مدارات

ما تأثير ترامب على اليمين الشعبوي والمتطرف في أوروبا؟

رشيد غويلب
كشف "مؤتمر الأمن"، الذي عقد للفترة من 17 إلى 19 شباط في مدينة ميونخ الألمانية، عن الطريقة التي تتفاعل بها النخبة الحاكمة، او تجيب على السياسات التي يعلنها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، فتحت شعار "على أوروبا أن تصبح أكثر ثقة بالنفس" يجري تصعيد العسكرة والتسلح بوتائر متصاعدة. وفي ألمانيا التي تتصدر بلدان القارة اقتصاديا وسياسيا توضع خطط وتجري الاستعدادات لمضاعفة الموازنة العسكرية حتى عام 2024 ، لتصبح 25 مليار يورو.
وتسعى أوربا الناتو على خلفية تصريحات ترامب الداعية إلى التقارب مع روسيا، إلى ان تحل محل الولايات المتحدة الأمريكية، وماكنة الدعاية ترجع ذلك إلى الدفاع عن حقوق الإنسان في جميع انحاء العالم. وان على أوربا الناتو ان تكون قوية بما فيه الكفاية لمواجهة العدوان الروسي المزعوم. وتمضي صحف ألمانية محافظة معروفة بالحديث عن تطور الإمكانيات العسكرية إلى إمكانية بناء ترسانة نووية خاصة بألمانيا. والرئيس الأمريكي أكد في حملته الانتخابية والتصريحات التي أعقبت تنصيبه ان بلاده سوف لن تدافع عن حلفائها، الا اذا سددوا التزاماتهم المالية، والمطلب ذاته فرضه اوباما على بلدان الناتو في عام 2014 . من جانبها تعتبر البلدان الأوربية المتطورة ان هذا النهج الأمريكي يتيح لها تبرير وشرعنة تطوير امكانات عسكرية رادعة تحت يافطة الخطر الروسي المتصاعد.
ويعتبر اليمين الشعبوي فوز ترامب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي عوامل دعم مؤثرة في السباقات الانتخابية التي تقف على الأبواب، ففي بداية اذار المقبل ستشهد هولندا انتخابات برلمانية عامة، وحزب الحرية اليميني الشعبوي بقيادة فيلدرز صاحب الحظ الأوفر في الفوز، وعلى الرغم من فوزه لا يعني وصوله إلى السلطة، الا انه ليس هناك ضمانة نهائية تمنعه من تشكيل الحكومة المقبلة. وفي نيسان وايار القادمين ستجري انتخابات الرئاسة الفرنسية، وجميع التوقعات تتحدث عن وصول زعيمة حزب "الجبهة القومية" اليميني المتطرف ماري لوبان إلى المرحلة الثانية، واذا لم تستطع قوى اليسار الفرنسي بالمعنى الواسع تجميع قواها وابعاد الخطر المحدق عن الاليزيه، فان ليبراليا يمينيا مثل ماركون ربما لن يكون قادرا على ايقاف قاطرة لوبان الجامحة، وعندها يتكرر سيناريو كلينتون – ترامب الأمريكي في فرنسا.
وفي الخريف المقبل ستجري انتخابات البرلمان الاتحادي في المانيا، والتوقعات تؤكد على وصول حزب "البديل من اجل المانيا" اليميني المتطرف لاول مرة إلى قبة البرلمان الاتحادي، بعد ان تمكن الحزب حديث التشكيل من الدخول إلى العديد من برلمانات الولايات الألمانية. والمرشح الأول للحزب الديمقراطي الاجتماعي، ورئيس البرلمان الأوربي السابق مارتن شولز، سينجح عبر خطابه الشعبوي عن العدالة الاجتماعية، كما فعل ترامب في كسب أوساط من ناخبي اليسار وحزب الخضر إلى جانبه. وعلى الرغم من ذلك فان استطلاعات الرأي والأرقام المتاحة ما زالت تشير إلى إمكانية التوصل إلى تحالف يسار الوسط، وازاحة اليمين التقليدي بزعامة ميركل من السلطة. ولكن كثيرا من المتابعين اليساريين يثيرون تساؤلات بشأن مدى يسارية برنامج مثل هذه الحكومة، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان المرشحين الرئيسين للديمقراطي الاجتماعي والخضر لا يلتزمون بوضوح بالابتعاد عن نهج الليبرالية الجديدة، الذي همين على السياسات الحكومية في المانيا منذ عام 1999 .
لقد ادى انتصار ترامب الانتخابي إلى دفع احزاب اليمين والوسط في أوربا إلى الاتجاه يمينا، بحجة قطع الطريق على صعود اليمين المتطرف، فراح الكثير من هذه الأحزاب يتبنى تقليص الحقوق الديمقراطية، وسياسة التضييق على الاجانب مع رفع صوت شعبوي مكشوف يدعي الدفاع عن العدالة الاجتماعية.