مدارات

الانفصام !/ محمد عبد الرحمن

ما يحصل من قتل يومي في مدن العراق المختلفة، وضعف التصدي للارهاب وعملياته المتزايدة، والخلل الواضح في أداء الأجهزة الأمنية لأسباب عدة، واستمرار حالة الاستعصاء السياسي، وانعكاساته السيئة على مناحي الحياة المختلفة، واللجوء الى السلاح المقيت؛ التأجيج الطائفي، وانسداد الأفق لحلول قريبة، مضافا لها الأوضاع المعيشية الصعبة لشرائح واسعة من السكان، وضعف الخدمات وترديها، كل هذا وغيره يثير قلق المواطنين، ويقودهم الى حالة انعدام الثقة بينهم وبين الدولة ومؤسساتها المختلفة، ويدخل الريبة والشك في أي إجراء تقوم به، وهم في ذلك محقون.
فطيلة السنوات الماضية وحيث وجوه الحكام المتنفذين لم تتبدل كثيرا،وان حصل هذا، فمنهج الادارة والتفكير يغرف من ذات الأسّ الخاطئ الذي قادنا الى ما نحن عليه من اوضاع لا يحسدنا عليها احد، في وقت تتوفر فيه كل المستلزمات والمقومات ليكون بلدنا في مواقع اخرى مختلفة تماما.
ولعل ما يزيد من حالة قلق المواطنين هو هذا الانفصام الجلي والواضح بين الاقوال والافعال، بين التصريح والممارسة،بين المواقف المعلنة وتجسيدها على ارض الواقع، أنها الصورة المكافيلية للتعاطي مع السياسة، ولربما في صورتها الأسوأ على الاطلاق. انه الانفصال الذي قد يقترب من درجة الشمولية بين الاخلاق والسياسة. وعبر هذا يتجسد بشكل عملي وأمام مرأى ومسمع الناس ، تقديم الأنا والنفوذ والسلطة والتدافع الشرس لاحتلال الموقع على ما هو عام يخص البلد وأهله.
وكلما تعمقت درجة الانفصام والانفصال المذكورتين أعلاه، فلا غرابة عندها أن نشهد المزيد من الفوضى على كل الصعد، وارتكاب مزيد من الحماقات، ولا بأس حتى إن جرى ذلك على وفق القانون وضوابطه، بل سيحرص المعنيون على درج تلك الحماقات في سياقاته،طالما، للأسف الشديد، أصبحت العديد من مواقف المؤسسات التي يفترض بها ان تسهر على حماية القانون وتحرص على تطبيقه، طوع بنان السلاطين الحكام.
وهنا حقاً مشكلة المشاكل حيث من الطبيعي والمتعارف عليه، وخصوصا في البلدان التي تقول بانها تسير على طريق البناء الديمقراطي ان لا سلطة فوق القانون، ولكن عندنا، ومنذ وقت غدت السلطة فوق القانون، بل هي بكل الوسائل والطرق تسخره لها، وفي هذا إضعاف للقانون ومؤسساته، وللسلطات التشريعية، مما يحول بينها وبين اداء دوريها الرقابي والتشريعي. ومن هنا جاء هذا الشلل الكبير في اداء مؤسسة البرلمان.
وبالطبع فهذا لن يقود الى بناء الديمقراطية الحقة، رغم الادعاء بها والاكثار من الحديث عنها حد التغزل بها، حتى من أناس لم ينطقوا بها ربما طيلة حياتهم، ولا الى بناء دولة المؤسسات والقانون. ولن تُعالَج الأزمة الطاحنة التي تعصف ببلدنا، مهما تعددت الدعوات وأقيمت العزائم العامرة وجرى تبادل القبلات و"تبويس" اللحى!