مدارات

أيام مفعمة بالحب والأمل ..(11) / فيصل الفؤادي

الجانب الإداري
تعتبر الإدارة عصب العمل الأنصاري، حيث تنظم عملية توفير الطعام والملبس للأنصار في المقرات او في المفارز. بعد بناء مقرات القواطع (كانت تسمى في البدء القوة)، تم بناء غرف خاصة لغرض جمع الأرزاق فيها، إضافة الى البطانيات والأفرشة والمدافئ واواني الطعام المختلفة وإشتملت الأرزاق على الرز والبرغل والعدس والحمص والفاصوليا والدهن والملح والمعجون والحليب المجفف والحلاوة الطحينية والدبس والراشي والشاي والسكر.
كان يتم شراء هذه المواد وغيرها من المناطق الحدودية في ايران وتركيا، حيث توجد بعض الاسواق. كما يتم التعامل مع بعض المهّربين (القجقجية أو الكرونجية) لغرض نقل المواد التموينية وغيرها الى المقرات و جميع المواد تنقل على ظهور البغال وهو الحيوان الملائم لظروف الجبل. كانت هناك في البداية صعوبة بالغة في الحصول على الأرزاق والأفرشة والأغطية.
ولكي اضع القارئ بموضوع الإدارة وكيفية التعامل مع (الكرونجية) وظروف العمل عند إنطلاق العمل الأنصاري عام 1979، أشير الى ما كتبه النصير كاروان (سعيد الياس شابو) والذي عاش تلك الفترة منذ بدايتها في ايار من نفس العام:
" يقع سوق ناوزنك المشهور بـفروشكا، وتعني بالكوردية والفارسية سوق، بين مقرنا العلوي والنهر الجاري من منابع جلها قرى كوردستانية ايرانية والذي لاتصلح مياهه العكرة للشرب أبدا (لكننا شربنا منها قبل أن نعرف ما يختلط معها عند جريانها بالقرب من القرى ولحسن الحظ لم نصب بشيء يذكر). هذا السوق يقع على أرض زراعية متروكة أو بالأحرى حقل متروك وبمساحة مسطحة لا بأس بها. وتنتشر على تلك البقعة الخيم بأحجام مختلفة ومتنوعة وبعض الأكشاك المصنوعة من القصدير والخشب. والى جانب الخيم تقف الأحصنة والبغال التي تستخدم كوسيلة لنقل البضاعة التي تنقل من والى السوق في ناوزنك. ما يتواجد في الخيم أمور تبعث على الدهشة، حيث تجد كل البضائع المتوقع او غير المتوقع وجودها كأطارات السيارات واللوريات والثلاجات والمبردات والمشروبات والبطانيات والمواد الغذائية المتنوعة ومنها الفواكه المعلبة و السمك واللحم المعلب والسجائر. كانت السوق منطقة غير أمينة بسبب تواجد رجال مخابرات الدول المختلفة لتعقب خطوات البيشمركة ومحاولة تصويرهم والتعرف على هوياتهم. ولم نتمكن من محاسبة أي كان لأن العلاقات كانت متشابكة جدا! هناك الكثيرون من الكسبة الذين يبغون العيش على التهريب رغم إن هذه التجارة القاسية قد كلفتهم أرواحهم وممتلكاتهم في الكثير من الأحيان دون أن يعيروا لها بالاً أو ينقطعوا عنها !
كانت الحركة التجارية مربحة وهذا ما تحدث به البعض من العاملين في مجال حركة الإستيراد والتصدير. الماشية كالأبقار والأغنام كانت تمر أيضا عبر هذا المنفذ الإستراتيجي فقرى الطرف الكردستاني الإيراني كانت معمورة، وتعتبر الفلاحة فيها المصدر الرئيسي للدخل، رغم الحصار الذي عانته بسبب الأوضاع في المنطقة برمتها وتواجد تلك الأحزاب المعارضة فيها .
وبسبب ذلك التواجد والزحام والحركة التجارية المتنوعة وطريقة نقلها على الحيوانات من والى ناورنك ومكوث معظم تلك الحيوانات وبقاياها من الروث والحمولة والعلب الفارغة المتنوعة والنفايات الكثيرة والحيوانات النافقة، فقد كانت مصدراً للتلوث ولإنتشار الأمراض التي نادراً ما نجا احد منها.
وبخصوص الكاروانجية فقد كانوا متنوعين وشطار وقادرين على تجاوز الصعوبات ومصرين على مواصلة المهنة، منهم من له علاقة مع البيشمركة وينقل ويوصل البريد والأخبار والملتحقين الجدد ومنهم من هو مرتبط سراً بمخابرات أحدى ألأنظمة مقابل ثمن !
كما كان هؤلاء نشطين بتبديل العملات الدولية! فالعملة الايرانية (التومان) كانت تعادل 1/18 من الدينار العراقي في البداية بعيد سقوط الشاه، ثم ضعفت تدريجياً بسبب الوضع الأقتصادي لإيران. وكان صرف الدولار الأمريكي والين الياباني والليرة التركية سهلاً في سوق ناوزنك الحرة!!
الصيف في المنطقة كان غير مريح، الهواء جاف ومثقل برائحة النفايات المؤذية. ولم تكن حساباتنا كحسابات العاملين في السوق، فلهم خندق ولنا خندق! ولكن ما العمل والوضع المالي للحزب سيء جداً لاسيما في البداية حيث كنا بالكاد نحصل على أرزاق وأغطية للمنام. وكانت حصة النصير البيشمركة من الوجبات الغذائية خجولة ولاتتناسب مع حجم المهام التي يؤديها النصير من الصباح الباكر وحتى المساء المتأخر!
كانت الوجبة الصباحية تتكون من نصف رغيف من الخبز وقطعتي جبن مثلثات وكوب شاي صغير يذاب فيه فص واحد من السكر، وأحيانا يستبدل الجبن بالحليب أو بخمسة حبات من الجوز.
عند الظهيرة، تكون هناك الوجبة الغذائية الرئيسية المتكونة من الرز أو العدس أو مرقة بطاطا أو مرقة بصل (وتسمى مركة هوى). وكنا نحتفي بالوجبة إن إجتمع فيها الرز مع المرق! في العشاء يضاف لبقايا رز الظهيرة معجون الطماطم والماء فيحصل لدينا حساء احمر!
كان الإعتراض على سوء الطعام دليلاً على عدم القناعة بالحزب وخططه وضعف الجهادية والقدرة على التحمل! ومن حسن الحظ الأكثرية كانت تحب وتجيد وتفضل الصمت على المطالبة بالتنوع أو الإكثار من الطعام، المهم أن تنام دون أن تكون بطنها خاوية.
الإمكانيات المادية للرفاق مختلفة، فقد كان هناك من له جيب عامر وقادر على شراء ما يحتاج على أن لا يريه للأخرين أو يأكله أمامهم تحسبا من أية تأثيرات سلبية عليهم! في الكثير من الأحيان كان الرفاق "الأغنياء" يقاسمون الرفاق "الفقراء" علبة السردين أو اللحم المعّلب التي يشترونها ولا يتناولوها بمفردهم. كان الرفاق يضحون بفص السكر الذي يحلون به شايهم فيهدوه الى من إعتاد على شرب الشاي المسّكر.".
في نفس الوقت كانت الإدارة توزع الرواتب على الأنصار (ديناران ونصف ثم اصبحت 5 دنانير لتصبح في الأخير 10 دنانير). وكان هذا الراتب يخصص لشراء الملابس الداخلية او السكائر للمدخنين او اشياء اخرى خاصة بالنصير.
اغنية للرفيق المجهول:
هيا لنغني معا اغنية للرفيق المجهول
ذلك الرجل الذي يؤدي عمله في الخلية
هناك.. او في اي مكان اخر
يرسله اليه الحزب
انه لا يحتاج الى هذه الاغنية
فهو يؤدي واجبه على اي حال
اسمه غير معروف
ولا يريد...
ليس مشهورا ولا زعيما ولا يرغب ...
اسمه لا يكتب بأحرف بارزة
فان كتبوه .. فلن يعرفه احد
وعندما يرقد في النزع الاخير
لن ينعاه منشور
ولن تنشر صورته في الجريدة
لهذا انا اغني له
وكلما اجتمعتم لتمجيد ذكرى الكبار
أذكروه
غنوا له
رغم انه لا يريد
فقد ، ادى واجبه
وكفى "!