مدارات

كوريا الجنوبية.. مئات الآلاف يجتاحون شوارع العاصمة

رشيد غويلب
يشارك مئات الآلاف من الكوريين منذ اسابيع في حركة احتجاج غير مسبوقة ضد رئيسة الجمهورية جيون هاي بارك. ويتحدث منظمو الاحتجاجات عن مشاركة مليون في تظاهرة السبت الفائت، فيما قدرت الشرطة عدد المشاركين بـ 260 ألفا. وطالب المحتجون باستقالة رئيسة البلاد التي تواجه ضغوطا بسبب فضائح فساد تورط فيها مسؤولون قريبون منها.
والاحتجاجات التي لا تزال مستمرة هي الأكبر منذ الحركة الاحتجاجية التي اجتاحت كوريا الجنوبية في نهاية الثمانينيات. ويشارك فيها الطلبة والشبيبة والأطفال، إلى جانب العمال، والفلاحين، والمتقاعدين، وراهبات الكنيسة الكاثوليكية، والأسر الشابة بصحبة أطفالهم. ويصل المحتجون إلى العاصمة سيئول قادمين من جميع إنحاء البلاد بواسطة القطارات والحافلات العامة.
ولمنع المتظاهرين من الوصول إلى "البيت الأزرق" حيث مسكن الرئيس ومقر عمله، تم نشر 25 ألف شرطي استخدموا الحافلات الكبيرة والسيارات لقطع المداخل المؤدية إلى القصر . وتم إيقاف زحف المتظاهرين القادمين من عدة اتجاهات على بعد كلم واحد من المدخل الرئيس للقصر.
وفضائح الفساد التي فجرت الحركة الاحتجاجية مرتبطة بمستشارة رئيسة الجمهورية لسنوات عديدة والمقربة منها جدا سون سيل تشوي ، المتهمة بتوظيف علاقتها برئيسة الجمهورية لجمع تبرعات ضخمة، والاحتفاظ بها، من الشركات الكبيرة لتمويل مشاريع خيرية مزعومة. وبالإضافة إلى ذلك فان تشوي متهمة بالتدخل في عمل الحكومة. وتقبع المستشارة السابقة والبالغة من العمر 60 عاما في المعتقل بتهمة الاحتيال وسوء استخدام السلطة.
وفي اطار ملفات الفساد جرى التحقيق مع احد المدراء التنفيذيين في شركة سامسونغ، الذي اقر بتقديم شركة سامسونغ الكترونك 2,8 مليون يورو إلى المستشارة لتمويل دروس تعلم ركوب الخيل التي تتلقاها ابنتها في ألمانيا. ويقدر مجموع المبالغ التي استحوذت عليها المستشارة بـ 60 مليون يورو. وتم كذلك التحقيق مع مدير اكبر شركات كوريا الجنوبية لصناعة الصلب حول تهم تتعلق ببيع شركة إعلان تابعة لشركة بوسكو لصناعة الصلب في عام 2014 . ومحاولة احد العاملين مع المستشارة إجبار المشتري على التخلي عن 80 في المائة من أسهمه. وقد أدت هذه الفضائح إلى حصر رئيسة الجمهورية في زاوية ضيقة، رغم تكرارها الاعتذار عما حدث. وتبلغ نسبة تأييدها في استطلاعات الرأي 5 في المائة فقط. وهي ادنى نسبة تأييد حصل عليها رئيس في البلاد منذ تأسيس كوريا الجنوبية في عام 1948 . وفي محاولة منها لاستعادة الثقة قامت في بداية تشرين الثاني الحالي بتغيير رئيس الوزراء والطاقم الوزاري ومستشاريها. وعادت تحت ضغط المعارضة إلى التخلي عن رئيس الحكومة الجديد. وحاولت فتح قنوات للحوار مع المعارضة البرلمانية التي رفضت هذه الدعوات. والى جانب ذلك تعاني رئيسة الجمهورية مشاكل جدية مع قيادة حزبها "العالم الجديد" اليمني المحافظ.
البنت على سر أبيها
رئيسة جمهورية كوريا الجنوبية هي البنت الكبرى للجنرال السابق جيون هاي بارك، الذي قاد انقلابا عسكريا في عام 1961 وخسر السلطة في عام 1979 على اثر انقلاب آخر نظمه رئيس جهاز المخابرات. ويرتبط اسم الجنرال في ذاكرة الكثيرين في كوريا الجنوبية بعملية تحويل البلاد من بلد زراعي فقير إلى بلد صناعي متطور. ويعتبره قسم من السكان مهندس "المعجزة الاقتصادية على نهر الهان" وضامن الأمن والنظام. وقد وظفت الرئيسة الحالية رصيد والدها لتفوز في انتخابات 2013 . وقد اعتقد المسنون من الناخبين بانها ستواصل مسيرة الرفاه وتستمر في عملية التطوير الاقتصادي. أما بالنسبة للقوى اليسارية والتقدمية فقد كان الجنرال بارك وسيبقى دكتاتورا شريرا. وهو متهم بسحق جيلين من العمال وقمع أية معارضة لتحقيق "المعجزة الاقتصادية". وأثار استياء المعارضة محاولة أنصار الدكتاتور السابق إقامة تمثال برونزي له في مركز العاصمة إلى جانب تماثيل لقادة كوريين تاريخيين، في مناسبة الذكرى المئوية لميلاده التي ستحل العام المقبل. من جانبها رفضت الحكومة المحلية للعاصمة تنفيذ هذه الفكرة. وعندما تولت رئيسة الجمهورية مهام منصبها في 25 شباط 2013 أكدت على تحديث عام للاقتصاد وللسياستين الاجتماعية والخارجية. ووعدت برعاية المهمشين، والحد من سلطة التكتلات الاقتصادية، وفتح بوابة للحوار مع حكومة كوريا الديمقراطية. ولكن سرعان ما لف الشك جدية هذه الوعود. وكشفت تقارير مخابراتية عن توظيفها بشكل منظم لمساعدات غير شرعية في حملتها الانتخابية.