مدارات

بركة يدعو بريطانيا إلى الاعتذار من الفلسطينيين عن وعد بلفور والى الاعتراف الكامل بدولة فلسطين

دعا محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا لقضايا المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل ورئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل، الحكومة البريطانية إلى الاعتذار من الشعب الفلسطيني عن وعد بلفور وأن تعترف رسمياً بدولة فلسطين، وذلك في الكلمة التي ألقاها، مساء أمس الجمعة الفائتة، في لندن خلال فعالية حاشدة بمناسبة مرور 100 عام على وعد بلفورالمشؤوم الذي قدمته الحكومة البريطانية عام 1917 إلى الحركة الصهيونية ووعدتها بإقامة "وطن قومي لليهود" في فلسطين، وذلك وسط حضور كبير برز فيه عدد من الدبلوماسيين العرب والأجانب والسياسيين وممثلي وسائل الإعلام العربية والبريطانية.
وحضر بركة الاحتفال تلبية لدعوة خاصة من مبادرة "فلسطين 100" التي مثّل لجنتها التحضيرية في الاحتفال الأكاديمي الفلسطيني الدكتور مكرم خوري مخول، وإلى جانب إطلاق المبادرة تضمن الاحتفال إشهار كتاب "شهادات على القرن الفلسطيني الأول" للكاتب والصحافي الفلسطيني التقدمي المقيم في بريطانيا إلياس نصرالله. وشارك إلى جانب بركة في الحفل كل من البارونة جينيفر تونغ، عضوة مجلس اللوردات البريطاني التي اشتهرت بمواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية، والأستاذ الجامعي سامي رمضاني والسفير الفلسطيني المتجول عفيف صافية، عضو المجلس الثوري لحركة فتح والسفير السابق في بريطانيا وواشنطن وموسكو، والمحامي جيراميتيير الذي اشتهر في دفاعه عن القضية الفلسطينية، والكاتب والصحافي الفلسطيني إلياس نصرالله، وجوليا كاترينا، مغنية الأوبرا (ميزوسوبرانو) وعازفة العود والتشيلو.
وترأس الاحتفال الكاتب والصحافي السوداني المعروف معتصم الحارث الذي رحّب بالحضور وطلب منهم الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء فلسطين، ثم قدّم إلى الحضور صاحب فكرة مبادرة "فلسطين 100" الدكتور مكرم خوري مخول، الأكاديمي الفلسطيني من يافا المقيم في كامبريدج ببريطانيا، الذي أوضح أن المبادرة مستقلة غير حزبية وغير اثنية وغير دينية وغير طائفية مفتوحة لكل من يشعر بالقرب من فلسطين والشعب الفلسطيني. وأن مبادرة "فلسطين 100" تهدف الى توعية الاجيال الجديدة العربية منها والاجنبية بالقضية الفلسطينية وكسب وعي وود قطاعات جديدة في المجتمعات العالمية، كما تهدف الى توسيع نسبة وعي أولئك الذين يؤيدون فلسطين بتزويدهم بالمزيد من المعلومات وطرح الأفكار الجديدة والنشاطات العامة، ما سينعكس على تقوية معنويات الشعب الفلسطيني وصموده ومناعته. وأضاف خوري مخول أن المبادرة تهدف الى التعاقد مع كل مؤسسة أو منظمة أو فئة في كل عواصم العالم ترغب في إعداد نشاطات مماثلة مع التنسيق المسبق لضمان نجاح هذه الفعاليات. وأكد أن النتيجة ستكون الحفاظ على "شمعة الأمل الفلسطيني وشعلة النشاط لصالح فلسطين". كما ودعا الى دعم المبادرة والانضمام إلى الحملة من قبل كل شخص بمقدوره تقديم المقترحات على أن يكون له مشاركة ريادية فيها أو مشاركة على الأقل لكي يشعر بأنه يمتلك فكرته مع مجموعة مبادرة "فلسطين 100"، حيث هي إطار يسمح بإطلاق المبادرات القيمة مع كل الفئات نساء وشباباً وطلاباً وعمالاً وأصحاب مهن حرة ونقابات وأطر مجتمعية سياسية أخرى من دون رقابة أو تبعية أو عقبات، إذ أن المبادرة "تتبنى اللامركزية و اللا أنانية أو المصلحة الذاتية".
وعقب كلمة خوري مخول، قدمت مغنية الأوبرا جوليا كاترينا بصوتها الجميل وعزفها الرائع على العود النشيد الوطني الفلسطيني "موطني" رافقها الجمهور بترديد أبيات الأغنية التي كتبها الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان. ثم تحدثت البارونة جينيفر تونغ فاستهلت كلمتها قائلة "أعتذر عن نفسي وعائلتي وعن ملايين البريطانيين الذين يفكرون مثلي" عما جلبه وعد بلفور عام 1917 من ويلات ومصائب للشعب الفلسطيني. وذكرت المصاعب التي يواجهها المؤيدون للشعب الفلسطيني والمتضامنون مع قضيته في بريطانيا، وأشارت إلى ما تعرّضت إليه هي شخصياً من جانب اللوبي المؤيد لإسرائيل. وأثنت البارونة تونغ على مبادرة "فلسطين 100" وتمنت لها النجاح، رغم التنافس الفلسطيني السياسي الداخلي، وعبّرت عن أملها في أن تتم الوحدة بين مختلف الفصائل والأحزاب الفلسطينية.
بعد ذلك تحدث الاستاذ سامي رمضاني وهو محاضر جامعي بريطاني من أصل عراقي
ثم تحدث محمد بركة الذي استهل كلمته بالحديث عن كتاب "شهادات على القرن الفلسطيني الأول" فوصفه بأنه "الألياذة الجديدة لرواية فلسطين"، وقال أنه كتاب "فريد ومذهل، يأخذك في رحلة على محور الزمن من خلال مسح دقيق يعتمد المعاينة من المصدر الأول فيغوص في الحدث أو يكشف حقائق مجهولة فتصبح صورة الحدث فيها أكثر وضوحاً، وفي محطات مختلفة يأخذ الحدث معنى آخر يتجاوز أو يصحح المألوف المتداول".
وقال بركة أن الياس نصرالله "الكاتب الصحافي الموسوعي يغرف من ذاكرته الغنية ويقطع البلاد للتواصل مع شخوص الحدث لاستكمال عملية تركيبه بدقة، ثم يغوص في المراجع والوثائق ليستكمل بناء الحدث فيما يتعدى الذاكرة الشخصية والمرْويّ من ذاكرة الآخرين. فالكتاب هو ليس كتابة التاريخ والكتاب ليس مذكرات شخصية والكتاب ليس شهادة قانونية وإنسانية والكتاب ليس مادة تثقيفية والكتاب ليس استفزازاً لحاجة البحث والتوثيق والكتاب ليس محاولة موفقة لإماطة اللثام عن أحداث قد تغرق في غياهب النسيان أو التحريف.. الكتاب هو كل ذلك، وكل ما يترتب على ذلك في ساحة فلسطين الأولى التي سميت "فلسطين 48" ظلماً وقهراً لأن بقاءنا في وطننا بعد النكبة كان النقيض الأكبر لـ1948 وللنكبة ولمشروع التطهير العرقي الصهيوني، ففي هذه الساحة التي استنزفت بين الصهيونية وبين النسيان، بين الشعور بالعزلة (وكأنها مائة عام) وبين ظلم ذوي القربى رأيتُ كيف يحوّل الياس نصرالله الاحداث "الصغيرة" الى عاصفة تنفخ الغبار عن قصة لم تكتب وإلى معاول لتقويض الرواية الصهيونية وإلى مواد بناء لإعادة تشييد رواية فلسطين الأولى وإلى ريشة ترسم من جديد ملاعب طفولتنا بعفتها وبؤسها وإلى ورق بردى لكتابة قرن فلسطيني بحبر الذاكرة الأولى والعين الأولى والمعاينة الأولى.
الكاتب يروي قصة اللجوء والعودة لتصل أنت القارئ إلى أن ما كان ليس سوى مشروع تطهير عرقي.. ويروي محاولة هندسة الانتماء وتدجين الوعي لدى أبناء شعبنا في فلسطين الأولى فتكتشف أن المشروع ليس مشروعاً صهيونياً وحسب إنما مشروع شراكة بين إسرائيل وعرب أمريكا".
ثم انتقل رئيس لجنة المتابعة العليا للموطنين الفلسطينيين في إسرائيل إلى الحديث عن وعد بلفور ونصه المؤلف من 60 كلمة، قال أنه رغم قلة عددها إلا أنها "قالت كل شيء عن مشروع النكبة الذي نفذته الصهيونية والإمبريالية البريطانية ومن ثم العالمية بمشاركة الرجعية العربية". وقال أن الوطن القومي للشعب اليهودي، وفقاً للوعد، يعني "الإقرار بمقولة الصهيونية الأولى، بمعنى أن بريطانيا "شريكة مباشرة في نكبة الشعب الفلسطيني" وحديث وعد بلفور عن الطوائف غير اليهودية في فلسطين يعني "إنكار وجود الشعب الفلسطيني"، واصفاً هذه الكلمات بأنها "تشكل مقولة لا سامية من الطراز الأول". وقال أن "وعد بلفور بكل كلماته الستين مبني على ظلم وعلى باطل".
ولفت بركة إلى ما قالته في 11 كانون الأول الجاري رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي "أن وعد بلفور هو أحد أهم الرسائل في التاريخ"، وقال "قد يكون الامر صحيحاً فوعد بلفور هو من الرسائل الأهم في التاريخ في الصفاقة والعدوان والغلاظة لأنه وعد من لا يملك لمن لا يستحق. وقالت السيدة ماي في المناسبة ذاتها ان "إسرائيل هي عبارة عن ديمقراطية مزدهرة وبمثابة منارة في التسامح" وكنت اقترح استضافتها في قرية عربية فلسطينية في إسرائيل أو أن أستضيفها على أنقاض بيت أهلي في صفورية أو في قرية العراقيب في النقب التي هُدمت في السنوات الخمس الأخيرة 104 مرات أو في قرية أم الحيران التي يجري هدمها اليوم... نعم هذا اليوم بالذات، لإزالتها من الوجود لإقامة مستوطنة يهودية مكانها، أو زيارة جامع يُمنع الأذان فيه أو بيت يُمنع فيه لم شمل الزوج بالزوجة بسبب قوانين منع لم شمل الفلسطينيين أو في بيت في أحياء الفقر في يافا التي هُجر غالبية أهلها أو حتى في مبنى الكنيست الذي عملت فيه أكثر من 15 عاماً، وذلك لتشاهد المشروع الديمقراطي الإسرائيلي الكبير بإتمام كتاب قوانين الأبرتهايد الأول في القرن الواحد والعشرين".
وقال بركة في المناسبة نفسها هاجمت السيدة ماي حركة المقاطعة المتنامية ضد إسرائيل وضد منتجات المستوطنات. وأضاف "لكنها يجب أن تعلم أن إسرائيل سنّت قانونا ضد الدعوة إلى المقاطعة، رغم أن المقاطعة هي تعبير عن رأي سياسي مشروع وهي أحد أشكال المقاومة غير العنيفة للاحتلال".
وقال بركة أن إسرائيل بقيادة نتنياهو تعمل على الاجهاز على حقوق الشعب الفلسطيني وعلى حل الدولتين الذي تدعي السيدة ماي بأنها ملتزمة به، وتسعى إلى تثبيت شعار أرض إسرائيل الكاملة من خلال طرح موضوع يهودية الدولة شرطاً للتفاوض غير القائم أصلاً ومن خلال جعل الصراع دينياً لتخطي قضية الاحتلال وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتصوير الموضوع وكأنه موضوع ديني مستفيدة من الاسلامافوبيا في الغرب ومن تنامٍ مصطنع لتيارات متأسلمة ومجرمة، ومن خلال محاولات حثيثة لمحو الخط الأخضر بواسطة تعميق الاستيطان في الضفة الغربية عموما وعلى طول الخط الأخضر تحديداً".
وأوضح بركة أن لجنة المتابعة العليا لقضايا المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وهي الجسم التمثيلي الأعلى لهذه الجماهير قررت ان تنخرط رسمياً في النشاطات والمبادرة حول مرور مائة عام على وعد بلفور. وقال "اليوم، هنا في لندن ونحن نشارك في إطلاق مبادرة "فلسطين 100" ومرور قرن على وعد بلفور وبإشهار كتاب الأخ والصديق والمثقف والمناضل الياس نصرالله "شهادات على القرن الفلسطيني الأول" ثمة حاجة إلى أن نقول: أن معاناة الشعب الفلسطيني قد طالت، لكن مصير الاحتلال الإسرائيلي لن يكون مختلفاً عن الاحتلالات الأخرى، والآن على حكومة صاحبة الجلالة أن تنظر بعين العار إلى وعد بلفور وأن تعتذر من الشعب الفلسطيني وتعترف رسمياً بدولة فلسطين. هذه الخطوات لن تصلح كل شيء ولكن فيها شيئاً من العدل".
ثم تحدث السفير الفلسطيني المتجول عفيف صافية الذي أثنى على مبادرة "فلسطين 100" وكان صافية قد اشتهر خلال فترة عمله سفيراً لفلسطين في بريطانيا بمقارعته الحكومة البريطانية والضغط عليها حيث كان أول من دعا الحكومة البريطانية إلى تقديم اعتذار رسمي إلى الشعب الفلسطيني عن وعد بلفور وما ألحقته سياساتها بهذا الشعب، وطلب صافية من الحاضرين وكل من تهمه فلسطين أن يُؤازروا هذه المبادرة، وقال "على الفلسطينيين أن يقوموا بمحاسبة شخصية ونفسية وفكرية واجتماعية وسياسية حول الدور الذي يقومون به ومدى تأثيره سلباً أو إيجاباً على العمل الجماعي".
أما المحامي الانجليزي جيريميتيير الذي كان حضوره الاحتفال هو ظهوره الأول الى العلن بعد أكثر من ثلاثة عقود من الدفاع عن الحق الفلسطيني في أروقة السياسة والعدل التي قارع فيها الحكومات البريطانية المتعاقبة التي اقترفت الاخطاء والجرائم ضد الشعب الفلسطيني وما زالت سياستها منحازة إلى صالح الحركة الصهيونية عالمياً.
وكانت كلمة الختام لمؤلف كتاب "شهادات على القرن الفلسطيني الأول" إلياس نصرالله، الذي شكر الحضور ومنظمي الاحتفال والمتحدثين الذين سبقوه وقال:
"جاء الكتاب ليتصدى إلى محاولات طمس وإخفاء جريمة الاعتداء على الشعب الفلسطيني وسرقة وطنه من جانب إسرائيل والإسرائيليين والتسبب له بمآس وويلات أسس لها وعد بلفور. فأنا وعائلتي من ضحايا هذه الجريمة.
ففي كتابي هذا الذي استغرقت كتابته حوالى ست سنوات، وضعت تجربتي الحياتية والعملية في سرد حكايات وأحداث وقعت لي شخصياً ومع عدد كبير من الفلسطينيين الذين أعرفهم وكنت شاهداً عليها، من ضمنهم أفراد عائلتي، والذين كافحوا وصمدوا في وجه أعتى قوة عسكرية في العالم لا تتمثل فقط بإسرائيل، بل بتحالف القوى الدولية التي تقف خلفها وتدعمها.
قدّمت في هذا الكتاب صوراً عن عذابات الفلسطينيين المسالمين الذين نجحوا في البقاء في وطنهم ولم يجرؤ أحد في حينه على مساندتهم في محنتهم. أما اليوم فأنا أشعر بالفخر لكثرة المؤيدين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة على المستوى الدولي شعبياً ورسمياً وما البارونة الشجاعة جيني تونغ الموجودة بيننا هذه الليلة إلا مثالٌ على هذا التحول.
لا أريد الدخول في تفاصيل ما يحتويه الكتاب، لكنني سأحاول أن أشرح باقتضاب الهدف من تأليفه.
لم يزد عمري عن تسعة أشهر عندما لجأت عائلتي إلى لبنان، لكنها بأعجوبة تمكنت من العودة إلى وطنها في بلدة شفا عمرو الصغيرة في الجليل، وصمدت ضمن حوالى 160 ألف فلسطيني ممن نجحوا في البقاء في وطنهم داخل إسرائيل بعد نكبة عام 1948 وازداد عددهم مع الوقت ليصبح الآن 1,6 مليون نسمة. ما فعلتُه أنني حاولت في كتابي "شهادات على القرن الفلسطيني الأول" أن أقدّم صوراً لمّا جرى لهؤلاء الفلسطينيين منذ عام 1948 وما بعده.
لا تزال نكبة الفلسطينيين مستمرة حتى يومنا هذا، فغالبيتهم مشردون في الشتات وممنوعون من العودة إلى وطنهم، حيث دمر الإسرائيليون حوالى 530 مدينة وقرية فلسطينية وأزيلت من الوجود وبنيت على أنقاضها المستوطنات للمهاجرين اليهود الذين تم جلبهم من جميع أنحاء العالم. ما يثير الرعب أن الإسرائيليين لا يشعرون بالذنب لما اقترفوه ويقترفونه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، ويتباهون بها. ففي لقاء إذاعي بتاريخ 13 حزيران 2013 مع محطة الإذاعة التابعة للجيش الإسرائيلي في مناسبة ذكرى حرب حزيران 1967، لم يتردد الجنرال المتقاعد يتسحاقبونداك قائد الفرقة 53 في لواء غولاني التابع للجيش الإسرائيلي عن التباهي بما اقترفه هو وجنوده ضد الفلسطينيين خصوصاً تدميرهم تلك المدن والقرى الفلسطينية، إذ قال: "ضميري مرتاح لذلك الأمر، لأننا لو لم نفعل ذلك، لما كانت هناك دولة الآن. وسيكون في إسرائيل مليون عربي إضافي".
أما المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس الذي تطبع كتبه في جامعة كامبريدج وغيرها من أرقى المؤسسات الأكاديمية في العالم، فتحسر على أن القيادة الإسرائيلية فشلت عام 1948 في تنظيف فلسطين عرقياً من الفلسطينيين مثلما جرى مع أصحاب الأرض الأصليين في القارة الأمريكية الذين يطلق عليهم "الهنود الحمر"، وقال في مقابلة صحافية نشرت في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بتاريخ 16 نيسان 2004: "حتى الديمقراطية الأمريكية العظيمة لم يكن بالإمكان خلقها من دون القضاء على الهنود الحمر. فهناك حالات تكون المحصلة الإجمالية فيها أن النتيجة الجيدة في النهاية تبرر الأعمال الخشنة والقاسية التي يجري ارتكابها في مجرى التاريخ". وتمنى موريس لو أن ذلك حصل بالفعل في فلسطين.
وتحدث بيني موريس بصراحة عن إمكانية "الترانسفير" أي طرد الفلسطينيين الذين نجحوا في البقاء في وطنهم عام 1948 إلى الدول العربية المجاورة مستقبلاً، والذين يشكلون أكثر من 20 في المائة من سكان إسرائيل. وقال موريس "العرب في إسرائيل قنبلة موقوتة. انجرافهم كاملاً نحو الهوية الفلسطينية جعلهم عملاء للعدو بيننا. فهم عرضة لتقويض الدولة بالمفهومين الديموغرافي والأمني. لذلك فإذا وَجدت إسرائيل نفسها في وضع يهدد وجودها، مثلما حدث عام 1948، ربما تضطر إلى التصرف مثلما فعلت في حينه". وأضاف "فإذا كان التهديد لإسرائيل وجودياً، فالطرد مبرر". هذا كلام لمواطن إسرائيلي أكاديمي وليس لجنرال في الجيش الإسرائيلي.
ففي إسرائيل هناك من يسيل لعابه لدى رؤية طوابير اللاجئين السوريين الهاربين من أتون الحرب ويعتقد أنه سيكون قادراً يوماً ما على تشريد ما تبقى من الفلسطينيين الذين نجحوا في البقاء في وطنهم. فدعاة الترانسفير أو التنظيف العرقي للفلسطينيين موجودون في سدة الحكم في إسرائيل، وهم في انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على الفلسطينيين ليس فقط في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948، بل في الضفة الغربية وقطاع غزة.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو يُصرّ على أن إسرائيل دولة يهودية ووافقه الكونغرس الأمريكي والرئيس باراك أوباما على ذلك، متجاهلين قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها بأن للفلسطينيين الحق في العودة إلى وطنهم.
أما وزير دفاع إسرائيل أفيغدور ليبرمان فطمأن الإسرائيليين منذ أسابيع فقط بأن حربه القادمة على قطاع غزة ستكون الأخيرة، قال ذلك وفي ذهنه إفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين وتشريدهم.
لذلك علينا أن نبذل جهوداً مضاعفة لتوعية الأجيال القادمة من الفلسطينيين أولاً والرأي العام العالمي ثانياً، على حقيقة الخطر الذي يتهدد الشعب الفلسطيني من إسرائيل وحكامها ووزرائها المتطرفين.
فحتى يقدر الفلسطينيون على التصدي لأية محاولة ترانسفير أو تشريد جديدة ينبغي لنا أن نُعرِّف الأجيال الجديدة بتجربتنا، فرغم مرور ما يقارب 100 عام على وعد بلفور و70 عاماً على نكبة فلسطين ما زالت القصة الكاملة لما حدث مع الشعب الفلسطيني لم تكتب بعد، خصوصاً قصة الفلسطينيين الذين نجحوا في البقاء في وطنهم، وليس هذا الكتاب سوى محاولة أولية لتدوين وتوثيق بعض ما حدث لنا خلال هذه الفترة.
وشكراً لكم وأتمنى أن تصدر طبعة مترجمة لهذا الكتاب باللغة الإنجليزية ولغات أخرى قريباً".
هذا وحضرت الفعالية مجموعة من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي، وقدموا باقة ورد إلى الصديق إلياس نصر الله في مناسبة إشهاره كتابه" شهادات على القرن الفلسطيني الأول".