مدارات

أيام مفعمة بالحب والأمل ..(19) والاخيرة/ فيصل الفؤادي

لقاءات مع أنصار عاشوا التجربة
النصير خليل عبد كاطع (جلال) / السرية الثالثة الفوج الثالث/ قاطع بهدنان
بعد الهجمة الشرسة من قبل النظام على الحزب، تعرضت وفي عام 1981 مثل بقية رفاق الحزب الى ملاحقة النظام وزبانيته، وقبلها تم اعتقال اخي الكبير جليل (استشهد عام 1983 حيث تمت معرفة ذلك من خلال قوائم المعدومين بعد سقوط النظام). وقد اختفيت عن منطقتي (مدينة الثورة)، وإنتقلت الى منطقة خلف السدة في منطقة (المعامل) معامل الطابوق حيث لدي اقارب هناك.
بالصدفة تعرفت على سائق تاكسي هو سعيد العجلاني وهو ملحن اغنية (ماندل دلوني)، وبعد ان اطمأن لي وعرف وضعي إشتكى لي من طرده من الاذاعة لانه غنى اغنية لعبد الكريم قاسم قائد ثورة تموز 1958، وتحدث عن كيفية قيام النظام وجلاوزته بأجبار الطلبة على الانتماء الى الإتحاد الوطني البعثي ومنهن بناته اللواتي رفضن الانتماء، وكنت اجلب له كاسيتات للفنان فؤاد سالم حيث كانت ممنوعة في العراق. كانت المعاناة رهيبة! في احد الايام وانا اسير في منتصف الليل ومتوجه الى اقربائي في منطقة المعامل، حاصرتني الكلاب وخضت معهم معركة حامية بقطعة حديد كنت أحملها معي.
كانت تصلنا جريدة طريق الشعب ومنشورات الحزب، على الورق البافرة (الخفيف)، واعتقد عن طريق لبنان، وكنا نوزعها على الاصدقاء، وكذلك نوزعها على البيوت البعثية بعد وضعها في علبة الكبريت. وفي احد الايام قمنا وبالتعاون مع حزب الدعوة بوضع نشرياتنا سوية في بيت والد وزير التجارة (حسن على العامري)، كما قمنا بعدة عمليات مشتركة ومنها محاولة اغتيال احد البعثيين المتنفذين ولم تنجح العملية .
إنتقلت للعمل في محافظة الأنبار ومدينة سامراء والمناطق المجاورة لها، حيث عملت في البناء وكنت أضع الإسمنت على الجدران، وعملت صباغاً للجدران الداخلية للغرف، وبقيت اتنقل من مكان الى اخر، احسست بأنني غريب في هذا الوطن ولايوجد لي مكان التجأ اليه، وبوضع نفسي سيئ للغاية فإصبت بإسهال شبه دائم وتهيج مستمر في الاثني عشري وبقيت انزف الدم. وبعد ان راجعت احد الأطباء وفحصني قال لي انك تعيش وضع نفسي سيئ، وقلت لنفسي يجب ان انهي هذه الحالة. وبعد ذلك طلبت من التنظيم ايصالي الى كردستان بأي طريقة كانت، وبالفعل جئت الى الموصل ثم الى دهوك وبعد ذلك وصلت الى احدى مفارزنا فرحبوا بي وكان ذلك في عام 1982. عندها توقف الإسهال والنزيف وشعرت بالراحة. كنت انزوي وقتا لأبكي وأنا مرتاح جدا، حيث عانيت معاناة كبيرة من اجل الحفاظ على شرف الإنتماء للحزب.
عندما التحقت، جرى تحقيق معي وشرحت لرفاق لجنة التحقيق ولقيادة الحزب خيوط العمل التنظيمي، وذكرت لهم ان رفاقنا ينتظرون السلاح ولكن ليس لديهم الإمكانيات المادية، وللاسف استشهد بعض هؤلاء حيث تم اللقاء القبض عليهم واعدموا. ولاحقا كنت احد انصار السرية الثالثة التابعة للفوج الثالث لقاطع بهدينان. وقد اشتركت بكثير من العمليات مع رفاقي الأنصار الاخرين وفي مفرزة الطريق لنقل السلاح والبريد والأمور الاخرى، وكلفت بمهمات عديدة. وخرجنا في نهاية عام 1988 ثم رجعنا الى كردستان في عام 1991 بعد الإنتفاضة التي قام بها شعبنا ضد النظام الدكتاتوري. من سلبيات عملنا الأنصاري ان الحزب كان اسير الأحزاب القومية الكردية، وقيادة العمل الأنصاري غير فعالة، كان الفكر اليميني في الحزب ذكي ومراوغ الى درجة كبيرة، اما اليسار في الحزب من الذين كانوا مؤمنين بشعار الكفاح المسلح واساليبه فكانوا مكافحين ومساكين، وقد إنعكس ذلك على القاعدة.
النصير صفاء / الفوج الاول / بهدينان
عندما ودعني ابي للمجيء الى كردستان عام 1987 قال لي، ابني اذا تقدر وتتحمل المسؤولية فأذهب وإذا لا تقدر فابق هنا في البيت في بغداد، وقلت يا ابي انا قادر على ذلك، ثم التحقت وعندما رأيت اخي ابو حياة وبقية الأنصار شعرت بالراحة والاطمئنان.
لقد اثرت علي حركة الأنصار بشكل كبير جدا حيث تعلمت الصبر والرجولة وأسلوب الحديث وتحملت المعاناة والمرض وخرجت من كردستان واشعر انني اديت واجبي برغم صغر سني عند الالتحاق. لقد أضافت لي حركة الأنصار ليس فقط الشجاعة وإنما تعلمت اسلوب الإدارة والأمور السياسية، وتعرفت على الحزب وقادته، والذين كانوا بالنسبة لي شيئا غير محدد. لقد عملتني حركة الأنصار القوة والإصرار وأضافت لي خبرة حياة جديدة، لو كنت في ظروف اخرى لما تعلمتها.
النصير فائز الحيدر (ابو سوزان) / اعلام بهدنان
لقد غادرت الوطن وحيداً مكرهاً نتيجة المطاردة والمعاناة كبقية الرفاق بسبب الهجمة على الحزب عام 1979 غادرت الوطن مثقلاً بآلام المفاصل والروماتزم التي لازمتني منذ مرحلة الشباب ولسنوات طويلة تاركاً خلفي زوجتي ورفيقتي أم سوزان وكنت حينها حديث العهد بالزواج. كنا نحلم بحياة سعيدة خارج الوطن ونعوض ما فاتنا وهذا ما يطمح به كل إنسان، ولكن بدلاً من ذلك شاءت الظروف ان نصل بلغاريا ومدرستها الحزبية ومنها الى عدن في جمهورية اليمن الديمقراطية. كانت الحياة تتعقد يوما بعد يوم ففي اليوم الثاني لوصولنا الى عدن نسبت الى مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة الصحراوية وبعد ثلاثة شهور ولعدم توفر الشغل المناسب لي عدت الى عدن ثانية، وفي عدن حصلت على عمل في وزارة الزراعة ومنها نسبت الى مزرعة الدولة في محافظة لحج حيث عانيت الكثير سواء من ناحية الفساد والسرقة أو من عدم توفر الصلاحيات أو المواصلات التي تنقلني الى مكان العمل وكان عليّ ان أركب الباص على حسابي الخاص كل يوم لأقطع مسافة خمسون كيلومتراً الى لحج ومن هناك عليّ السير مسافة أكثر من كيلومترين على الأقدام في الوديان وسط الأفاعي والكلاب المتوحشة لأصل الى المزرعة.. إستمر هذا العمل لاكثر من سنة ونصف ورغم الشكاوي التي قدمتها لم استطع تغير شيء.
في تلك الفترة التحقت بي أم سوزان وكان الحزب يروج بأن (النظام آيل للسقوط) ويرسل الرفاق الى كردستان لذا قررت تقديم الاستقالة من العمل طالبا العودة الى الوطن، بقيت على هذا الحال خمسة أشهر بدون راتب وأعيش على ما ادخرته من عملي السابق حيت بدأت الدورات العسكرية ودخلت بها لمدة تجاوزت الشهر . كنت اعاني من آلام المفاصل المزمنة والتي اثرت على حركتي كلياً خلال الدورة وما بعدها وكان الشهيد الرفيق الدكتور ابو ظفر يعالجني باستمرار.
بعد انتهاء الدورة بشهرين حصلت على عمل آخر وبشكل شخصي دون ان يبذل الرفاق اي جهد لمساعدتي وكان ذلك العمل في وزارة الثروة السمكية في عدن وكان العمل فيه مختلف عن عملي السابق حيث العلاقات الجيدة والتعاون والاحترام لذلك. قدمت الكثير من الانجازات فيما يخص التعاونيات السمكية وتطويرها ولكن عملي لم يستمر فبعد سنة ونصف بلغت بالسفر مع ام سوزان الى كردستان وكانت الدعوة مفاجئة لي، فالمنظمة تعلم جيدا بعدم صلاحيتي للذهاب لكردستان وبالرغم من اعادة توضيح الأمر لهم إلا ان الحال لم يحض باهتمامهم.
قدمت الإستقالة من العمل وقطعت أم سوزان دراستها وهي في الصف المنتهي من دار المعلمين وتوجهنا في بداية عام 1982 الى دمشق، وهناك اوضحت لهم أيضا بأن صحتي لاتلائم ظروف كردستان الجبلية. ووعدوني بدارسة الأمر ألا انه وبعد أيام أبلغت بالتوجه الى القامشلي، وهناك أبلغت الرفاق، وأبو محمود بالذات مجدداً دون جدوى، وأحسست أنهم يتوقعون اني متهرب من التوجه الى كردستان فرضخت للأمر الواقع.
أعتقد أن عملية التوجه الى كردستان كانت عملية غير مدروسة بشكل متكامل فهناك المئات من الرفاق تركوا عوائلهم وزوجاتهم وأطفالهم وعملهم وحتى المرضى ولبوا توجيهات الحزب مكرهين مما اثر على العلاقات العائلية والزوجية والدراسية وكان من المفترض ان يبقى الرفاق في أماكنهم خارج الوطن كرصيد للحزب دون دعوتهم للتوجه لكردستان. اما من كان في الوطن وتوجه ألى كردستان فيبقى في اماكن تواجده للدفاع عن النفس دون ان نشارك في العمليات العسكرية ضد قوة عسكرية هائلة تفوقنا عددا وعدة سواء مع النظام او مع الإتحاد الوطني والتي كلفتنا المئات من الشهداء الذين لا يمكن تعويضهم، وكانت تلك الأحداث السبب في ابتعاد الكثير من الرفاق الأنصار عن الحزب، وما تبقى منهم فهم اليوم يدفعون الكثير من الثمن في دول اللجوء سواءً بحياتهم العائلية أو الصحية او الاجتماعية او النفسية محمّلين الحزب سبب معاناتهم. لقد أضافت لنا تلك السنوات العديد من الأمور... فمن الأمور الأيجابية تعلمنا الصبر على الصعوبات والجلد على النفس، والطبخ والبحث عن وسائل العيش في ظروف مناخية مختلة، وتحمل الظروف الجوية القاسية، والدفاع عن الوطن وحدوده، والاختلاط مع الكثير من الرفاق وهم في مستويات مختلفة من العمر والثقافة والمستوى الحزبي والدراسي في مساحة ضيقة مما زاد من التجارب الشخصية. واخيراً الخدمة الرفاقية والتضحية بالذات من أجل الآخرين. أما السلبيات فهي انتشار ظاهرة المحسوبية والعشائرية والمناطقية والكذب والنفاق بين بعض الأنصار، الأمر الذي أثّر سلباً على أدائهم الحزبي ومبادئ الحزب، وعدم الاهتمام بطلبات الرفاق واستفساراتهم وأخذها على محمل الجد، وتبوء رفاق لمراكز حزبية غير مناسبة لهم بفعل العلاقات الشخصية مما أثر على العمل الحزبي، وتحميل وتكليف الرفيقات بمسؤوليات صعبة لا تتناسب معهن وأثرت على التركيبة الفسيولوجية والإنجاب لغاية الآن وعدم حل المشاكل بصرامة من قبل القيادة مما وفر جوا من ضعف الإلتزام في العمل الحزبي، وعدم وجدود الديمقراطية الحزبية كما نفهمها بشكلها الصحيح.
رغم الإمكانيات الشحيحة للإعلام في القواطع وصعوبة الحصول عليها فمهمة الإعلام كانت لا بأس بها وتتناسب مع الإمكانيات. وقد أدت جزءً من مهمة توعية الرأي العام في اماكن تواجد الجماهير، اذاعة الحزب والجرائد والمطبوعات ومعارض الرسم والمكتبات في القواطع ورغم قلة الكتب فيها فقد ساهمت في قتل وقت الفراغ لدى الأنصار وفي تثقيف النفس. وبالنسبة لقاطع بهدنان فقد قام الرفاق أبو نهران وأبو سعد وأبو هشام وأبو سوزان بتشكيل خلية نحل في العمل الأعلامي الناجح. أما في العمل اليومي والحياة الأنصارية فأعتقد ليس هناك اختلاف بين الرفاق فيما كتب عن تلك المرحلة وصعوبتها وسلبياتها وايجابياتها وفي تلك الظروف الصعبة.
25/8/2015
النصير عبد الرزاق محسن كاظم (ساطع- قاطع اربيل)
في ما يتعلق بموضوعة النضال والكفاح المسلح فبودي القول في البداية إن محاولة إستعادة المشاعر والاحاسيس التي كانت تملكتني في حينها، أمر صعب بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن، مع حصول العديد من المتغيرات التي بلا شك تركت أثرا كبيرا في نفسية كل واحد منا وربما خلقت حالات من الاحباط والجزع والقرف احيانا مما دار ويدور في عالم النفوس وفي العمل الحزبي والسياسي بشكل عام، لا بل وحتى على مستوى العلاقات الاجتماعية والرفاقية التي تفككت في بعضها ونخرتها ظروف الغربة ومزقت لحمتها الذاتية والانانية وجعلت البعض يتلذذ بالكذب والنفاق ويختلق ويلفق الاكاذيب بحق الاخرين للدرجة التي تشوهت فيها الحقائق ونفوس البعض وضاعت المصداقية وتقلصت الروح الحميمية التي كانت سائدة آنذاك .
أما كيف تعاملت شخصيا مع قرار الحزب والكفاح المسلح. ففي حقيقة الامر انني وجدت القرار هو قراري بالذات! نعم كان قراري الشخصي الذي راودني كثيرا قبل ان يكون قرار اللجنة المركزية للحزب. حيث كنت قد حاورت الكثير من الرفاق والاصدقاء في حينها على القيام بعمل مسلح ننتقم فيه من جلاوزة السلطة آنذاك. وبنفس الوقت نؤكد فيه على قوة وقدرة الحزب على الرد. ربما ستعتبر هذا الموقف مشابه الى موقف شهيد حزبنا ساسون دلال في اواخر الأربعينيات، موقف مغامر. لكنني في واقع الامر كنت مصّرا على الرد وبأي شكل كان لانني اعرف ان الشيوعيين صناع حقيقيون للبطولة والامجاد.
واترك لك ان تتخيل حينها الحماس والاندفاع والروح الثورية واللياقة البدنية العالية والطاقة والدماء التي تغلي في عروقي آنذاك وانا إبن العشرين سنة وابن لعائلة شيوعية عاشت المعاناة والالم على ايدي حثالات البعث وسلطته الدموية التي سلبت منا الكثير. لهذا كنت مندفعا للقيام بأي عمل عسكري مدروس وغير مغامر يعيد ربما التوازن الداخلي لي ولكل من تعذب على ايدي حثالات ازلام السلطة ومن طلبة الإتحاد اللاوطني، وربما للانتقام مِنْ كل مَنْ حرمني من مقاعد الدراسة التي كنت شغوفا بها، والانتقام من كل الذين سلبوا مني انسانيتي وحرموني من العديد من رفاقي واصدقاء عمري ومن مواصلة حياتي كانسان يطمح في ان يعيش بأمن وسلام ويخدم بلده وابناء شعبه ويحقق لهم العيش الكريم. لهذا فانني حينها وجدت القرار قراري الشخصي ليس عبثا او مغامرة وانما وجدته منسجما مع ذاتي ووجداني. اما كونه قرار حزبي فربما جاء كرد فعل متسرع ـ لم تنضج مستلزمات تنفيذه ـ على الفشل في تجربة التحالف الݘبحوي مع البعث، او ربما انه جاء جراء ضغط القاعدة الحزبية، المتضرر الاكبر والاكثر ثورية، على القيادة في تبني هكذا قرار، او ربما جاء القرار ملبيا للحاجة الملحة في ذلك الوقت من اجل لملة الصفوف واعادة البناء والمحافظة على كيان الحزب ومكانته التاريخية في الحياة السياسية لشعبنا العراقي . او ربما جاء القرار لاننا كحزب استنفذنا كل ادوات التفاهم سلميا وحضاريا مع البعث ولم يبق امامنا سوى الدفاع عن انفسنا وعن وجودنا السياسي ...الخ . وواقع الامر اجده حاليا قرار جاء حصيلة جمع هذه (الربمات) مع بعضها.
وبحكم حياة الإنضباط العسكرية التي كانت سائدة في بيتنا والتي تربيت عليها حيث كان والدي رئيس عرفاء في الجيش العراقي وسُرحَ من الخدمة فيه في اواخرعام 1969، فأنني في الواقع لم اشعر بتغيير حقيقي على نمط او اسلوب الحياة الجديدة في كردستان عندما التحقت بصفوف الأنصار، ربما فقط من باب الظروف المناخية وقساوة فصل الشتاء. اما امور العمل والإنضباط والسرية والتقييد الصارم بالتوجيهات فقد كانت هي السائدة في بيتنا بحكم حياة العسكرة التي نشأنا عليها ونحن صغار على يد الوالد المغفور له . اما من حيث السلاح فأن بيتنا لم يكن يخل يوما من قطعة سلاح او اكثر. وبحكم الفضول تعلمنا كيفية الإستخدام بإشراف الوالد وتوجيهاته الصارمة ومعتقداته التي يرانا فيها رجالا يجب ان نتعلم ذلك. لدرجة انني لم أشترك في اية دورة تدريبية على استخدام السلاح قبل او عند التحاقي بحركة الأنصار، واتذكر عندما سألني الرفيق العزيز ابو تحسين عام 1981 هل تعرف كيف تستخدم الكلاشنكوف؟ اجبته قائلا وبلهجة الواثق من نفسه هل تريد ان افصخها لك واعيد تركيبها؟ وفعلت ذلك امامه وعندما انهيت ذلك احتضنني الرفيق بكل حرارة وود وقال لي "ما ينخاف على الحزب مازال عنده هيچ شباب كلهم حماس واستعداد".
اما ما الذي أضافته لي سنوات الاختفاء والتجربة لاحقا، فانها بالحقيقة مدتني بالكثير من عوامل الصمود والاصرارعلى مواجهة مصاعب الحياة على المستوى الشخصي واكسبتني خبرة حياتية في عدة مجالات على الصعيد العملي. وساهمت في تطوير مستوى وعيي السياسي والتنظيمي والفكري، كما طورت من قدراتي العسكرية والقتالية حيث ان مشاركتي في العديد من المعارك الحقيقية كمعارك بشت آشان الاولى والثانية ومعركة هنارة وكويسنجق ونرَجين وخواكورك وجبل ظاهر، شذبت من روح الاندفاع العفوي والمتسرع عندي كما عززت عندي روح التعلم والتلمذة وصقلت مؤهلاتي المتواضعة في مختلف مجالات العمل .
اما العمل بالقرب من القيادة وصنّاع القرار فقد وفر لي فرصة الاطلاع على الكثير من الأمور وساهم في تطوير مداركي ومعارفي الفكرية والسياسية والتنظيمية، وبنفس الوقت ساهم في تهشيم تلك النظرة المقدسة والهالة التي كنا ننظر فيها الى القادة وكأنهم شخصيات مجبولة من طينة خاصة، لا بل تزعزعت الثقة بهم وانحسرت بشدة المكانة الخاصة بهم في نفوس الكثير من الرفاق. كما ان العمل بالقرب من مصدر القرار ساهم في تعزيز روح الجراة والنقد عندي وعند غيري من الرفاق .
اما عن الصعوبات فكما تعلم انها رافقت الحركة حتى من قبل لحظة انطلاقتها حيث لم تكن الظروف الذاتية والموضوعية مُهيئة ولو بنسبة بسيطة، لا على مستوى التخطيط البعيد ولا على مستوى التكتيكات التي جرى اعتمادها انذاك في ادارة العمل العسكري والسياسي والتنظيمي. كما رافقتها العديد من الثغرات والاخطاء والارباكات والخلافات والصراعات الداخلية العـقيمة والضارة والاثار السلبية لما سمي بإقتتال الاخوة. الامر الذي لم يُمَكِن الحركة من أن تتطور وتتحول الى حركة جماهيرية حقيقية رغم كل البطولات والمآثر التي سجلها الأنصار البواسل خلال سنوات العمل والكفاح المضن الذي خضناه معا، وبالرغم من كل تلك البسالة والتضحيات الجسيمة التي قدمت لكنها ظلت لصيقة بالجبل ولم تتمكن من التمدد نحو المدن والقصبات الا بحدود وبفترات متباينة. الا ان حركتنا الأنصارية تبقى ملحمة من ملاحم رفاق الحزب ونضالاتهم وصورة ناصعة في مسيرة الحزب اتسمت بالجهادية العالية وبنكران الذات اللامتناهي من قبل كل الذين ساهموا في صناعة هذا المجد والبطولة والعطاء دفاعا عن المُثل والقيم السامية ومن اجل قضية الشعب والوطن وكرامة الإنسان .
النصير خيري عواد(سعد) / قاطع السليمانية
قد لايسعني ان اتحدث بشكل دقيق كإبن لحظتها لان الموضوع يتجاوز الربع قرن. بدأت حركتنا الأنصارية حين التحق من الداخل وبالطرق والظروف المختلفة عدد من الرفاق هربا من المعاناة ومطاردة اجهزة المخابرات والاعتقالات المستمرة والضغط النفسي والخوف والمراقبة المستمرة واليومية. كما إلتحق من الخارج عدد كبير أخر. كان هؤلاء يقبلون ارض الوطن ويبكون وأقدامهم متورمة من صعاب الطريق الذي قطعوه، لما يحملونه من شوق وحب وحزن وامنيات لهذا الوطن.
كانت إنتقالة غير طبيعية وتحولا صعباً بشخصية وطبيعة وحياة الإنسان وخاصه الشباب. نعم ايامها كنت شابا في الثامنة عشرة من عمري، عندما قررت ان التحق بصفوف الأنصار.. كان كل شيء جميلاً حولي حيث الاهل والاصدقاء والعلاقات العاطفية.. الحياة كانت بمدنيتنا جميلة لم يكن فيها شيء اسمه التعقيد او الحزن.. كانت الحياة ممتعة بالموسيقى وجلسات الاستمتاع للشعر ومشاهدة الافلام السينمائية والرياضة والاصدقاء ومتابعة الاخبار السياسية، حياة إنسيابية ليس فيها شيء مخيف او مهدد او معقد او مجهول.
لم أكن قد شاهدت سلاحاً في حياتي ولم اسمع صوت اطلاقة الا في سينما الجمهورية، حينما كنا نشاهد الافلام ..في مقهانا كانت هناك اجواء من الفرح، حيث تجد المعلم والعامل والشاعر والطالب الجامعي والعربنجي والبناء والكببجي وووووو وكل فئات المجتمع.
التحقت بالجبل ومشيت لمدة ثلاثة ايام كي اصل الى اول قاعدة في قرداغ وهناك وبعد تعب رهيب وجدت وانا الشاب الصغير رجالاً ملتحين متعبين ومثقلين بالتجربة والفكر والمعرفة، فأحسست بإني عصفور صغير بينهم. لكني تعلمت الطيران وساعدني رفاقي على أن أبني شخصيتي وأصبح شيوعياً ومناضلاً.
النصير حميد الموسوي/ ابو مازن - بهدنان
ابد من العودة قليلا قبل القرار أو الخلفيات التي إتخذ منها قرار الكفاح المسلح، وتحديدا الى فشل الجبهة الوطنية التي أقامها الحزب مع حزب البعث! والتي تعاملنا معها كقرار حزبي واجب التنفيذ دون إستشارة أو إستفتاء من قبل القاعدة الحزبية أي قرار فوقي بإمتياز! ونحن الذين نعرف طبيعة البعث وطبيعة أعضائه وممارساتهم في مناطق العمل والسكن معنا كشيوعيين بشكل خاص ومع الجماهير بشكل عام وممارساتهم معروفة للجميع .لذلك أبدينا تحفظنا وأنا هنا أقصد مجموعة الشباب التي تتكون منها لجنتنا الحزبية. وفعلا في سنوات الجبهة الأولى بدأت الخروقات والإعتداءات تبرز بشكل واضح نتيجة نشاطاتنا الواضحة بين الجماهير. بعدها إعتقلت مجموعة من الرفاق مع اللاعب بشار رشيد بحجة تنظيم عسكري وتم إعدامهم في الشهر الخامس 1978 وعلى أثرها وجهت تلك التهمة المفبركة لعدد كبير من رفاق الحزب ومن ضمنهم أنا، وتعرضت لمحاولتّي إغتيال فاشلة، وتم إعتقال مجموعة من عمال السگایر بحجة تخريب العمل ثم إطلق سراحهم وتم نقلهم الى الزيوت النباتية! اللجنة التي كنت أقودها ضمت مجموعة من العمال رفضت العمل الحزبي بعد إعدام مجموعة بشار، وقد أبلغت الحزب بذلك! واضطررت الى مغادرة العراق بعلم الحزب و (تحت شعار دبّر نفسك). كل هذه الظواهر والممارسات أدت الى خروج الكثير من الرفاق ولذلك كنا متعطشين لعمل شئ ما إتجاه النظام بما فيه الكفاح المسلح.
بعدها توجهت الى بلغاريا وبعد مضي خمسة شهور تم إبلاغي بالتوجه الى لبنان مع مجموعة من الرفاق للتدريب مع المنظمات الفلسطينية ومن ثم التوجه الى كردستان. كنا متحمسين جدا وأقصد مجموعتنا التي كان لها الفخر أن تشكل المجموعات الأولى التي وصلت كردستان .
إتخذ القرار بالتوجه الى كردستان بعد أن أكملنا تدريبنا العسكري، وما هي الى أيام حتى ودعنا الحياة المدنية وأخذنا نحلم بإسقاط النظام وخوض تجربة جديدة هي الكفاح المسلح. وكنا نتمتع بمعنويات عالية. إنقسمنا الى مجموعات صغيرة. كانت العادة أن يتم إجتماع مع كل مجموعة منا وأقصد المجموعات الأولى التي إلتحقت في عام 1979 مع الرفاق في المكتب السياسي لإستلام التوجيهات وإقامة حفلة (توديعية) وترك رسالة شفهية لكل منا مسجلة نقول فيها مانريد !! وفعلا شخصنا ما هو سلبي وماهو إيجابي وبحضور كريم أحمد، فخري كريم، أبو جبار، والقادم في نفس اليوم من بلغاريا المدعو أبو جواد مرشح ل/ مركزية والذي إنكشف أمره في كردستان كونه عنصر بعثي مندس في صفوف الحزب منذ قيام الجبهة! كانت كلمة م/س في الجلسة مفاجئة حيث ذكروا فيها أن مئات الرفاق قد سبقونا الى كردستان وهناك عمليات نوعية وتحرير مدن وهذا مازاد من حماسنا !
عندما صعدنا الى كردستان وبالتحديد الى منطقة بهدينان أتضح بإننا نحن أول المجموعات ولم يسبقنا أحد حيث لاوجود للسلاح ولا للتموين !! اخذنا الإعتماد على أنفسنا والقيام ببناء الغرف لنا والذين سوف يلتحقون بنا من الرفاق الجدد، وأخذنا بالتدريج التعود على الطبيعة القاسية وصعوبات الحياة، وأخذت تصوراتنا تتغير حيث من المستحيل إسقاط نظام قوي كنظام صدام بهذه الإمكانيات البسيطة المادية والبشرية ! أخذ العمل يتطور بالتدريج وساعد على ذلك تطورات الحرب العراقية الإيرانية التي أخذت تميل للجانب الإيراني وقتذاك مما أدى الى إنسحاب الكثير من القطعات العسكرية من مناطقنا !
كنا نحلم ونتمنى أن القرار قد إتخذ بحكمة ولكن للأسف كان قرارا مختلف عليه بين القيادة نفسها !! كانت مبالغات في الخطاب السياسي والعسكري، قلة الخبرة والأهم عدم توفر شروط الكفاح المسلح !! وأتضح فيما بعد أن خلافات جدية كانت قائمة بين أوساط القيادتين السياسية والعسكرية !! بحيث أدى هذا الخلاف الى أن الكل يريد أن يثبت صحة وجهة نظره !! مما أدى الى إجتهادات بزج رفاق وإجبارهم للصعود الى الجبل بما فيهم المرضى والغير قادرين على حمل السلاح !!
عندما تودع حياة المدنية وتنتقل الى حياة الكفاح المسلح حياة الأنصار التي هي أصعب بكثير من أي حياة عسكرية إخرى، تطمح بنتائج إيجابية تساوي هذه التضحية ولكن للأسف لم يحصل هذا ! أما بالنسبة لي فقد كانت تجربة غنية جدا رغم الصعوبات التي واجهتني لفقدان عيني اليمنى! تجربة ذات دروس عميقة في كافة جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية تجربة أفتخر وأعتز بها. لو كانت الوحدة الحزبية والعسكرية متوفرة في تلك المرحلة لكانت النتائج أفضل بكثير من التي خرجنا بها. لو لم تجر المبالغات والإجتهادات من بعض القياديين في الحزب لكنا بوضع أفضل !لو قامت القيادة الحزبية بدراسة القرار بشكل جيد وعدم التسرع لحين توفير شروط الكفاح المسلح لحققنا نتائجا أفضل! لو فتح الباب لمن يرغب بالصعود الى كردستان وتنطبق عليه الشروط، لكان عملنا نوعيا وذا أبعاد مؤثرة، لو إستمعت القيادة الى القاعدة لما تشخصه من سلبيات وإيجابيات لما حدث ماحدث ! وكثير من البشر زرع اللو ولكنه لم يثمر !
واخيرا تبقى التجربة غنية بالدروس والعبر نفتخر بها نحن الأنصار وعملنا كل شئ في سبيل نجاحها واستمراره ، وتجاوزنا صعوبات وظروف قاسية في سبيل إثبات وجودنا .
ايلول 2015
النصير عبد الكريم فيلي / ابو حسين- بهدنان
لم يشكل قرار الحزب الشيوعي العراقي في اللجوء للكفاح المسلح، بالنسبة لي مفاجئة، بعد أن اوصد النظام جميع الابواب امام الحزب، ولم يبق غير اللجوء لهذا الخيار ولصد العدوان عن نفسه والمحافظة على ماتبقى لديه من كوادر. القرار استوعبته على مراحل حيث توجهت في البداية الى بلغاريا والتي مكثت فيها قرابة ستة اشهر ثم الى لبنان لغرض التدريب العسكري في صفوف المقاومة الفلسطنية وتحديدا في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. تلقينا تدريبا عسكريا واعدادا جسديا ونفسيا، كان له الفضل في التحاقي في صفوف الأنصار في كوردستان وبرغبة شديدة وتنافس مع رفاق اخرين في اولوية الوصول الى هناك.
كما ان عدالة قضيتنا التي نؤمن بها وقناعتنا بصواب نهج الحزب حينها شكل الزاد الروحي لنا فكريا وسياسيا وايديولوجيا لفكرة الكفاح المسلح، ويسّر ايضا من عملية الانتقال من الحياة المدنية الى الحياة الأنصارية العسكرية المليئة بالصعاب والمخاطر والمجهول.
السنوات التي قضيتها في كردستان كانت غنية جدا بالنسبة لي، حيث سنحت لي الفرصة للتعرف على طائفة واسعة من الرفاق من ذوي الاختصاصات المختلفة والاطلاع والتأثر بتجاربهم والإستفادة من امكانياتهم الفكرية والسياسية والادبية والتي اغنتني روحيا وفكريا. كما ان الكفاح المسلح ساهم في تقوية عودي وصقل شخصيتي وجعلني اشعر بمسؤولية اكبر اتجاه نفسي وتجاه رفاقي.
اتيحت لي الفرصة للتعرف على الرفاق القياديين من الحزب وعن قرب، حيث عشت قريبا منهم واكتشفت انهم اناس عاديون وقرارهم يحتمل الخطا والصواب. سابقا كانت لدي الرهبة من الرفاق القياديين حيث كنت اضع عليهم هالة من القدسية، كان الكثير منهم لطيفي المعشر ويمتاز بروح البساطة والدعابة ولا يفرقون عن الاخرين سوى في مسؤولياتهم الحزبية.
فنون القتال النظرية التي تعلمتها في لبنان والسيطرة على المشاعر وضبط النفس، ساهمت في انقاذ حياتي عدة مرات في كردستان، وهنا كنت اتذكر المقولة التالية التي هي معروفة في الجيش والتي تقول (قطرات من العرق اثناء التدريب تجنبك بحار من الدماء اثناء القتال).
ساهمت التجربة ايضا في جعلي اكثر حكمة وتقشف في حياتي العملية، حيث ان صعوبة الوصول الى الطعام والماء والملابس هناك، ساهم في الإستفادة القصوى من ما املك وعدم البعثرة في حياتي.
الصعوبات كانت جمة وكثيرة في كردستان وعلى سبيل المثال الطبيعة الجبلية القاسية للمنطقة التي فيها الجو البارد والقارص في الشتاء، مقابل عدم امتلاكنا القاعات المجهزة بالتدفئة بالحدود الدنيا وكذلك الاغطية والأفرشة التي تقي من البرد، اسوة بالقرويين الذين كانوا يعيشون في المنطقة.
قاعدة بهدينان كانت تعاني نقصا في المواد الغذائية بسبب بعد القرى عن القاعدة جراء سياسة الأرض المحروقة وهدم القرى في المنطقة العازلة وكذلك وعورة الطرق المؤدية الى القرى المحيطة والحصار الاقتصادي الذي فرضته الحكومة التركية على القرى الحدودية وذلك بتحديد نسبة الأرزاق المرخصة لهم حتى لا يتم تسريبها الى قواعد الأنصار لاحقا.
نقص الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية كانت هي الاخرى من الصعوبات الكبيرة حيث ان الكثير من الامراض البسيطة العلاج تحولت بسبب نقص الادوية الى امراض مزمنة وخطيرة مثل الاسهال والسعال والانفلونزا والامراض الجلدية والتناسلية.
السلاح في بداية تشكيل القاعدة، شكّل معضلة كبرى حيث ان العشرات من الرفاق الذين التحقوا بقاعدة بهدينان بقو لمدة اشهر بلا بندقية أو أي سلاح يستطيعون به الدفاع عن انفسهم من عدو مفترض، حيث ابتكر احد الأنصار الشهداء (ابو علي النجار) وهو نجار بارع، بندقية خشبية كنا نستخدمها للحراسات ليليا لايهام الاخرين باننا كنا نملك سلاحا.
عامل الجغرافية ايضا من الصعوبات التي كانت تواجه الأنصار في بداية تشكيل المفارز حيث كان الاعتماد على الاخوة في حدك (الحزب اليمقراطي الكردستاني ) والإستفادة من خبراتهم في التعرف على الطرق المؤدية للقرى المحيطة. كما ان جغرافية منطقة زاخو السهلية جعل منها مكانا خطرا لتواجد المفارز وذلك لسهولة وصول الجيش الى المنطقة السهلية.
اللغة كانت من العوامل المعيقة لتواصل الأنصار مع اهل القرى الذين كانوا لا يجيدون العربية لذلك كان يشعر الرفاق بالانعزال نتيجة ذلك.
صعوبة الحصول على الطعام والماء في مناطق بهدينان نتيجة للحالة الصعبة التي كان اهل القرى يعيشون فيها واختصار الطعام في فصل الشتاء على البرغل واللبن في احسن الاحوال كما ان ينابيع الماء كانت متباعدة وعملية حمل الماء لمسافات طويلة كانت ثقيلة على كاهل الأنصار.
الملابس والاحذية كانت هي الاخرى من المشاكل اليومية للانصار حيث كنا نفتقر الى وجود خياط في المقرات الخلفية. كما ان الاحذية المناسبة والجواريب المقاومة للبرودة كانت معدومة هي الاخرى.
قلة خبرة الأنصار في الاندساس وكيفية معالجتها، كانت مشكلة، حيث ان عدد من الذين التحقوا كانوا جواسيس ويتعاونون مع السلطة من اجل كشف واغتيال القياديين من الأنصار والضغط على عوائلهم لاجبارهم على الاستسلام.
نقص النقود (الجانب المادي) وعدم وجود اجازات منتظمة للانصار الى سوريا مثلا كل ستة اشهر او شهر او اسبوعين في سوريا او ايران، ادى الى ارهاق ومرض عدد غير قليل من الأنصار، حيث الابتعاد لمدة طويلة عن الحياة المدنية ساهم في ارهاقهم وضجره.
ايلول 2015
النصير حمودي عبد محسن/ أبو كاظم/ قاطع بهدينان
ظهر الحزب الشيوعي العراقي في تاريخ العراق الحديث كرمز تضحوي من أجل العدالة الاجتماعية وإقامة مجتمع حر سعيد، فلذلك اختار نهج النضال ضد السلطات القمعية المتعاقبة، فظهوره كان أشبه ببريق نور في ظلام الدولة الاستبدادية بغية أن يحقق للكادحين والفقراء وشغيلة الفكر حلما جميلا أي الخلاص من الدولة الاستبدادية وضمان حرية الإنسان في المعتقد والفكر وهذا هو حلم إنساني عام.
وطبيعي ينتابه وعي في بلد حكم بالإرهاب والقمع والاضطهاد، فالشيوعي لم يكن ينتظر عرشا يعتليه، ولا قصرا يسكنه، ولا فردوسا ينعم فيه، بل أراد أن يكون الإنسان غير مستغل، وغير مستعبد من سلطة غاشمة مستبدة، لذلك كانت قضيته عادلة منذ نشأته، وقد تمثل هذا برمز التضحية لقادته الأوائل، ففهد ورفاقه اعتلوا المشانق بجبروت، وهم يهتفون بكلماتهم الأبدية التي أنارت شموخ التضحية من أجل الآخرين، وسلام عادل تحدى آلة التعذيب والموت وهو يبصق في وجه جلاديه، ولم يكل الشيوعي أن يتجسد بهذه الرمزية التضحوية سواء في السجون والمعتقلات أو قيادة المظاهرات والانتفاضات تحت وابل من رصاص الطغاة.
ثم تظهر حركة الأنصار التي هي مؤسسة نضالية مسلحة من قبل الحزب الشيوعي حيث جمعت كوادر وأعضاء وأصدقاء الشيوعيين من مختلف فئات وطوائف وقوميات العراق لتكون حركة ترد بالعنف ضد أشرس دكتاتورية شهدها العصر الحديث. هذه الحركة المجيدة التي اتخذت من أرض كردستان بؤرة انطلاقتها، احتضنت الأجساد الطاهرة من عربي وكردي وأشوري كلداني سرياني وصابئي مندائي وتركماني وأرمني دون أن يكون هناك تميز سوى أن يتكاتف الجميع للقضية السامية في مواجهة العنف المتوحش بقوة السلاح.
وكان هناك دور كبير للمرأة النصيرة التي شاركت رفيقها النصير سمة هذا الكفاح....من هذا نجد مدى جدية الرمزية التضحوية التي هي سمة تاريخية للشعوب المظلومة، تلك التي مارست كفاحها المسلح للتخلص من الظلم والبطش والتبعية والاستعمار، فهل كان هناك طريق آخر أن تواجه الدكتاتورية المستبدة، لا أعتقد ذلك.
لذلك اتخذت قراري بوعي كامل أن انضم إلى حركة الأنصار منطلقا من هذه الرمزية التضحوية التي بغيتها الخلاص من الدكتاتورية لتحقيق سعادة الأجيال القادمة منطلقا من مقولة ناظم حكمت ( إذا أنا لم احترق وأنت لم تحترق فمن ينير الطريق للآخرين).
وهنا لابد من الإشارة إلى أنني جسدت مشاعري وأحاسيسي عن حياتي المعاشة أثناء حركة الأنصار في كتابي الموسوم بعنوان (عند قمم الجبال ) الصادر عام 2009 .
14تشرين الاول 2015
النصير مؤيد ابراهيم (ابو شكرية) / قاطع السليمانية
خاض الحزب الشيوعي العراقي ومنذ تأسيسه عام 1934 كل اشكال النضال السري منها والعلني، السلمي والمسلح وفي كافة عهود الدولة العراقية – الملكية والجمهورية. ولاقى جراء كفاحه هذا كل صنوف القمع والاضطهاد. ولو كانت بنسب متفاوته، فقد اعدم قادته الميامين (فهد وحازم وصارم ) في العهد الملكي الرجعي، كما اعتقل وعذب وطرد أعضائه في العهد الجمهوري الاول. وبعد انقلاب شباط 1963 وجهت الضربة القاسية للشيوعيين العراقيين، وذلك باستشهاد قائد الحزب وجامع شمله الخالد سكرتير الحزب سلام عادل، كما عذب واعتقل الالاف من ابناء وبنات الحزب وامتلأت السجون والمعتقلات بالمناضلين والوطنيين الشيوعيين والديمقراطيين. حدث هذا في العهد الجمهوري الثاني، انه عهد البعث الاول.
الضربة الاعنف للحزب، حدثت في عهد البعث الثاني، كانت تحت غطاء الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بقيادة (حزب البعث العربي الإشتراكي!) والتي طالما غنى لها الالاف من الشيوعيين العراقيين (شده ياورد شده وجبهتنه ورد شده). وقع بيان الجبهة عام 1973، حين كانت شعارات الحرس القومي ولازالت مرفوعة ومكتوبة على جدران الدور السكنية في حي بابل في الحلة (الموت للشيوعيين العملاء). اقيمت الجبهة وانتهت الجبهة ولم تحذف هذه الشعارات، لا من قبل الحزب القائد ولا من الحزب الحليف.
في فترة الجبهة عمل الحزب الشيوعي وبشكل مخلص لتقوية العلاقة بالحزب القائد! ووضع استراتيجية لبناء العراق المزدهر من خلال تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية. وكذلك عمل الحزب على تقوية قاعدته الجماهيرية. ولهذا دخل اليه كل من هب ودب، هذا الكم الهائل من الأعضاء والأصدقاء بقدر ما افاد الحزب في توسيع قاعدته الجماهيرية ونشر الثقافة والإنفتاح والديمقراطية في المجتمع، أضر بالحزب عندما حدثت الانتكاسة والضربة التي وجهت للحزب. ان جماهيرية الحزب وادبياته من صحف ومجلات وثقافة اعضائه ونشر الثقافة العامة ارعب الحزب الحاكم ايما رعب.
بدأ حزب البعث يجد الأعذار لنفسه ليوجه الضربة تلو الاخرى للحزب الشيوعي ومنظماته المنتشره في كافة ارجاء العراق. كانت الهجمة شرسة وعنيفة امتلآت اقبية الامن في جميع المحافظات العراقية بالمناضلين الشيوعيين واصدقائهم وعوائلهم، وكان التسقيط السياسي الهدف الاكبر لإنهاء الحزب الشيوعي .
عندما اصبح صدام حسين رئيسا للعراق، اصبح العراق بلدا يفوق رعبه رعب الجحيم، انه الدكتاتور قادما وبيده سيف بتار، ليقطع كل لسان ينادي بالخبز والحرية وكل رأس يفكر بالديمقراطية، وكل يد تكتب شعرا للإنسانية. وها هم الشيوعيون يناضلون من اجل هذه المفردات السامية، اذن لامكان لهم في دولة الرئيس!
أن تعيش في بلد يحكمه الدكتاتور يجب ان تكون أخرس حتى يأذن لك ان تمجده كبطل همام. عند الدكتاتور يجب ان تكون أطرش حتى يأذن لك أن تسمع اخبار المناوئين للسلطان الأوحد. في مملكة الدكتاتور كل شيئ وارد، حتى الموت يختاره لك حين يشاء ولا غيره حيث قال (العراقي مشروع استشهاد دائم)، انه محق، الم نكن نحن الذين نعيش تحت خيمته؟ الم يكن هو عمود البيت؟ تذكروا تلك الاغنية اللعينة (العزيز انته)، كتب كلماتها شيوعي مخضرم ذاق عذاب السجون ولحنها صديق للشيوعيين وغناها صديق للشيوعيين، بأرادتهم او بدون ارادتهم.
في ظل الهجمة الشرسة التي تعرض لها الحزب واعتقال الألاف من أعضائه واجبارهم على التوقيع على المادة رقم 200 السيئة الصيت والتي تعني الإبتعاد عن العمل في صفوف الحزب الشيوعي أو مواجهة عقوبة الإعدام، تم إعتقال وتغييب بعض من قيادته. فما كان منه اي من الحزب الشيوعي الا ان ينضم صفوفه ويرفع شعار الكفاح المسلح لإسقاط النظام الدموي الدكتاتوري، وماكان هذا الامر سهلا، فهناك الإلاف من المناضلين انقطعت صلاتهم بالحزب، بعد ان تبعثرت تنظيماته. القليل من هؤلاء وجدوا طريقهم الى الحزب وبكافة السبل والكثير حاول ولم يفلح، والكثير الكثير خضع للامر الواقع وظل يراوده الأمل بلقاء الحزب يوما ما. فقد انشأت هنا وهناك تنظيمات خيطية، وصلات فردية، منها ما كان إجتهادأ شخصيا ومنها ماكان بفعل بعض الرفاق الذين لم تنقطع صلتهم بالحزب، ومنها ما كان من تدبير اجهزة أمن الدولة (والعياذ بالله). ان عددا غير قليل من المخلصين من ابناء الحزب وأصدقائه من التقدميين والديمقراطيين وقعوا ضحية هذه التنظيمات الوهمية، وانا واحد منهم، بعد ان توفرت لي كل أسباب الشك باني مراقب ومطلوب الى اجهزة الامن .وفي صباح باكر وليت وجهي صوب مكان لا أعرف فيه ومنه غير اخت طيبة لي تعيش هناك وبعضا من الأصدقاء يدرسون في كليات مختلفة، انها العاصمة بغداد.
منذ وصولي بغداد ، لم ابق في مكان واحد اكثر من ليلة واحدة، الا عند صديقي (ح ) الطالب حينذاك في كلية الإدارة والاقتصاد، فلم يكن هو بالذات شيوعي وانما كان من عائلة شيوعية. وبسبب الهاجس الامني كنت اتنقل بين قسم داخلي واخر، الليلة عند صديق والاخرى عند صديق اخر والجميع لا يعرف اني مطارد من قبل اجهزة الأمن في الحلة، ربما شعروا بذلك ولكن لم يشعرني احد. لم انم في الفندق الا ليلة واحدة طيلة خمسة اشهر قضيتها في العاصمة بغداد، هذه الليلة كنت مضطرا فيها جدا، لعدم حصولي على مكان. في ذلك اليوم طلب مني صاحب الفندق البطاقة الشخصية فاعتذرت له، وافق في البدء وحصلت على سرير فوق السطح، وعند الساعة الحادية عشر ليلا اتاني صاحب الفندق مسرعا وقال (يجب علي ان ادون أسمك والا اروح بداهية)، اعطيته البطاقة وغادرت الفندق الساعة الثالثة صباحا متوجها الى مسطر العمال .لم ارقد عند اختي العزيزة الا ليلة واحدة وفي اليوم التالي وصلت الى بيتها للاستحمام واعدت لي وجبة سريعة وسلمتني بعضا من النقود وقالت لا تأت بعد الان فقد جاؤوا الأمن يسألون عنك.
في القسم الداخلي العائد لكلية الإدارة والاقتصاد، كان العديد من الطلبة الأكراد هناك، هؤلاء الطيبون فكروا بي قبل ان أفكر بهم للخلاص، فقد اتصل بي احد النجباء وقال نحن نراقبك ونشعر انك في ورطة ونحن سنساعدك للوصول الى كردستان شريطة أن لايعلم صديقك (ح). بعد اسبوع وفوا بوعدهم ووصلنا الى السليمانية مع احدهم صباحا. كان يحمل كيسا لا اعرف ما بداخله ثم استقبلتنا سياره متوجهه الى حلبجة وفي سيطرة ناحية سيد صادق اوقفوني انا بالذات واستمر صاحبي واحتجزت انا لبعض الوقت ثم اطلقوا سراحي لعدم كفاية الأدلة. عدت الى السليمانية ثم الى بغداد، وعلي ان اثبت لصاحبي الطيب (ب)، انه لم يحدث شيئ يخيفه وللاسف غاب صديقي اسبوعين عن دوام الكلية. حاولت وبكل السبل تفسير ماحدث للاصدقاء، فلم افلح كان الخوف قد سيطر على الجميع بما فيهم انا، حتى اني لم اعد الى هذا القسم بتاتا، خوفا عليه.
طالما والحالة هكذا في القسم الداخلي، فقد برز دور الطلبة الشيوعيين الأكراد، وبدأوا المبادرة بالاتصال بي وعن طريق الصدفة كنت في باب المعظم، واذ بي أرى وجها رأيته مرة واحدة في القسم، قال لي (لقد عرفنا كل شيئ عنك)، حضّر نفسك بعد اسبوع وستكون في أحضان الحزب، (الله واكبر) أن الله ماينسى عباده . كنت فرحا جدا، هذه المرة الاتصال من قبل الحزب، فعلا وصلنا انا وصديقي ورفيقي (ئامانج محمد رضا – عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني سابقا – سامال) الى بيتهم في السليمانية، ورتب لي الرفاق هوية طالب صناعي وغادرنا أنا ورفيقين أخرين الى مدينة حلبجة، انه نفس الطريق اللعين، ومما خفف الخوف والقلق ان الرفاق والحزب معي. لم يحدث مايكدر الرحلة فبعد سيد صادق نزلنا متجهين صوب قرية غير مؤهلة، وبدلت ملابسي بملابس كردية. وها انا أشعر بالحرية. على كل حال مشينا بأتجاه الجبل متخذين من الوادي طريقا لنا، وبعد جهد جهيد وصلنا الى المنطقة الآمنة تماما، كما قال لي الرفاق .
رأيت بيوت مبعثرة او غرف كبيرة فوقها اعلام مختلفة وكذلك وجوه ملتحية، انها مقرات الأحزاب، واشار احد الرفاق الى مقر الحزب الشيوعي. آه كم كانت فرحتي عظيمة، كدت ابكي وانا ارى الرفاق يحملون السلاح بوجه الظلم والإستبداد والدكتاتورية والأعظم من ذلك، ان احد الرفاق كان هندياً، كان متطوعا من رفاق الحزب الشيوعي الهندي، هكذا خيل لي في البداية ، كان هنديا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حتى بدا لي اني شممت رائحة كل انواع التوابل منه وفيما بعد عرفت، فما كان هذا الرفيق الهندي الا الرفيق ابو سلام أي عباس ره ش، كونه اسمر البشرة.
بقيت في كردستان ست سنوات، لم اندم في يوم ما عن كل ساعة قضيتها هناك، كنت أشعر بالحرية والفخر والاعتزاز، بأنني حفظت ذاتي ورفعت السلاح بوجه الجلاد، انا والألاف من المناضلين الشيوعيين. لقد عانى الشعب العراقي من كوارث الدكتاتورية وذاق الجوع والذل والمعاناة والموت اليومي. الكل دفع الثمن باهضا ولكن الوطنيين والديمقراطيين والمثقفين التقدميين، ربما دفعوا الثمن الأعظم بحكم مسؤوليتهم الأخلاقية تجاه شعبهم ووطنهم. ربما اراد المئات منهم الالتحاق بالحزب ربما من اجل أن يقولوا للطاغية ،ها نحن هنا ندافع عن كرامتنا وكرامة شعبنا .واخيرا اقول للاسف لم تكن الحركة المسلحة في كردستان حركة جماهيرية ، كان بوسع الحزب ان ينظّم الكفاح المسلح على صعيد العراق كافة بأعتباره حزبا للعراقيين جميعا.
29/11/2015
النصير زياد/ اربيل مقر قيادة الحزب
فكرة الكفاح المسلح كانت موجودة في ثقافتنا، نحن الذين عشنا النهوض الثقافي في السبعينات، ونهم القراءة والأطلاع على تجارب الشعوب التى تحررت عن طريق الكفاح المسلح وفي مقدمتها كوبا، وكذلك حرب الأنصار والمقاومة في عدة بلدان التي واجهت الفاشية في الحرب العالمية الثانية، كذلك افلام تلك الحرب وحروب العصابات .
انا شخصيا لم اواجه صعوبات كالتي واجهها بعض الرفاق لأني كنت مستعداً نفسيا وفكريا لتقبل هذا الأسلوب من المواجهة مع النظام. وكنت مقتنعاً بأنه الخيار الأوحد التي وضعنا فيه النظام، اما الأبادة او الضياع في الغربة او المواجهة بهذه الطريقة، عكس بعض الرفاق التي اجبرتهم منظماتهم او مسؤوليهم على الألتحاق بحركة الأنصار مما تسبب في مشاكل معقدة على النطاق الشخصي او مايخص العلاقة مع الحزب. هذه القناعة بالنسبة لي ولكثير من الرفاق سهّلت الكثير من الصعوبات واسرعت بحلها وتجاوزها، مثلا اللغة جرى تعلمها بسرعة خاصة بالنسبة لرفاق المفارز القتالية المتحركة لأن اللغة هي جزء اساسي من الجاهزية القتالية، عكس الرفاق في المقرات الثابتة حيث بقيت لغتهم الكردية محدودة وللبعض لاتتعدى بضعة كلمات. كذلك التغذية والتوزيع في القرى كانت تثير الكثير من المزح والتندر بين الرفاق، لكنها لم تكن مشكلة كبيرة رغم محدودية التغذية نتيجة فقر القرى الكردية. الصعوبتان اللتان كانتا تقلقاني كثيرا هي اخبار الأهل والخوف عليهم من ردة فعل النظام لو علم بوجودي في كردستان، والشئ الأخر الذي لم اتمكن من تجاوزه هو القمل والبرغوث، فكنت مهووسا بالنظافة، افتش ملابسي يوميا واغتسل يوميا بأصعب الظروف حتى في فصل الشتاء في المياه الباردة وفي احواض الجوامع .
تجربة كردستان اضافت وغيرت الكثير على نطاق الفكر وحياة الحزب الداخلية وكذلك غيرت الكثير من المفاهيم على النطاق الشخصي ولولا تجربة الكفاح المسلح لما حدث من تطورات في حياة الحزب الداخلية وما طرأ على افكار الحزب السياسية والتنظيمية. كنا في وسط الصراع، في قيادة الحزب على تبني أو عدم تبني إسلوب الكفاح المسلح وسبل تطوير هذا الكفاح، في الحركة الكردية على الهيمنة والنفوذ. كنا ندفع ثمن كل هذه الصراعات ويقط لنا شهداء في كل القواطع سواءً في التنظيمات العسكرية الو التنظيمات المدنية .
النتيجة الأولى والأهم تمثلت في سقوط مفهوم القدسية للقيادة وللأفكار التي كانت سائدة في حياة الحزب السابقة، فقيادة الحزب رفاق لهم محاسنهم وسيئاتهم مثل اي رفيق أخر. ورغم تجربتهم الحزبية الطويلة كان هناك رفاق قد تجاوزوهم بأمكانيات التحليل والتشخيص والأستنتاج، وبعضهم لم يستوعب الأفكار الجديدة في حياة الحزب الفكرية والتنظيمية، مما ادى الى حالات خروج بعض الرفاق من صفوف الحزب او تقاطع بعضهم عدائيا مع الحزب .
الأمر الأخر من نتائج التجربة هو فهم الإنسان المجرد من الإنتماءات الفكرية، عند تعرضه لظروف صعبة وما هي طاقة تحمله للصعاب وعلاقاته مع الأخرين، كيفية التعامل مع احتياجاته الحسية والإنسانية، تقبله للحياة المشتركة مع الأخرين في محيط ضيق ومحدود، أنانيته ونكرانه للذات، اعتقد كلنا يحمل خزينا واسعا من هذه التجارب