مدارات

بلجيكا .. حكومة محلية ترفض معاهدة التجارة الحرة مع كندا

رشيد غويلب
وصفت قوى اليسار الأوربي قرار حكومة مقاطعة والونيا البلجيكية القاضي بعدم اقرار معاهدة التجارة الحرة بين الإتحاد الأوربي وكندا CETA))، بالقرار الشجاع.
وكان نواب حزب العمل البلجيكي وهو اكبر احزاب اليسار الماركسي في البلاد قد دعموا قرار حكومة الولاية بقيادة الحزب الاشتراكي. وقد اوقف هذا القرار عملية التصديق على المعاهدة التي كان من المقرر ان تتم في قمة اوربية – كندية تعقد الخميس القادم. فالحكومة البلجيكية المركزية لا تستطيع بموجب النظام الفيدرالي النافذ في البلاد التصديق على الإتفاقية دون حصول اجماع الولايات السبع، المكونة للنظام الفيدرالي في بلجيكا.
وفور صدور القرار تحولت الحكومة المحلية الى هدف للتنديد والتشهير من قبل اتحادات الصناعييين ورجال الأعمال ومؤسسات الإتحاد الاوربي وحكومات اليمين ويمين الوسط، التي تحكم اغلب الدول الأعضاء في الإتحاد. ويمثل هذا السلوك استهزاء بالديمقراطية، على الرغم من ان الاتفاقية المنشودة لا تحظى بدعم شعبي لا في بلجيكا ولا في بلدان الإتحاد الاوربي الأخرى.
ومن المعروف ان عددا من البرلمانات الوطنية الاوربية اعطت الضوء لتوقيع الاتفاقية، ولكن محللين يساريين يؤكدون ان هذه المصادقات حدثت في الغرف المغلقة، وبعيدا عن المقاومة المتصاعدة للاتفاقية في الشارع الأوربي. وعلى هذا الاساس تطالب القوى الرافضة للاتفاقية باجراء استفتاء في عموم بلدان الإتحاد حول التصديق عليها من عدمه. ولكن القوى الحاكمة لا ترغب في ذلك.
ويجري باستمرار سوء استخدام للآليات الديمقراطية بهدف الالتفاف على القرار الشعبي، وهذا ما حدث عندما رفض غالبية الفرنسيين الدستور الاوربي في عام 2005 . حيث تم تمرير الدستور تحت مسمى آخر ودون اجراء استفتاء جديد عليه. وحدث نفس الشيء في اليونان التي حرمت بواسطة سياسة الإبتزاز من اختيار سياستها الإقتصادية. والآن تحاول القوى المتنفذة من خلف الكواليس الوصول الى تفسير او بديل لتمرير الإتفاقية. وياتي رفض التصديق على المعاهدة في وقت تشهد فيه بلجيكا صعودا لحزب العمل، الذي اصبح وفق استطلاعات الرأي القوى الثالثة في العديد من الولايات بما في ذلك العاصمة بروكسل. وكان وزير الخارجية البلجيكي اليميني ديدييه ريندرز قد اتهم حزب العمل بالوقوف وراء قرار الحزب الاشتراكي الحاكم في الولاية. ولكن حزب العمل يرفض ومعه قوى اليسار الأوربي على اختلاف مشاربها، محاولات حصر الحركة الإحتجاجية بقوى اليسار السياسي بهدف عزلها. وهي تؤكد في الوقت نفسه دعمها اللامحدود للحركة الإحتجاجية، وتشدد على طابع هذه الحركة الواسع والمتنوع. ذلك انها تضم النقابات العمالية، والحركة المضادة للعولمة ، والحركة النسوية، والمدافعين عن البيئة، واتحادات المستهلكين، والشركات الصغيرة والمتوسطة. انما جاء القرار بفضل الرفض الواسع للاتفاقية، وللتظاهرات الإحتجاجية الحاشدة التي شهدتها العواصم الأوربية. ففي ايلول شهدت المانيا تظاهرة رافضة لجميع اشكال ما يسمى بـ"اتفاقيات التجارة الحرة" شارك فيها 320 الف مواطن. وفي 20 أيلول شهدت بروكسل تظاهرة شارك فيها 10 آلاف مواطن. كما ان اكثرية الفرنسيين يرفضون هذه الاتفاقيات. ونصح مجلس الشيوخ الأيرلندي حكومة بلاده برفض الإتفاقية. فيما لم تحدد بعد برلمانات النمسا، سلوفينيا، بولونيا، والمانيا موقفها من الاتفاقية . وتم جمع اكثر من 3 ملايين توقيع في عموم اوربا على نداء لرفض الاتفاقية، ويمثل ذلك رقما قياسيا. ومن المعروف ان ما يسمى باتفاقيات التجارة الحرة تأتي لاطلاق يد الاحتكارات الكبيرة وحماية أقطاب المستثمرين، وتنص على عدم تدخل البرلمانات الوطنية في حركة البضائع بين اوربا والبلدان التي توقع على مثل هذه الاتفاقيات. كما تمنح رأس المال حرية حركة اوسع لصالح الكبار على حساب المستهلكين والشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة.