف، التي فقدت منصبها بسبب قيامها بإجراء مناقلات في الموازنة، على الرغم من انها قدمت مشروع قانون الى البرلمان لإضفاء الشرعية على التدابير المتخذة.
ولم يكن ما قامت به الرئيسة المعزولة في اعوام 2014 و2015 سوى مناقلات في الموازنة قام بها رؤساء الجمهورية السابقون، دون ان تبدي مؤسسات الرقابة المالية في البرازيل اي اعتراض عليها، وقد اكتسبت الآن الشرعية التامة بعد التصديق على القانون الجديد. واصبح واضحا الان لماذا تم اهمال الحجج التي قدمتها روسيف في خطاب الدفاع في مجلس الشيوخ، ذلك ان قرار عزل الرئيسة الشرعية للبلاد انطلق من موقف مسبق.
فضائح الفساد تتوالى
بعد التحقيقات بشأن ملفات الفساد التي شملت الكثير من سياسيي معسكر الانقلاب والتي اطاحت لحد الان بثلاثة وزراء في حكومتهم، نشرت جريدة "اوراق ساو باولو" البرازيلية معلومات مستلة من تقرير التحقيقات الاولية في المحكمة العليا ، تشير الى تسلم حزب رئيس الجمهورية المؤقت رشا في العديد من الحالات ،ابرزها متعلقة ببناء سد محطة بيلو مونتي، المثيرة للجدل، على نهر شنجو في منطقة الأمازون، والتي تعد ثالث أكبر محطة للطاقة في العالم.
والتحقيقات تجري مع 6 شركات تساهم في بناء المشروع. والمتهمون الرئيسيون في ملف الفساد هم حزب الرئيس المؤقت واربعة من اعضاء مجلس الشيوخ، حسب ما اكدته افادات مدراء تنفيذيين امام النيابة العامة. وتشير المعلومات المتوفرة ان المشروع مرتبط بملفات فساد كبيرة، وان حزب الرئيس ثامر كان قد تسلم رشا كبيرة في اعوام 2010 و2012 و2014 سجلت في حسابات الحزب المالية كتبرعات للحملات الإنتخابية. ووفق افادة رئيس سابق لاحدى الشركات المشاركة في المشروع، تم تخصيص نسبة (1) في المئة من الكلفة لتقديمها كرشوة، يضاف الى ذلك ان رئيس مجلس الشيوخ الحالي رينان كالهيروس متورط في قضايا متعلقة بشركة بيتروبراس النفطية.
جدير بالذكر ان الرئيسة روسيف كانت قد اوقفت العمل في مشروع محطة الطاقة المذكورة، لان المقاولين لم يفوا بالتزاماتهم الإجتماعية تجاه الآلاف من سكان البلاد الأصليين الذين صودرت اراضيهم للبدء بالمشروع. وقد اجل مجلس الشيوخ بعد الانقلاب البرلماني، العمل على اصدار قانون يضمن حقوق السكان المتضررين.
مقاومة متصاعدة
في غضون ذلك تستمر التظاهرات الإحتجاجية التي تطالب باقالة رئيس الإنقلابيين والذهاب الى انتخابات مبكرة. وتواجه الحركة الإحتجاجية بعنف مفرط من جانب الشرطة، ما دفع منظمة العفو الدولية الى تنظيم حملة تحت شعار "الاحتجاجات ليست جريمة" للمطالبة باتخاذ اجراءات عاجلة ضد عنف الشرطة. وفي آخر تطورات الصراع دعا الإتحاد المركزي لنقابات العمال الى اضراب عن العمل يوم غد الخميس 22 ايلول، وهو الثالث من نوعه منذ عزل الرئيسة المنتخبة. ويأتي هذا الإضراب مقدمة لاضراب عام في البلاد، لمقاومة سياسة حكومة اليمين التي اعلنت عن خطط لـ"اصلاح" قانون العمل، في توجه للتراجع عن كل المكتسبات الإجتماعية التي حققتها حكومات اليسار خلال الـ 15 سنة الاخيرة ، بما في ذلك التخصيصات التي نص عليها الدستور النافذ لقطاعي التعليم والصحة.
لذلك تقول النقابات ان الانقلاب ليس ضد الرئيسة روسيف، وانما هو انقلاب ضد الشعب. علماً ان الحركة النقابية البرازيلية لعبت دورا رئيسا في اسقاط حكومة العسكر في عام 1985 عبر تنظيمها سلسلة من الإضرابات العامة.