مدارات

غداة الانتخابات الرئاسية : الشيوعي النمساوي و الانتخابات وقوى اليسار

رشيد غويلب
استطاع المرشح المستقل المدعوم من "الخضر" الكسندر فان دير بيلين الفوز في الجولة الثانية المعادة من انتخابات الرئاسة التي جرت يوم الأحد الفائت، في النمسا . وبذلك منع وصول مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف نوربرت هوفر إلى اعلى المناصب البروتوكولية في البلاد. وجاء فوز بيلين نتيجة لتصويت كل القوى الديمقراطية لصالحه. وحصل بلين على 53,3 في المائة مقابل 46,7 في المائة لمنافسه.
وغداة يوم التصويت نشرت وسائل اعلام نمساوية مقابلة مع ميركو ميسنر المتحدث الاتحادي باسم الحزب الشيوعي النمساوي (سكرتير الحزب) تناول فيها الانتخابات والوضع السياسي في البلاد والدور الذي يلعبه الشيوعي النمساوي وآفاق تطور التنسيق والتعاون بين قوى اليسار. في ما يلي اهم الموضوعات التي اشار اليها القائد الشيوعي.
في البداية تناول ميسنر دأب اليمين المتطرف على وصف الكسندر فان دير بيلين بالشيوعي، بأنها ديماغوجية سخيفة وخطاب سياسي غير شريف. مؤكدا على ان الشيوعيين كانوا الاكثر اسهاما في دحر النازية والعودة إلى الحياة السياسية السلمية الديمقراطية. وان اعلان استقلال النمسا حمل توقيع الحزب الاجتماعي النمساوي والحزب الشيوعي، وحزب الشعب النمساوي. وبالمقابل سحق النازيون النمسا، وعمل ورثتهم على تأسيس حزب الشعب وكانت معاداة الشيوعية مذهبهم، الذي حظي بتأييد واسع خلال عقود الحرب الباردة . والمثير للاهتمام العودة من جديد إلى معاداة الشيوعية ، بعد تفكك نظام الاشتراكية الفعلية، واستخدامه ضد كل القوى التي تواجه اليمين المتطرف.
دعا الحزب الشيوعي اعضاءه وناخبيه إلى التصويت لصالح الكسندر فان دير بيلين على الرغم من كونه ليس شيوعيا، بل ليبراليا يمثل قوى الوسط، ولكنه المرشح الأفضل مقارنة بمنافسه مرشح الأوساط الأكثر رجعية وتطرفا في معسكر اليمين، والذي يجب منعه من وضع منصب رئيس الجمهورية والامكانات التي يوفرها في خدمة النازيين الجدد.
التحولات في قوى الوسط
لقد انتقلت اغلب قوى الوسط إلى مواقع اليمين، التي عملت على قضم نموذج دولة الرفاه. فالامر يتعدى التماهي مع "اليمين الشعبوي" إلى تبني استبداد الليبرالية الجديدة مصحوبا بظاهرة احتواء اليمين المتطرف التي تتصاعد في العديد من بلدان الاتحاد الأوربي.، التي تتبنى سياسة التقشف القاسية، وتصاعد نسب الذين يعيشون علاقات عمل وحياة غير مستقرة، ويفتقدون الحياة الكريمة. ومن الضروري هنا الاشارة إلى خصخصة القطاع العام ونظام الضمان الاجتماعي. والقضاء على المكتسبات الاجتماعية المتحققة، وتوفير تسهيلات هائلة للبنوك والشركات الكبيرة التي تدفع افواجا من العاملين والفئات الوسطى إلى احضان اليمين الشعبوي، وتسهل عليه توظيف الخطاب الديماغوجي والحقد القومي.
آفاق التعاون بين قوى اليسار
هناك محاولات عديد لتجميع قوى اليسار مثلا في حركة "الانطلاق"، وفي التحالفات الانتخابية على الصعيد الوطني وعلى صعيد الولايات والمدن مثل تحالف "اوربا مختلفة" و"فيينا مختلفة" التي حققت نجاحا نسبيا يمكن الاشارة اليه اما الحديث عن حزب موحد لليسار في الوقت الحالي فيبدو وكأنه جرأة تتجاوز الواقع، يكفي الان تحقيق تحالف يسار انتخابي يستطيع الوقوف على المسرح السياسي و يحقق هزة في النظام الحزبي التقليدي.
وبخصوص مفردة "الشيوعي" في اسم الحزب فمن الضروري الاشارة إلى ان الاجيال القادمة حرة في خياراتها، ولكن ليس من الضروري اجراء تغيير في تسمية الحزب، فالمهمة الأهم هي تجميع قوى اليسار من التيار اليساري في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، مرورا باليسار المسيحي والنقابات، ويسار الخضر ومجموعات اخرى.
ان القول بان قوى اليسار في العالم لا تحقق نجاحات لا يمكن تعميمه على الجميع، وهذا ما تعكسه التطورات في بلدان جنوب اوربا وانكلترا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد نجح بيرني ساندرز في جعل الاشتراكية الديمقراطية مادة رئيسة للنقاش وعلى نطاق واسع، وكان له ان يهزم ترامب لو اختير بديلا عن كلينتون. وفي النمسا على اليسار ان يحتل موقعا بين الاجتماعيين الديمقراطيين والخضر الذين انخرطوا في التيار العام. ان هناك ضرورة لقيام قطب يساري واضح المعالم قادر على تغيير موازين القوى، ولهذا يعمل الحزب الشيوعي النمساوي في اطار حزب اليسار الأوربي.
ويمكن لحركة "الانطلاق" التي تشكلت حديثا ان تتحول إلى تحالف انتخابي يساري لخوض الانتخابات العامة المقبلة، فالقوى المشتركة في الحركة تعمل على قدم المساواة ومؤتمر اعلان الحركة في فيينا كان ناجحا شارك فيه الف من ناشطي اليسار وشخصياته الفاعلة. وكان عدم تمكن الحركة من تحقيق ذلك بسبب عدم اكتمال التفاهمات والحاجة إلى مزيد من الوقت فان الحزب الشيوعي يعمل على البديل ايضا وهو الاشتراك في الانتخابات البرلمانية بقائمته الخاصة.