مدارات

مأزق الرأسمالية / نوربرت بيرن هولت*/ ترجمة : حازم كويي

لم يعد موضوع انتقاد الراسمالية الشائع يقتصر على الوسط اليساري فقط ، فأوساط الصحافة الالمانية البرجوازية كصحيفة (دي تسايت)الاسبوعية و(فرانكفورتر الغماينة) او (فرانكفورتر روندشاو) ُمنشغلة ومنذ عام 2011وبشكل واضح بموضوعة مشاكل الرأسمالية .
في المكتبات ،يجد المرء كماً من الكتب والافلام الانتقادية لهذا النظام ،فهو يجد نفسه حالياً في مرحلة متأزمة والذي يقود اكثرية البشرية وبشكل واضح الى بؤس وحال مزرية وكأننا الآن بحاجة الى اعادة قراءة رواية البؤساء لكاتبها الفرنسي فكتور هيجو.
فالتقارير تشير الى التغيرات البيئية المتدهورة وتأثيراتها السيئة ونتائجها الكارثية على كوكبنا الارضي،اضافة الى الفروق المتزايدة للصراع بين الفقر والغنى ،وهو الحديث الشاغل في كافة المجالات الاعلامية فشعار (اغمض عينيك وواصل الطريق) اصبح لايمكن القبول به.
فالانتقاد اخذ طابعاً حاداً وخاصة لاولئك الذين َيدَّعون بعدم وجود بديل له والمُمَثل بالليبراليين الجدد،فهل الامر حقاً كذلك؟
أكثرية الناس تعيش هذه الكارثة ،لكنهم لايعرفون على أيةِ قرارات تغييرية يستندون، فالتغيير الضروري يوقظ عند الفرد حالة من الخوف ، منهم من يقول ان الوضع سوف لايكون سيئاً جداً .
لكن على المرء ان ينظر الى الواقع بشكل دقيق ،الى المجتمع الرأسمالي ،بكافة جوانبه ومنها خاصةً البحوث العلمية في المجال الاقتصادي ،السايكولوجي ،النيورولجي (علم الاعصاب)،الفلسفي ،علم الاجتماع وعلم التربية ،والذين يحاولون من خلال مشاريع عديدة اصلاح الانشقاقات التي تحدث داخل هذا النظام وبوسائل ترقيعية .
الا ان اليسار يريد ان ينقذ الناس أِزاء هذا الخوف من خلال اجراء تغييرات اساسية بالنظام الاقتصادي دون عواقب كارثية ، ففي النمسا على سبيل المثال هناك مشروع تجربة شعاره (الاقتصاد التضامني) والتي بادر بها (كرستيان فيلبر ) باحثاً عن تصور لاقتصاد تضامني يستند الى تقاليد حركة اليسار في امريكا اللاتينية والتي اعتمدت هذا الشعار ،وارتباط الانسان بتحقيق حاجاته من اجل خدمة الجميع ، حيث من المفترض ايقاف الاقتصاد على قدميه بدل الوقوف على رأسه، ليكون ذا نزعة اجتماعية متسماً بالطابع الايكولوجي الاصلاحي .
وبهذه المبادرة التي أُسست عام 2008 في مدينة بورغ بودن شتاين الصغيرة، ضمت فيها علماء وحركات اجتماعية عديدة والذين ُقسموا الى مجموعات عمل لتحقيق الاهداف التي وضعوا فيها الحجر الاساس من خلال ورقة عمل حيث تعقبها خطوات تتضمن تحليلات اساسية لواقع تركيبة الاقتصاد الرأسمالي وتحقيق رفاهية الانسان .
ومن خلال العمل المكثف لهذه الاكاديمية ولثلاث سنوات متواصلة تمكنوا من تحقيق نتائج عملية وبوثائق مكتوبة وبمشاركة شخصيات اكاديمية مرموقة ،الذين وضعوا هدفاً ، بمواصلة العمل والتصدي للمشاكل التي تواجه المجتمع.
ان انتقاد اسطورة السوق الرأسمالي تأخذ ابعاداً شعبية متواصلة ،فمن يخرج رأسه من شباك هذه المواضيع المتشابكة ولفترة طويلة ،عليه حساب ان يصاب بريح باردة ،وهنا يُطرح السؤال ،كيف يمكن للاقتصاد التضامني مواجهة السوق ؟وهو سؤال محق وصعب في الوقت نفسه.
ان استبدال هذا النموذج ينجز عن طريق وجود نظام اقتصادي جديد وبكافة المجالات ،موازياً له من خلال ملف ، يتضمن ثقافة عمل واضحة المعالم مع نظام اجتماعي ضريبي جديد كي يمكن بعدها الاجابة على اهم الاسئلة لهذا المنهاج الاقتصادي التضامني ارتباطاً بعالم العولمة.
ان مساعدة الناس لهذه الفكرة ضرورية .
*نوربرت بيرن هولت هو مدير اكاديمية التضامن الاقتصادي في المانيا.