مدارات

أيام مفعمة بالحب والأمل ..(16) / فيصل الفؤادي

الثقافة والأنصار
ارتبط الأنصار الشيوعيون بالثقافة بشكل كبير، برغم عدم توفر الظرف المناسب في متابعة وقراءة أخر الإصدارات في العالم. وبرزت من بينهم مجموعة من الكتاب والباحثين والمؤلفين خلال فترة تواجدهم في كردستان في الفترة (1978 – 1989). وفي نفس الوقت التحق بقوات الأنصار عدد لا باس به من الفنانين (مسرحيين ومطربين وملحنين) ومن الادباء (كتاب وشعراء) إضافة الى الصحفيين. وكانوا جميعا متميزين في عملهم ونشاطهم الأنصاري. ولم تسمح الظروف لنشر نتاجاتهم خلال تلك الفترة بالشكل المطلوب، الا إن الأنصار قد تفاعلوا مع تلك النتاجات روحيا ومعنويا وذاتيا، وأصبح بعضهم له بصمات جيدة في النتاجات المختلفة.
لقد قدم الكتاب والفنانين المسرحيين الكثير من المسرحيات وهي نتاج الواقع الأنصاري، و تصف الحالة التي يعيشها النصير من هموم العمل والتدريب والمتابعة السياسية والخدمة الرفاقية والحراسة وغيرها من المهمات. واشترك انصار ليس لديهم اي معرفة في العمل المسرحي فتفاعلوا مع أدوارهم التي شخصها لهم المخرجون المسؤولون عن هذا العمل. واستخدم الأنصار ابسط الادوات ليشكلوا ديكورا للمسرحيات التي اعدت وقدمت الى الأنصار او الجمهور الذي يأتي من القرى القريبة الى مقرات الأنصار. وعلى العموم فقط كانت تقدم هذه الاعمال في مناسبة عيد الحزب او نوروز او ذكرى اكتوبر او يوم المرأة او غير ذلك من المناسبات العديدة .
ولعب الشعر والمغنى منه بشكل خاص، دورا مهما، حيث أعطى النصير قوة وحماساً وسجل بفخر تضحياته ومواقفه البطولية. كانت جلسات الليل نبض للشعراء او غير الشعراء في قول الشعر، وقد كتبوا الكثير من القصائد التي تتحدث عن الطبيعة الجميلة في كردستان وعيونها وأشجارها وثمارها وجبالها وأنهارها ووديانها والسهل الجميل، إضافة الى القصائد التي مجدت تضحيات الشهداء.
لقد طبعت اصدارات الشعراء الأنصار من قبل اعلام الحزب (رابطة الكتاب والصحفيين الفنانين الديمقراطيين العراقيين – الأنصار)، وأخذت طريقها الى جميع قواطع الأنصار والى اعلام الخارج. وأصدرت السرايا نشرات ومجلات ثقافية وفنية عامة سجلت فيها القصص والشعر والخاطرة واللقاءات والرسوم الفكاهية والطرائف والمسليات وغير ذلك من الموضوعات الجميلة. وطبعت كراسات عديدة كانت توجيهية منها (في تجربة العمل السري وأساليب مكافحة التخريب) وهو حصيلة تجربة حزبنا وحركات التحرر الوطني، وهناك الكثير من الكراسات حول المتفجرات والألغام ...الخ.
وقد لحن الفنانون الكثير من القصائد، وقدمت على شكل اغاني جميلة وبأدوات بسيطة (لم يكن هناك متوفرا غير العود)، وكانت هذه الاغاني مفخرة للأنصار وبقيت عالقة في اذهانهم . وقدمت هذه الاغاني للأنصار في المناسبات المختلفة من فنانين مهمين مثل كوكب حمزة وقاسم البصري (أبو شمس) وحمودي شربة وصفاء العتابي (أبو الصوف) وغيرهم.
كما شكلت فرق فنية غنائية من الأنصار لحفظ اغاني الحزب المختلفة خاصة (اغاني سنوات السبعين) واغاني فرقة الطريق بقيادة حميد البصري الخاصة بتاريخ وتضحيات الشيوعيين العراقيين والتي تنشدها في مناسبة عيد الحزب .إضافة الى الأمسيات الجميلة التي يقدمها الأنصار من الاغاني العراقية الجميلة، اغاني الحب والحنان والألم والفراق، إضافة الى الأغاني الخفيفة التي حورها الأنصار وضمنوها مفردات العمل اليومي الأنصاري مثل (تورداس ، جقل ، جلو ، سبندار...ألخ). كانت احتفالات نوروز وهو رأس السنة الكردية مهمة للغاية حيث اغلب الأنصار يشاركون فيها مع اهالي القرى، فتشعل النيران على قمم الجبال او التلال القريبة ويجرى الرقص الكردي، وتكون مشاركة الرجال والنساء في هذه الدبكات المختلفة، إضافة الى القيام بمسرحيات بهذه المناسبة لإستذكار الاسطورة التي تقول بأنه كان هناك طاغية يسمى الضحاك وكان يقتل الناس من اجل اطعام حيتانه بادمغة البشر في المدينة، وعندما ضجر الناس من هذا العمل الشنيع، قام احد الأبطال ويدعى كاوه الحداد بالهجوم على هذا الطاغية بواسطة مطرقته والقضاء عليه وتحرير الناس من شروره، وصار ذلك اليوم الجديد (نو روز) الذي اعتبر عيدا وطنيا يعتز به الشعب الكردي.
عيد الحزب له نكهة خاصة حيث يتم التحضير له بشكل جيد ومبكر، فتشكل لجان لهذا الغرض وتحتفل المقرات والمفارز في جميع القواطع بهذه المناسبة العزيزة على الشيوعيين العراقيين وأصدقائهم، وحتى رفاقنا في السجون والمعتقلات والبعيدون في الخارج . يبدأ هذا اليوم مع النهوض الصباحي المبكر الى لبس الملابس الجديدة (النظيفة)، ويتم طبخ وجبات متميزة من اللحم والرز، وتنظف القاعات والساحات وتجري الأحتفالات. ولم يكن الأمر مختلفاً في المفارز، حيث يتم اختيار مكان مناسب وبين القرويين يجرى الاحتفال وبمشاركتهم وتقديم عروض في المسرح او الغناء او الرقص وغير ذلك.

الصحافة والإعلام
بعد إن كان كل قاطع يصدر صحيفة خاصة به، حاولت القيادة ان توحد الصحافة مركزيا، بعد ان الغت بعض الاصدارات الفرعية. كان المركز الرئيسي لصحافة الحزب في بشتاشان ثم إنتقل بعدها الى لولان (مقراتنا المنتشرة)، حيث صدرت صحيفة طريق الشعب ونهج الأنصار وريكاي كردستان والأخيرة ناطقة باسم اقليم كردستان (صدر العدد الاول في اواسط كانون الثاني 1980 للسنة 34 وهي معبرة عن وجدان الشعب الكردي وطموحاته القوميه العادلة). وضم المركز الإعلامي للحزب خيرة الكتاب والصحفيين والمثقفين إضافة الى العاملين الفنيين من الأنصار ومنهم (عبد الرزاق الصافي و مهدي عبد الكريم و كاظم حبيب و رضا الظاهر ومفيد الجزائري وفالح عبد الجبار وزهير الجزائري ويحيى علوان ومهدي عبد الكريم وداود امين وافه فراسياو شاويس واحمد رجب وجلال الدباغ وا ستيرا وأبو قيس وريواس احمد ورجاء الزنبوري وصديق شاويس ودلزار وتحسين محمد خليل و دلشاد ورفيق صابر ونجيب بويا وشلير و جاسم المذيع وحسن بلبل وعلاء المخابر وابو دجلة وأبو سهيل وبان سيد باقي وأبو اراس وأبو ليث وأم ليث وغيرهم). كانت الصحف تصدر شهريا، إضافة الى البيانات والنشريات المختلفة وأخبار النشاطات الجماهيرية ومقاومة الدكتاتورية.
كما صدرت جريدة (النصير) وهي خاصة في منطقة بهدينان وكانت تطبع بحوالي 500 نسخة وتصدر بثمان صفحات وتعنى بسياسة الحزب والنشاطات العسكرية وحياة الأنصار وشؤون عربية ودولية والصفحة الثقافية وغيرها.
ويكتب النصير إبراهيم إسماعيل عن هذه الجريدة فيقول:
" تبلورت فكرة إصدار جريدة النصير الشهرية في أواخر عام 1980، ولكنها صدرت لأول مرة في ربيع 1981، بعد إن نجح الرفاق القادمون من الخارج في جلب آلة كاتبة صغيرة. والى جانب الرفيقين لطفي حاتم (أبو هندرين) والراحل أنور طة (أبو عادل)، المشرفين على الجريدة، عمل فيها الأنصار علي الصراف وقاسم الساعدي وأنا. وبعد ذلك إلتحق بالعمل في الجريدة الأنصار مصطفى ياسين و داود أمين وعلي محمد وجمعة هاشم. والى جانب النصير أصدرت هيئة التحرير التي كانت في نفس الوقت مكتبا صحفياً لمراسلة الإعلام المركزي، ملاحقاً عديدة منها مثلاً ثلاثة كتب للدكتور كاظم حبيب وكراس بإثنتي عشر مرثية لشهداء القاعدة، كتبته أنا وصممته النصيرة يسار، وكان سبباً في إرتباطنا لاحقاً. كما ساعدت الحركة الأشورية في إصدار جريدتها (بهرا أي النور) وغير ذلك".
وعن المشاكل التي واجهها الرفاق وهم يصدرون الجريدة، يقول الرفيق أبو دجلة:
"المشاكل عديدة، عدم الإستقرار بسبب طبيعة العمل الأنصاري، غياب المستلزمات كالورق والحبر وغيرها، عطل الأجهزة. لقد إنكسر حرف الألف في الطابعة وبقيتُ لأكثر من سنتين أطبع النص على الورق الشمعي (الستينسل) ثم أضيف حرف الألف بالقلم وأحفره على الستينسل برأس دبوس، صاباً جام غضبي على هذا الحرف الذي هو أكثر الحروف إستخداما في اللغة العربية. ومن المشاكل أيضا عدم قناعة بعض الرفاق بعملنا معتبرين الإعلام والثقافة ضرباً من الترف في ظروف الحركة الأنصارية، أو التقاطع بين من أرادها منشوراً تحريضياً مباشراً وبين من أراد أن يكون التحريض بلغة جذابة".
ومن الطرائف التي يريها الرفيق في حكايته عن هذا النشاط:
" كان عدد الأوراق الشمعية المخصصة لكل عدد من النصير محدوداً، أي لم تكن هناك أية فرصة للخطأ، والاّ تعذر صدور الجريدة. كان مانشيت العدد، إبان الإقتتال المؤسف بين فصائل الحركة التحررية الكردية يقول (فليتوقف إقتتال الأخوة)، وفيما كان المصمم الفنان أبو عراق يخط المانشيت، كنا نتناقش حول إحتفال بأحد الأعياد علينا الإعداد له، فكتب العزيز أبو عراق كلمة إحتفال بدل إقتتال، وفيما لم يتوقف إقتتال الأخوة تحول إحتفالنا الى حزن بخسارة عدد نوعي. من الطرائف أيضاً صدور مادة بعنوان صوفي الذي قرمناه بدل حررناه، لأننا طلبنا لمرات عديدة من كاتبه النصير أبو نهران تقريم المادة، فرد علينا غاضباً (هاذا ما راح يصير صوفي الذي حررناه راح يصير الذي قرمناه)، فاخطأت وطبعت العنوان كما في المزحة التي أطلقها أبو نهران، ودفعت الثمن".
وفي قاطع السليمانية صدرت جريدة (ئالاي بيشمه مركة / راية الأنصار) وكانت تطبع بـ 800 نسخة وتوزع في السليمانية وأحيانا ترسل الى بغداد وكركوك والمحافظات الأخرى إضافة الى البوسترات والنشريات الدورية والشهرية، وهي ايضا تغطي نشاطات قاطع السليمانية.
كانت تتم توزيع ادبيات ونشريات الحزب على أبناء المنطقة وأحيانا على السيارات القادمة من المدن من خلال القيام بكمائن معينة وتوزيع النشريات في الجامعات والمدارس والمعاهد وغيرها.
نشرت صحافة الحزب إضافة الى العمليات العسكرية، نشاطات الطلبة والمرأة خارج وداخل العراق معتمدة على إصدارتهما (كفاح الطلبة ونضال المرأة).
كما تم إصدار عدة اعداد من نشرة الاعلام التي يصدرها مكتب الاعلام المركزي والتي تتضمن اوضاع الاقتصاد في العراق والجوانب الاجتماعية وأسماء الجلادين العاملين في اجهزة الامن والمخابرات الذين تلطخت ايديهم في قتل وتعذيب المواطنين واعضاء وأصدقاء الحزب، وذلك (لكي لا يفلتوا من العقاب).
كما قامت صحافتنا بحملات تضامن لإطلاق سراح الرفاق المعتقلين والمغيبين وبشكل خاص الرفيقة عائدة ياسين عضو اللجنة المركزية للحزب و الرفيق صفاء الحافظ عضو رئاسة مجلس السلم العالمي وصاحب امتياز الثقافة الجديدة والرفيق صباح الدره الاستاذ والكاتب الاقتصادي.
وإهتمت صحافة الحزب بمختلف القضايا الدولية والعربية والمحلية وخاصة نشاطات الأحزاب الشيوعية. ونشرت صور شهداء الحزب، والرسوم والكاريكاتيرات التحريضية والمعبرة عن الاوضاع الصعبة التي عاشتها بلادنا على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.
كما كانت تصدر نشرة (مناضل الحزب)، النشرة الداخلية الدورية الخاصة بأعضاء الحزب، والتي تعالج حياة الحزب الداخلية.
وبعد خروج الحزب واعضائه من العراق، صدر العدد الاول في ايلول 1982 للسنة 26، وتحت شعار قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية، وإعتنت هذه النشــرة بســبل تطبيق
قرارات الحزب وزيادة المعرفة التنظيمية والفكرية .
وقام الإعلام المركزي بتكثير العديد من المطبوعات مثل كتابات الرفيق المؤسس فهد، الإنتفاضة المسلحة، تجارب الكفاح المسلح، البلاشفة والقوات المسلحة في الثورات الروسية الثلاث، اساليب وطرق العمل الحزبي في الجيش، الموقف الثوري من القوات المسلحة في مرحلتي الثورة الديمقراطية والثورة الإشتراكية، وغيرها من الموضوعات المفيدة للعمل الأنصاري العسكري والسياسي والتنظيمي. وقام كذلك بطبع البيانات والبرقيات والنشريات المختلفة، وذلك كله لتطوير امكانيات الرفاق الأنصار وخاصة الاعضاء والمرشحين.
اما تطور الاعلام فقد وصلت اذاعة (المحروسة) من الخارج من سوريا وعن طريق بهدينان (النصير ابو خالد ومجموعة من الأنصار)، ونقلت الحمولة بواسطة البغال، حيث قامت مجموعة من الأنصار بإيصالها خلال اسبوع تقريبا مشيا على الأقدام. ويكتب لي النصير حميد الموسوي (ابو مازن- او ابونغم ) رسالة يتحدث فيها عن جلب الاذاعة فيقول:
(في الربع الأول من سنة 1981 كلفت بقيادة مفرزة مكونة من مجموعة تضم أكثر من عشرين رفيقا وكان من ضمن هؤلاء رفاق ملتحقون جدد علينا إيصالهم الى مقراتنا في هيركي وكوسته، وكذلك مجموعة من الأسلحة. وأبلغني الرفيق الراحل توما توماس وهو القائد العسكري لقاطع بهدينان وهو يكلفني بأن شيئاً ثميناً جدا سيرسله الحزب مع هذه المجموعة. ولم يكن يعلم أحد بهذا الشئ سوى الذين أوصلوا المفرزة وهم مفررة الطريق وسوف يكون معي رفيق واحد منهم هو الرفيق أبو وسن. المهمة صعبة وتستوجب الحيطة والحذر إنها أول إذاعة تصل من الخارج الى الحزب. كان معنا أيضا الرفيق الشهيد أبو كريم وكذلك الرفيق أبو تحسين. وقد رافقاني قبلها في بعض المفارز لكي يتدربوا على هذا الطريق الرابط بين بهدنيان وهيركي وكوسته إضافة الى اكتسابهم الخبرة في شد البغال. لقد قمت بتكليف أبو تحسين في قيادة البغل الذي يحمل جهاز الإذاعة. وتعرضت المفرزة الى ظروف جوية صعبة تخللها ضباب كثيف وأمطار إضافة الى الظلام الدامس مما تسببت بفقداننا أثر الطريق، مما أدى بالرفيق أبو تحسين أن يضغط على البغل بالصعود بالقوة الى القمة، والمعروف لدينا إذا فقدت الطريق لا تضغط ولا تستمر بضرب البغل لأنه لا يسير بالطريق الخطأ..! وفعلا أنتحر البغل ورمى بنفسه مع الجهاز من منتصف القمة الى القاع ليموت. ولما كنا أنا والرفيق أبو وسن فقط نعرف ما يحمله هذا البغل فقد صعقتنا الحيرة. على أية حال نزلت مع مجموعة من الرفاق لمتابعة البغل وجدناه فارق الحياة منتحرا!!!! قمنا بفك الحبال وصعدنا بالجهاز الى القمة، قررنا المبيت في نفس المكان الى الصباح الى أن يتضح لنا الطريق وفعلا عرفنا الطريق في الصباح الباكر واستأجرنا بغلا أخر من قرية أروش القريبة منا وانطلقنا الى هدفنا. لم يهدأ لي بال، وكذلك بعض الرفاق وهم قلة الذين عرفوا بأن البغل الذي انتحر كان يحمل إذاعة الحزب، الى أن وصلنا الى مقر هيركي حيث قمت مع الرفيق أبو وسن بفتح الصندوق الذي في داخله الإذاعة وقد شاهدنا المفاجئة أن الإذاعة سليمة ولم يمسها شئ وذلك بفضل الإحتياطات اللازمة التي اتخذها المصّدر لمثل هذه الظروف. لقد تعاون الرفاق على حمل الإذاعة من الوادي الى القمة وبذلوا جهودا غير طبيعية. كانت مجموعة من الرفاق الشجعان الأوفياء لمبادئهم وقيمهم.. وهم في قمة الوفاء للتضحية في سبيل سعادة شعبهم. ثم جاء رفاق من منطقة سوران / ناوزنك (مام اسكندر ومجموعة من الأنصار) للمساعدة على ايصالها لأنها غالية لنا جميعا، وهي الإعلام المضاد للنظام وهي القوة السمعية التي تبشر بخير العراق ، وكانت قوة كبيرة لدعم نضالنا ضد النظام الدكتاتوري).
نقلت الإذاعة الى اكثر من مكان مع تنقل قوات الأنصار (بولي ونوكان وبيتوشه ومقر لولان)، وبعد مأساة بشتاشان، سعى الحزب ان يحصل على إذاعة اخرى. وبالفعل حصل عليها وكانت هذه المرة عن طريق طهران، وبالذات السفارة السورية هناك، وقد استلمها الرفيق كامل كرم (ابو علاء). اصبحت هذه الإذاعة موجها للتنظيم ومحفزا للرفاق في النشاط والعمل الثوري، كما حدث ابان الانتفاضات في كردستان (اعوام 1982 و1984 و1987). كانت ملهما لنا نحن الأنصار ومصدرا لتعبئة وتحريض وتحريك الجماهير عامة. وقد كانت تقدم نشرات الأخبار عن نشاطات الأنصار التي تصلهم من كافة المدن والقصبات ومن التنظيم المدني المستقل عمليا عن التنظيم الأنصاري، وكذلك بيانات الحزب التي تأتي من قيادته اي اللجنة المركزية والمكتب العسكري (موعم)، كما تضمنت برامجها اخبار ثقافية عامة محلية وعربية ودولية.
بدأت الإذاعة رسميا بالعمل مع احتفالات العيد السابع والأربعين للحزب اي في عام 1981، حيث احتفلت اكثر قواطع الأنصار بهذا العيد، وأكثر الأنصار كان لهم موعد مع انطلاقة إذاعة الحزب. ونحن كان احتفالنا في تشكيل سرية 47 حيث احتفلنا في ذكرى تأسيس الحزب مع الإذاعة ومع صوت الحزب الذي إنطلق مدوياً يقول:
اذاعة صوت الشعب العراقي، صوت العمال والفلاحين والكادحين والجنود والمثقفين الثوريين. صوت الأنصار والبيشمركه البواسل، صوت الجبهة الوطنية الديمقراطية، صوت النضال من اجل اسقاط الحكم الدكتاتوري الفاشي وقيام حكومة وطنية ديمقراطية تنهي الحرب وتحقق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان.
كان الاحتفال بعيد الحزب هذه المرة مختلفاً حيث إرتبط بإنطلاق صوت الحزب، الذي كان يسمع في البداية في المنطقة فقط، ثم صار يسمع في الوسط والجنوب رغم التشويش الكبير الذي كانت أجهزة السلطة تمارسه ضده، وذلك بفضل رفاقنا الأنصار من مهندسين وإعلاميين الذين حاولوا بطرقهم تجاوز هذه الاشكالات. كانت الاذاعة تبث في اللغة العربية والكردية ومن المذيعين الأنصار مفيد الجزائري وأبو شاكر وجاسم واستيرا. وقد وجه الحزب التحية للإذاعة واصفاً أياها بأصوات الحزب الهادرة:
إن اذاعة الحزب (صوت الشعب العراقي)، اداة اعلامية نضالية هامة في عملنا، خاصة وهي اداة تعبوية وتنظيمية للحزب، وتؤدي الى توجيه رفاق الحزب من خلال المعلومات والأخبار.
وأكد الحزب على مجموعة من التوجيهات الى رفاق الحزب فيما يخص الإذاعة:
- الاستماع اليومي لبرامج الاذاعة، كواجب حزبي وتشجيع الجماهير على متابعتها.
- الدعاية للإذاعة، كي تسمعها الجماهير شفاها، من خلال توزيع قصاصات بين الجماهير تتضمن مواعيد بثها وموجتها الاذاعية القصيرة.
- تزويد الإعلام المركزي بالمعلومات المختلفة عن اوضاع الجماهير ووضع الطبقة العاملة والأوضاع السائدة في المعامل الانتاجية ووضع الفلاحين ومشاكلهم.
- دعوة الكتاب وذوي الإمكانيات للمساهمة في تحرير مواد الإذاعة وحسب اختصاصاتهم.
- استنساخ بعض المواد المذاعة التي ترونها ضرورية.
- تشخيص رفاق اكفاء للعمل في الاذاعة كمذيعين جيدين او محررين ومعدي برامج.
لقد شعرنا بأحاسيس جياشة بعد ان استمعنا الى إذاعة حزبنا، وقد عبرنا عن ذلك بالحفل الذي اقمناه من الرقص والغناء، واجد من المناسب قرأءة ما كتبه النصير امير امين (ابو سعد ) في موقع ينابيع العراق الصفحة الالكترونية للأنصار وهو خير ما نقل عن هذا الحدث الفريد بالنسبة لنا.
اكتسبت الحياة الأنصارية في يوم مملوء بالمهمات والأعمال اليومية الامل والحياة، اما اوقات الفراغ فيقوم الأنصار في القراءة والتسلية خاصة الشطرنج ولعبة الورق (الكنستر)، وحديث الذكريات الكثير والكثير جدا، حديث الاهل وذكريات المدينة وتصرفات البعثيين في المنطقة والمدرسة والجامعة والعلاقات مع الطلاب والطالبات، والعمل الحزبي والتنظيمي فيهما وشهداء الحزب في زمن النظام السابق . ولم يكن الحديث عن المسرح والأدب والفن وأمور اخرى من ذكريات بغداد بعيدا.
اما الجوانب الثقافية الاخرى، فقد اصدرت جميع القواطع مجلات ونشرات خاصة بها، حيث قام الأنصار المهتمون، بتشكيل لجان خاصة لغرض العمل على تفعيل الجانب الثقافي بين الأنصار من خلال دعوتهم للكتابة او من خلال اللقاءات او ما يكتبونه وينشر في هذه النشرات او المجلات، ولهذا كان هناك العديد من هذه الاصدارات، والتي اكثرها كانت مكتوبة باليد وفيما بعد، طبعت على الالة الكاتبة، والتي تخللتها الرسوم الكاريكاتيرية والمقالة والقصة والشعر والتخطيطات والخاطرة والذكرى ...الخ. وكانت باللغة العربية والكردية، البعض من هذه النشرات لم يستمر بالصدور، وصدرت منها اعداد قليلة وتوقفت بسبب الظروف المادية او الأمنية او عدم توفر المواد الاولية والقرطاسية وصعوبة الحصول عليها. ومن هذه النشرات أذكر: الأممي، الإنتفاضة، الانطلاقة، الجبل الأبيض، الخابور، الخطوة، الرماة، النجمة الحمراء، الشراع، الدليل، الشعاع، صوت الأنصار، فجر النصير قنديل، المسيرة، النصير الثقافي ..الخ.
كما اصدرت المفارز العديد من هذه المجلات الجميلة برغم ظروفهم الصعبة في التنقل، وبرزت العديد من الكفاءات والطاقات والمقدرات والمهارات عند هؤلاء الأنصار في هذه المجلات الجوالة، التي كانت على بساطتها تحمل قيمة معنوية، تجعل موادها موضعا للنقاش، خاصة عندما تأتي مناســـبة عيد
الحزب او عيد المرأة او تموز وغيرها.
لقد حمل النصير الكتاب في (عليجته) وبعض الاوراق والقلم بيد والبندقية بيد اخرى وساهموا في النشاط الثقافي وفي تطوير الوعي والمعرفة لهم والناس الذين يلتقوهم في مناطق كردستان. ولعل من اسوء الظروف التي تمر على المركز الاعلامي او الاعلام بصورة عامة هو التنقل من مكان الى اخر، حيث مقرات الأنصار الغير ثابتة، وهذه القضية كان يتحملها الأنصار في المقرات وفي جميع القواطع، حيث ألة الطباعة والورق ومولدات الكهرباء والإذاعة والحبر والكثير من الاشياء التي يحتاجها الإعلام.
تم تجميع عدد من الكتاب والفنانين والصحفيين لتشكيل رابطة باسمهم، وضمت اللجنة مجموعة من الإمكانيات والإبداعات المختلفة وحتى الأنصار من المبدعين الاكراد والتركمان والكلدواشور، وهكذا انطلقت رابطة الكتاب والصحفيين والفنانيين الديمقراطيين العراقيين بعقد مؤتمرها التأسيسي.
لقد قدم الأنصار خاصة من هم من ذوي الاختصاصات، العديد من الندوات والمحاضرات في الادب بصورة عامة (خاصة الشعر والقصة) وفي الفكر والتجارب الكفاحية، إضافة الى الموقف من الحرب العراقية الايرانية ونضال القوى الوطنية في العالم وتجاربها المختلفة. وقد أقام الأنصار ايضا بندوات سياسية للجمهور في القرى. كانت القراءة الذاتية احد مصادر المعرفة والمعلومة على ندرتها، ولكنها كانت في اطار تطوير امكانيات الأنصار حيث كان كل نصير يحمل كتابا ما.
لقد تحولت قصيدة الشاعر (كاظم اسماعيل كاطع) والتي القيت في عام 1975 الى اغنية جميلة رددها الأنصار دوماً وهي تقول:
(ياجبال كوردستان يامحبوبة ،
لمن رجفتي من البرد غطاج ابونه ابثوبه،
كل ليلة دمنا الدافي
يوكع على الثلج ويطفي كل اذنوبه).
يقول النصير أبو سوزان:
(ولإصدار هذه الصحف البسيطة كانت هناك لجان تحرير وخطاطون ورسامون يعفّون مؤقتا عن أداء بعض الواجبات اليومية أثناء كتابة المجلة وحتى صدورها، وعندما لا يكون هناك مجال للتفرغ بسبب كثرة مشاغل الفصيل وقلة العدد، يسهر المكلفون بالكتابة لانجاز النسخة على ضوء الفوانيس النفطية ليلا بعد إنجاز مهامهم اليومية. كانت في الواقع عملية اعداد هذه الصحف رغم بدائيتها ممتعة لكل العاملين بها على حد سواء).
اما على صعيد المسرح، فقد شكلت فرق فنية لغرض توعيه الأنصار ببعض المفاهيم كالإستغلال والدكتاتورية والمسائل التاريخية والنضال الثوري..الخ. (راجع كتابنا من تاريخ الكفاح المسلح لأنصار الحزب الشيوعي العراقي).
(كما نشطت الفرق الفنية والمسرحية، في بهدينان وسوران، حيث تحولت غرف النوم وسطوحها الى منتديات وقاعات عرض فني ومسرحي. اذ واصل النصير المقاتل، الشاعر، الكاتب، المغني، الممثل، المخرج، الرسام، إسهاماته وابداعه. قصائد جديدة، قصص وكتابات عن التجربة الجديدة، اغان جديدة، مسرحيات، مشاريع عديدة اخرى. اعداد وتأليف، ابداع وتطوير، طاقات متمرسة وأخرى ابتدأت من هناك. اسماء معروفة وأخرى جديدة، واعدة. مواهب متدربة وأخرى تفتحت مع حمل البندقية لأول مرة، فأشرقت وأضاءت. وتحولت هذه النشاطات والفعاليات والإسهامات الى امكانات جديدة، إيجابية لها مردوداتها المعنوية في ذلك الخضم الجديد. وصارت اخبارها تتناقل على السنة الناس، قبل الأنصار في المواقع المختلفة، والمحطات المتعددة. خاصة حينما نزلت هذه الفعاليات الى الجماهير. بعد ان كانت بين الفصائل والمفارز. وقد اشتركت جماهير المناطق التي كان يجوبها الأنصار في هذه الفعاليات، وحضرت احتفالات الأنصار شاهدت، وسمعت نشاطاتهم وفعالياتهم المتنوعة، المتعددة.
وتتطور الحركة بوتائر طردية، ويتسع المجال وتضيق الوسيلة. فيتم التنظيم والتنسيق والبرمجة. اللجنة التحضيرية واللجان الحزبية للفصائل ومكتب الاعلام والعسكري يخططون لبرامج شهرية وفصلية. برامج متنوعة تشمل كل مجالات الثقافة والإعلام... وحتى التدريب العسكري.
وقد احتوى برنامج لجنة الادب على مشروع اصدار مجلة دورية، إضافة الى المحاضرات الثقافية العامة، وكذلك الاحتفال بذكرى تأسيس رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين. كما شمل برنامج لجنة المسرح على اخراج عدد جديد من المسرحيات التي اتفق عليها. وقد قامت اللجنة بعدة مشاريع .
اما لجنة السينما، فقد هيأت نفسها لاستكمال ما كانت قد أنجزته وكانت منجزة عدة أفلام منها فيلم عن دخول انصار الى الوطن، وآخر عن تدريب الأنصار وثالث عن نشاط النصيرات الباسلات، ورابع عن مهام فصيل الإعلام وخامس عن عملية هجوم على ربيئة، وفي برنامجها ارشفة نشاط فصائل الأنصار وشراء كاميرات جديدة 16 ملم، وأفلام ومشاريع غير قليلة.
اما الفرقة الفنية فقد طرحت مشاريع تلحين اغان ثورية جديدة، وتدربت على اغان مغناة. ورسم برنامجها الاستعداد لتحضير احتفالات عن الحزب وأيار. والتشكيل اعد "سكيجات" بوسترات متنوعة، كبيرة الحجم كخلفية لمسرح الاحتفال، وبوسترات صغيرة للطبع بكميات كبيرة وتوزيعها.
كلها تشكل جزء عزيزا من الارث الثقافي والعلمي لشعبنا ولمثقفينا وواحدة من مفاخرنا، لأنها وضعت في موقع القتال والمعايشة- من كتابات كاظم الموسوي في موقع ينابيع العراق الالكتروني).
لقد شكلت فرق مسرحية في القواطع، وإسندت اليها مهمات تنشيط العمل الفني. واصدر الفنانون المسرحيون بيانات بمناسبة يوم المسرح العالمي، كما أحيوا ذكرى شهداء المسرح من الفنانين الذين استشهدوا تحت التعذيب. ومن ابرز الذين اخرجوا المسرحيات ومثلوا فيها او في غيرها الرفاق معتصم عبد الكريم وأخته نضال عبد الكريم وأبو صبا، سوران، ابو يحيى، ابو واثق، ابو ليث، ابو النور، سركون وأبو اروى، ومن الذين قدموا هذه المسرحيات العديدة في المنطقتين إضافة الى مساهمة المخرجين فيها أيضا ام بسيم، إيمان، ابو سامر، ابو الفوز ، أبو داود، آشتي، سميرة، سمير، ابو الصوف، ابو شاكر، ام ليث، وغيرهم من الهواة الرائعين.
وهناك من الفنانين من ساهم في معارض للفن التشكيلي مثل قاسم الساعدي ومهند وأبو بسام وفائز وأبو الحق وغيرهم.