مدارات

12 عاما على أحداث 11 سبتمبر 2001 وتداعياتها/ د. صالح ياسر 6-7

تجليات الاستراتيجية الامريكية الجديدة في العراق:باراك أباما: خطتي للعراق

" لقد حان وقت إنهاء هذه الحرب "، بهذه العبارة أنهى المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية في حينه (باراك أوباما)، وذلك في مقال منشور على صفحات جريدة الشرق الأوسط يوم  الثلاثاء المصادف 15 تموز 2008 بعنوان: خطتي للعراق (36).

    انطلق(أوباما) في مقاله سالف الذكر من بعض العناصر الذي تميزه عن الرئيس الامريكي حينذاك (جورج دبليو بوش) وادارته، بشأن الحرب في العراق وهي:

-    على عكس إستراتيجية بوش وحزبه الجمهوري، يعتقد أوباما " ان العراق ليس هو الجبهة الأولى في الحرب على الإرهاب، ولم يكن كذلك في يوممن الايام " بل ان أفغانستان ما زالت هي الجبهة الأولى في هذه الحرب حسب أوباما. وفي ضوء ذلك أكد اوباما انه سوف يتبنى " إستراتيجية جديدة " في أفغانستان تتمثل بزيادة عديد القوات والأسلحة هناك.

-    ولهذا فهو بهذا المعنى يخطّئ إستراتيجية الإدارة الجمهورية في تحديد أولوياتها. فقد اعتبر أوباما الأمر خاطئا حينما سمحت إدارة بوش لنفسها (بالشرود عن محاربة " القاعدة " وطالبان  والتحول الى غزو بلد لم يشكل أي تهديد فوري للولايات المتحدة، ولم تكن له علاقة مباشرة بهجمات 11/9 ".

-    الإقرار بفداحة الخسائر البشرية والمادية للحربحيث " قتل أكثر من 4000 جندي أمريكي، وأنفقنا أكثر من1 تريليوندولار أمريكي  " هذا مقابل نشر الجيش الأمريكي " في مناطق متباعدة من العالم ".

-    إقراره بفشل المبررات التي قدمتها الإدارة الأمريكية في عهد بوش الابن لتبرير غزوها للعراقعندما أدت الحرب الى نتيجة عكسية تتمثل بازدياد " خطر معظم التهديدات التي تواجهنا، بدأ من أفغانستان ومرورا بـ " القاعدة " وانتهاء بإيران ".

    ومن جانب آخر أكد (أوباما) معارضته لزيادة القوات التي أعلن عنها سلفه (جورج دبليو بوش) في حينه، رغم انخفاض معدلات العنف – بحسب أوباما – لأنه يعتقد ان العوامل التي قادته الى معارضة زيادة القوات ما زالت واقعية ويجملها في ما يلي:

1.    أنهكتالحرب القوات العسكرية الأمريكية؛

2.    تدهورالأوضاع في أفغانستان؛

3.    إنفاقنحو 200 مليار دولار زيادة عن الميزانية المخصصة للعراق؛

4.  فشلالقادة العراقيين في استثمار عشرات المليارات من الدولارات التي حصلوا عليها من عوائد البترول في إعادة بناء بلدهم.

5.    لم يتم التوصل الى المصالحة السياسية التي كان تحقيقها هو الهدف الأول لزيادة القوات.

    أما بشأن الموقف من تواجد القوات الأمريكية وكيفية التعامل معه ضمن إستراتيجية محددة فان قراءة المقال تتيح الاستنتاج بوجود بعض العناصر لمقاربة مختلفة لاوباما وبالتالي للديمقراطيين في مواجهة مقاربة الجمهوريين التي كانت ترفض الحديث عن جدولة لانسحاب القوات بل أنها – أي الإدارة الجمهورية– وصفت هذا الجدول بأنه " استسلام "! على الرغم من الإدارة كانت تدعي أنها تقوم " بتسليم العراق الى حكومة عراقية مستقلة ". هذا وكان بوش قد اعتبر في  حينه، فكرة الجداول الزمنية لسحب القوات الامريكية من العراق بأنها " اصطناعية "، مجدداًالتأكيد على أن أي عملية سحب للجنود يجب أن ترتبط بالظروف الميدانية، رافضا بشكل قاطع هذه الجداول.ان " المقاربة البوشية " دفعت (أوباما) الى الاستنتاج بأن إستراتيجية الجمهوريين هي " ليست إستراتيجية نجاح " بل هي " إستراتيجية بقاء، على خلاف رغبة الشعب العراقي والشعب الأمريكي والمصالح الأمنية للولايات المتحدة ".

    ولتوضيح إستراتيجيته، حدّد (أوباما) جملة قضايا هنا:

-    الهدف الاستراتيجي: إنهاء هذه الحرب، باعتباره أمرا ضروريا لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى لا تتعلق فقط بالعراق.

-    ولكن اوباما لا يتعامل مع هذا الهدف باعتباره لحظة (أي اتخاذ القرار) بل عملية. ولهذا كتب قائلا: " يجب علينا ان نكون حذرين بشأن الانسحاب من العراق، مثلما كنا غير ذلك في احتلاله " أي انه ما زال مترددا ولم يحسم خياراته.

-    التكتيكاتللوصول الى الهدف الاستراتيجي. على الضد من رفض ادارة بوش لأي التزام بشأن موعد محدد لانسحاب القوات وبالتالي رفض فكرة الجدول الزمني، يلاحظ ان ما طرحه (أوباما) هنا هو قبوله بفكرة الجدول الزمني وان كانت هذه الفكرة مؤطرة بعدة اشتراطات. فأوباما كان في البداية لا يتحدث بصراحة عن جدول زمني واضح للانسحاب، بل يمكن ملاحظة ملمحين جديرين بالإبراز:

·    الأول: لا يبدو (أوباما) حاسما بوضوح بشأن هذه القضيايا، إذ يشير الى انه " بمقدورنا إعادة نشر قواتنا وسحبها خلال 16 شهرا، وسوف يكون ذلك بحلول صيف عام 2010 ". القراءة التفكيكية لهذه الفكرة تشير الى ان الأمر ليس محسوما بشأن الانسحاب، إذ ان كلمة " بمقدورنا " تثير أسئلة مهمة وتدلل على عدم حسم الموقف، حيث الأمر مرهون بجملة تفاعلات ومحددات ليست فقط عراقية بل ودولية وإقليمية ضمن الإستراتيجية الكونية للولايات المتحدة.

·    الثاني: يدلل على الفكرة أعلاه هو ما أكده (أوباما) في فقرة تالية حيث أشار الى انه " بعد سحب القوات الأمريكية من العراق، ستبقى قوات ثانوية لأداء بعض المهام المحدودة "، وهي:

1.    تعقبمقاتلي " القاعدة "؛

2.    حمايةعناصر الخدمات الأمريكية ؛

3.    متابعةتقدم العملية السياسية في العراق ؛

4.    تدريبقوات الأمن العراقية.

- إشارة (أوباما) الى "عدم رغبة " الديمقراطيين في إنشاء قواعد دائمة في العراق، مثلما هو الحال مع كوريا الجنوبية عندما يقول: " إنني لن أضع قواتنا المسلحة ومواردنا وسياستنا الخارجية رهينة لرغبة غير منطقية في الإبقاء على قواعد دائمة في العراق ".

ولإنجاح هذه الإستراتيجية رأى (أوباما) ان هناك حاجة للقيام " بتعديلات تكتيكية " ابرز معالمها:

1.    سحبالقوات الأمريكية من المناطق الآمنة، ومن المناطق الخطرة؛

2.    تنظيمحملة دبلوماسية مع كل دول المنطقة من أجل تحقيق الاستقرار في العراق؛

3.    تخصيصملياري دولار من خلال عمل دولي مشترك لدعم اللاجئين العراقيين.

    وفي تقيمه الإجمالي للإستراتيجية التي اعتمدها بوش والجمهوريين في العراق رأى (أوباما) أنها قد فشلت، معتبرا المآل الذي وصلت إليه بمثابة " المأزق الأكبر في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية ". ولهذا نراه يختم مقاله المذكور بالقول: " لقد حان وقت إنهاء الحرب ".

ان التقييم الإجمالي لما جاء في مقال باراك أوباما يمكن تلخيصه في:

-    وجود بعض التغيرات التكتيكية مع ثبات الأهداف الإستراتيجية الكبرى للحملة العسكرية على العراق والمتمثلة في " تحقيق النجاح في العراق على المدى البعيد، وللحفاظ على مصالح الولايات المتحدة كذلك ". وهذا يعني ان " مصالح الولايات المتحدة " لا تتبدل بتبدل الادارات وتعاقبها.

-    بقيت هناك ثمة ألغازفي استرايجيّة أوباما والديمقراطيين بشأن عدة قضايا من بينها مصير وجود القوات الأمريكية. فقراءة المقال تتيح العثور على عدة تعبيرات متناقضة نعرضها هنا لتأكيد ملاحظتنا هذه وهي:

·    من جانب، هناك إشارة الى " إعادة نشر القوات الأمريكية على مراحل "، وذلك " لتحقيق النجاح في العراق على المدى البعيد". بمعنى ان الرهان الاستراتيجي لبناء " ديمقراطية " في العراق كأحد أهداف تلك الحملة العسكرية الأمريكية على العراق ما زال قائما. يؤكد هذه الملاحظة ما جرى الإشارة إليه في مقال (أوباما) حول ضرورة بقاء " قوات ثانوية لأداء بعض المهام المحدودة" من بينها " متابعة تقدم العملية السياسية في العراق" ! إضافة الى " تعقب مقاتلي " القاعدة ".

·       يقابل ذلك إشارة أخرى هي " إعادة نشر القوات الأمريكية بأمان ".

·       وهناك إشارة ثالثة تقول " يجب علينا ان نكون حذرين بشأن الانسحاب من العراق".

·    يقابل ذلك وجود إشارة رابعة تقول: " إعادة نشر قواتنا وسحبها خلال 16 شهرا". ولكن أوباما يستدرك في مكان آخر من المقال حينما يشير الى ما يلي: " ستبقى قوات ثانوية لأداء بعض المهام المحدودة"، وقد جرت الإشارة إليها في فقرة سابقة. ولكن عند النظر بعمق الى تلك المهام فانه يصعب القبول بأنها " مهام ثانوية " على أية حال، الأمر الذي يتطلب وجود قوات من نوع آخر وليس " قوات ثانوية ".

·    إن التأكيد على " عدم الرغبة " في إنشاء " قواعد دائمة في العراق " عبارة مثيرة للجدل وتحتمل أكثر من تفسير.

-    فمن جهة، الإشارة الى " عدم الرغبة " لا تعني بالضرورة وجود موقف حاسم من مسالة القواعد الأمريكية الدائمة في العراق لدى اوباما وحزبه من هذه القضية المعقدة.

-    ومن جهة أخرى فانه ونظرا لعدم وجود إشارة الى " القواعد المؤقتة " فانه يمكن الافتراض بأنه لا يوجد موقف سلبي لاوباما من هذه القضية، خصوصا وان هناك إشارة الى انه " ستبقى قوات ثانوية لأداء بعض المهام المحدودة ". عندها لا يمكن لهذه القوات " ان تعيش في العراء " كما يقال " بل تحتاج الى " قواعد مؤقتة ". هذا مع العلم ان مفهوم " القواعد المؤقتة " هو مفهوم ملتبس بحد ذاته، فمن الذي يستطيع ان يحدد الفترة الزمنية لكي نقول ان هذه القواعد " مؤقتة " وليس ثابتة؟.

-    وبمعنى أدق فان أوباما وحزبه لم يكونا ضد وجود قواعد أمريكية في العراق من حيث المبدأ، فالحديث يدور حول " عدم الرغبة " وليس الرفض المطلق لوجود قواعد، سواء كانت دائمة أو مؤقتة.

    ومع ذلك فان مسار الاحداث اتخذ منحى اخر في 31/11/2011، وهذا يحتاج الى معالجة خاصة هي خارج حدود هذه الدراسة.