مدارات

بودابست: تظاهرات حاشدة ضد حكومة فكتور اوربان

عادل محمد
منذ عام 2010 يهيمن فكتور اوربان، وحزبه اليميني الشعبوي "فيدس" على السلطة في هنغاريا. وسياسة الحزب الحاكم القائمة على القومية العنصرية، والليبرالية الجديدة اقتصاديا، تبحث دوما عن أعداء جدد (الاتحاد الأوروبي، الشيوعيين، والمنظمات غير الحكومية، وحاليا الملياردير الشهير جورج سوروس)، وهذه التحركات تمثل توابل لتعزيز قبضتها على دولة الفساد والقومية والشعبوية.
وجديد حكومة اوربان مشروع لتعديل قانون التعليم العالي ، ولكن الإعلان عن مشروع القانون فجر سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة دعت اليها مبادرة تشكلت لهذا الغرض أطلقت على نفسها "مجموعة حرية التعليم"، ووصل عدد المشاركين فيها في التاسع من نيسان إلى 80 ألفا.
والحكومة تريد إغلاق " الجامعة الأوربية المركزية"، وهي جامعة يديرها القطاع الخاص وبتمويل من الملياردير جورج سيروس. والسبب: إن الجامعة تمنح دبلوما هنغاريا وأمريكيا. ويرى الحزب الحاكم إن منح الجامعة لشهادتين إحداها أمريكية يعني إن الجامعة فرع لأصل أمريكي. والسؤال، الذي ظل بلا إجابة هو لماذا تلجأ الحكومة إلى مثل هذا الإجراء بعد مرور 26 عاما على تأسيس الجامعة ؟
إن موقف الحكومة من الجامعة يأتي في سياق سياستها العامة للهيمنة على كل فضاء مفتوح يتيح إمكانية النقد والمعارضة. وقد كانت الجامعة، على الرغم من محدودية عدد الدارسين فيها ساحة لنقد الحكومة من قبل الطلبة والهيئة التدريسية، وإحدى نوافذ الحفاظ على التعددية في المجتمع والدولة. بالإضافة إلى إن هنغاريا ستشهد في عام 2018 انتخابات عامة، وليس هناك منافس حقيقي لليمين الشعبوي الحاكم، سوى حزب جوبيك النازي، نتيجة للضعف الذي تعيشه قوى الوسط واليسار في البلاد، وعلى هذا الأساس تتوجه الحكومة إلى اتخاذ جملة من التدابير، لإقناع الناخبين، انها لا تقل تطرفا عن النازيين الجدد.
ولا ينحصر سريان القانون على الجامعة المذكورة فحسب، بل يتعداها ليشمل 28 جامعة أجنبية تعمل في هنغاريا، لان الحكومة تزعم بان هذه الجامعات "وهمية" و"غير شرعية"، وما يؤكد بطلان هذه الإدعاءات إن ما يسمى بإصلاح النظام التعليمي لم يبدأ اليوم، وقد تجسد في خفض حصة التعليم في موازنة البلاد إلى النصف، وكذلك في الحد من استقلالية مؤسسات التعليم العالي.
وقد عبر رئيس الأكاديمية الهنغارية للعلوم، و14 عالما من الحائزين على جائزة نوبل ومئات الأكاديميين من جميع أنحاء العالم، عن قلقهم تجاه تصرف الحكومة ، ولكن دون جدوى. وشهدت شوارع العاصمة بودابست حركة احتجاجية نمت تدريجيا، وكانت قمتها في التاسع من نيسان، حيث اتسعت المشاركة لتشمل الطلبة، والعمال، والشبيبة، وقوى المعارضة السياسية من اليسار وصولا إلى قوى اليمين المعتدل. وعد متابعون التظاهرة بمثابة رسالة قوية إلى اوربان والحزب الحاكم. وشدد المتظاهرون على ضرورة الحفاظ على التعليم المستقل، باعتباره جزءا لا يتجزأ من المجتمع الديمقراطي.
و يرى متابعون إن استمرار عمل الجامعة يتطلب الآن اتفاقا بين الحكومتين المجرية و الأمريكية. ولكن الدستور الأمريكي يمنع الحكومة الفيدرالية من عقد اتفاقات دولية بشأن قضايا التعليم. وقد جاءت هذه الأنظمة القانونية المعقدة لمصلحة الحكومة الهنغارية التي تريد أن تظهر للجميع أنها تفعل ما تريد ولا تلتفت إلى مواقف الآخرين.
وقد كان رد الحكومة على الاحتجاجات متوقعا، إذ أصبح جميع المشاركين في التظاهرة مباشرة عملاء لجورج سوروس. وكان موقف رئيس الجمهورية أمل المتظاهرين الأخير. ويتيح الدستور الهنغاري في هذه الحالة للرئيس يانوش أدير الاحتمالات التالية: توقيع القانون الذي اقره البرلمان على عجالة في مدة لم تتجاوز الاسبوع، وهو ما فعله الرئيس، او اعادة القانون إلى البرلمان ثانية، او إحالة القانون إلى المحكمة الدستورية للتأكد من سلامته. وجاء تصديق الرئيس السريع على القانون، لقناعته انه لا يتعارض مع النصوص الدستورية التي تضمن حرية التعليم.
وعلى الرغم من إن تصديق رئيس الجمهورية على القانون قد أغلق الملف الذي فجر الاحتجاج، ولكن إمكانية تجدده لا تزال قائمة.