مدارات

ايام مفعمة بالحب والامل ... (1) / فيصل الفؤادي

تمهيد
كيف لي أن أجمع تاريخاً عمره عشر سنوات مليئة بالأحداث الكبيرة، لأناس عاشوا في منطقة واسعة من كردستان العراق وفي مدنها المتباعدة؟ سؤال كان يؤرقني منذ أن وطنّت نفسي للتعريف بهذه المآثرة الكبيرة. فرغم كل ما كتب عنها، بقيت الكتابات مرتبطة بحدث ما أو مكان ما، دون أن تلتقط تفاصيل الحياة اليومية، أو أن تتلمس حياة الأمكنة المتباعدة، أو أن تكشف عن ترابط الأزمنة المختلفة.
كيف يمكنني أن أكتب عن الواقع المعاش دون أن أقع في إشكالية التكرار، فهذا الواقع الذي أريد أن أتحدث عنه بتجرد، غني بالمتشابهات رغم ما فيه من إختلافات كثيرة ومتميزة. لقد عاش الأنصار حياة متعبة وشاقة لسنوات طوال، معّمدة بالدم والعرق والإباء والكرامة والشجاعة الغير متناهية، برغم ما رافقتها من سلبيات وهفوات في الجانب العسكري والفكري والسياسي. وقد مرت الحركة الأنصارية بظروف وتعقيدات صعبة ومترابطة الاحداث، داخليا كحزب، وخارجيا مع المحيط اي مع الأحزاب التي يناضل معها. وكم تشابكت الظروف المادية والنفسية والأحلام والآمال في خضم ذلك الصراع الذي فرضته الظروف على الحزب وعلينا نحن اعضاء وأنصار الحزب.
إهتممت في كتبي السابقة بتاريخ الحركة الأنصارية وكفاحها المسلح والظروف التي اعترته. أما في هذا الكتاب، فقد أردت أن أتحدث عن الحياة الأنصارية بتفاصيلها. لقد رحل العديد من الأنصار وابتعد اخرون وتشتت الكثيرون في بقاع هذا العالم، وتراكم غبار الزمن على اكثر من ربع قرن من السنين، وصار من الصعوبة بمكان الكتابة عن كل ذلك!
ولكن الا تستحق التجربة شرف المحاولة؟ فقد كانت حياة الأنصار مليئة بالأحداث الكبيرة والصغيرة، أحداث تحتاج لحزمة من المؤلفات كي تضيء ما كان في جوهرها من روح، ويأتي كتابي هذا حلقة في سلسة تلك المؤلفات المطلوبة.الملوبة
ان إنتقال الإنسان من مكان الى اخر يتطلب تهيئة نفسية وجسدية، فكيف الحال حين يكون الإنتقال من حياة مستقرة، فيها الكثير من علاقات إجتماعية وعائلية جميلة وتطلعات مستقبلية زاهية الى حياة مليئة بالمخاطر والمعاناة، حياة تحتاج للكثير من التضحية والإيثار. هكذا كان إنتقال الشيوعيين العراقيين من بيوتهم وجامعاتهم الى أعالي الجبال وسفوح الوديان والكهوف الموحشة، من أجل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم الذي أحبوه ولناسهم الذين احبوهم ، فكان فكر الحزب الذي أمنوا به دليلهم، وكانت التضحية يسيرة في مسار الدفاع عن هذا الفكر والحزب. وفي خضم إنتقالهم الصعب والممتع، عاشوا حياة زاخرة، اسعى لرصد شيئا منها، آملا أن أكون قد وفقت.
وختاماً، لابد من كلمة شكر وعرفان للصديق العزيز النصير ابراهيم اسماعيل (ابو دجلة) على مساعدته لي في إصدار هذا الكتاب، سواءً في النصيحة الرفاقية أو في التصحيح والإخراج والتصميم، كما أشكر النصيرة العزيزة ملاك منعم (يسار) على تصميم الغلاف.
والشكر موصول أيضاً للأحبة الأنصار الذين ساعدوني على إتمام هذا الجهد، عبر إجاباتهم على أسئلتي المتعلقة بالسفر الكفاحي العظيم للشيوعيين العراقيين، إنهم بحق نخبة رائعة من المناضلين ومن كل القواطع، الذين أبقى مديناً لهم بالعرفان. لقد زودوني مشكورين بكتابات ورسائل تعد حقاً وثائق مهمة عن ظروف الحزب وانتقاله من الجبهة الى الجبل. كما اشكر جميع الانصار والاصدقاء الذين لم يبخلوا بالمعلومة والرأي والمقترح، متمنيا للجميع الموفقية .
ف. الفؤادي
إستوكهولم 2016