مدارات

تظاهرات عارمة في المغرب احتجاجا على مقتل بائع سمك خلال مصادرة الشرطة بضاعته

توقف عمال ميناء مدينة الحسيمة شمالي المغرب، عن العمل، امس الأحد، حداداً على مقتل بائع أسماك “طحنته” شاحنة نفايات، خلال محاولته منع عناصر أمنية مصادرة بضاعته بحجة أنها “مخالفة” في المدينة. وندد عمال الميناء، بحسب بيان لجمعية تجار السمك للتنمية والتضامن (غير حكومية)، بالأوضاع العامة التي تعرفها مدينة الحسيمة وميناؤها.
وصادرت سلطات المدينة ما يقرب خمسة أطنان من السمك اشتراه الضحية من داخل ميناء الحسيمة لاعادة بيعه بالتجزئة، غير أن السلطات تحججت بأن صنف هذا السمك يمنع صيده، وعقب رميه في حاوية القمامة اعترض الضحية البالغ 32 سنة، على اتلاف بضاعته على اعتبار أنه وضع فيها كامل رأسماله.
وتداول نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر عملية مصادرة رجال الأمن المغربي، الجمعة، لكمية من الأسماك، وسُمع فيه صوت رجل أمن يدعو سائق شاحنة لـ”طحن” الشاب “محسن فكري” بآلة شفط النفايات، حينما أراد أن يحول دون إتلاف بضاعته.
غليان شعبي
وشهدت شوارع في مدينة الحسيمة (شمال) حالة غليان شعبي على اثر مقتل فكري.
وقد وجدت السلطات الادارية نفسها في حالة خوف من أن تتحول التظاهرة الحاشدة التي انتظم فيها سكان المدينة للتنديد بما وصفوه بـ”الحكرة” و”استبداد” السلطة في حق المواطنين البسطاء، ألى أعمال شغب قد تخرج عن السيطرة، وهو ما دفع بها الى استقدام تعزيزات أمنية في ظل معطيات حول توافد عشرات سيارات الأمن من مدن أخرى، لتطويق الوضع وتحسبا لأي طارئ.
وذهب البعض الى تشبيه واقعة “تاجر السمك” بما عرفته نهاية 2010 اثر اقدام التونسي محمد البوعزيزي على الانتحار احتجاجا على مصادرة عربة الخضار التي يملكها، غير أن نشطاء على فيسبوك عارضوا ما تم وصفه بانتحار تاجر السمك، معتبرين أن الأخير قتل على اعتبار أن مسؤول أمني أمر السائق بـ”طحنه” وأنه لم ينتحر.
وفي محاولة للتخفيف من موجة الغضب، سارع محافظ المدينة مرفوقا بالمدعي العام، بلباس بعيد عن الرسميات، الى التحاور مع المحتجين واعدا بفتح تحقيق في الموضوع.
تنديد عمالي
من جهته ندد ”التجمع العالمي الأمازيغي” بأسباب وظروف الحادثة، لافتا الى أن العديد من الروايات تؤكد أن أحد رجال السلطة أعطى أمرا لعصر المواطن المذكور مع الأزبال في شاحنة القمامة، مشيرا الى أن الواقعة تأتي في سياق متسم بتراجع الدولة عن التزاماتها الحقوقية وتفشي الظلم والطغيان وخرق القانون، حسب تعبيره.
ونددت جمعية تجار ومصدري ومصنعي السمك بالمدينة، بما وصفته بـ “العمل الوحشي والهمجي الذي يعود بنا الى القرون الوسطى والجاهلية”، داعية الجهات المسئولة الى فتح تحقيق في الموضوع.
مواقع التواصل الاجتماعي
وانتشرت منذ الواقعة، هاشتاغات على مواقع التواصل، تندد بظروف الحادثة، وتطالب بمعاقبة المسؤولين عن مقتل “تاجر السمك”، والى جانب “شهيد الحسيمة” و”كلنا محسن فكري”، و”شهيد الحكرة”، انتشر بسرعة مهولة وسم “طحن_مو” (اسحق من ولده) في إشارة الى التعبير الدارج والذي تلفظ به المسؤول الأمني عند إصداره أوامر لسائق الشاحنة بتشغيل آلة “الضغط” والتي تسببت في موت الضحية، وقال موقع “بابوبي” أن وسم “طحن_مو” تجاوز في فترة قياسية وسم الفنان “ملحم بركات”.
استنكار ودعوة الى التظاهر
وأظهرت فيديوهات أعمدة دخان وسيارات شرطة تم قلبها وإضرام النار فيها، من طرف محتجين، في أحد أزقة الحسيمة، وذلك في غياب تام للأمن، كما شهدت مدن وجدة وتطوان ومارتيل احتجاجات على الحادثة، فيما تزايدت الدعوات للاحتجاج في مدن عدة من بينها الدار البيضاء التي دعا نشطاء الى تنظيم تظاهرة بساحة ماريشال التي كانت في فترة سابقة مكانا لتجمع مؤيدي حركة 20 فبراير، فيما دعا الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) أنصاره الى الامتناع عن الاستجابة للدعوات المتعالية للاحتجاج.
كما أصدرت كل من “جماعة العدل والاحسان” (اسلامية) وحزب “النهج الديمقراطي (يساري) المعارضين، والجمعية المغربية لحقوق الانسان بيانات شديدة اللهجة نددت فيها ما وصفته بـ”الفعل الاستبدادي”.
“مرصد الشمال لحقوق الإنسان” دخل على الخط، ببلاغ، وصف فيه، اقدام دورية الشرطة على مصادرة بضاعة الضحية، بأنه تم بطريقة غير قانونية.
واستنكر “عجز الدولة عن صون حقه في الحياة باعتباره أسمى ما يصبو إليه الكائن البشري من جهة، وبحقه في العيش الكريم من جهة ثانية” .
وطالب المرصد الحقوقي بالكشف العاجل عن ملابسات مقتل محسن فكري، وتقديم الجناة المتسببين في ذلك إلى العدالة في أقرب وقت.
من جهته، دعا الحزب المغربي الليبرالي (معارض)، حكومة بلاده لإيجاد حل سريع لحل معضلة الباعة المتجولين.
وقال الحزب في بيان، إن “للمغاربة أفراداً وجماعات الحق في البحث عن مصدر رزق لسد حاجياتهم، وعلى الإدارة المحلية والمركزية تقديم كافة أشكال المساعدة للسماح لهم للخروج من حالة الفقر”.
واعتبر أن مصادرة بضائع الباعة المتجولين بحجة أنها مخالفة للقواعد المنظمة للتجارة “هو أمر غير مقبول قانونا، لكون مصادرتها لا يمكن أن تصدر إلا بناء على حكم قضائي”.
وشهدت بعض مدن البلاد احتجاجات على مقتل بائع السمك ودعت جمعيات وهيئات حقوقية في البلاد من بينها الجميعة المغربية لحقوق الإنسان (أكبر جمعية حقوقية) وجماعة العدل والإحسان (أكبر جماعة إسلامية)، إلى وقفات احتجاجية، في أكثر من 10 مدن.
الحكومة ترفض التظاهر
بدوره، دعا عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية المكلف، في وقت متأخر السبت، إلى عدم الاستجابة لأي احتجاج على مقتل بائع الأسماك. في المقابل، نفت المديرية العامة للأمن الوطني، في بيان، أن يكون أحد رجال الشرطة قد طلب رشوة مرتبطة بقضية محسن فكري. واعتبرت المديرية أن “مجموعة من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تداولت أخبارا غير صحيحة، مفادها أن مسؤولا أمنيا هو من أعطى تعليماته لسائق الشاحنة بتشغيل آلة الضغط على النفايات المتواجدة في المقطورة الخلفية، مما أفضى إلى الوفاة”. ودعا عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية (المنتهية ولايتها)، أنصار حزب “العدالة والتنمية” إلى عدم الاستجابة لأي احتجاج على مقتل بائع أسماك، معربا عن أسفه “الشديد للحادث المؤلم لوفاة بائع السمك، الشاب محسن فكري، مساء الجمعة الماضية”. وأوضح أنه “تم فتح بشأن الحادث تحقيق من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي انتقلت لعين المكان لهذه الغاية”. على جانب آخر، حمّل حزب الأصالة والمعاصرة (معارض)، الحكومة المسؤولية عن هذه “الفاجعة المؤلمة ووقائع أخرى مماثلة من خلال طريقة تعاطيها وتعاملها التي تضرب في الصميم أبسط حقوق المواطن وهي، الكرامة والعيش الكريم والحق في الحياة”.