مدارات

تركيا.. الاستفتاء عمّق الانقسام الاجتماعي

رشيد غويلب
تمكّن اردوغان و حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكم في تركيا من حسم معركة الاستفتاء بـ "فوز بطعم الخسارة" على حد تعبير متابعين قريبين من الرئيس التركي. وجاءت نتائج الاستفتاء: 51,4 لصالح النظام الرئاسي، مقابل 48,6 ضده.
وعقب صدور النتائج الأولية، هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حزب "العدالة والتنمية"، وحلفاءه من اليمين القومي المتطرف"الحركة القومية"، و"الاتحاد الكبير" بالفوز في الاستفتاء، ودعا دول العالم "وخاصة الحليفة، أن تساندنا في قرارنا وفي حربنا ضد الإرهاب"، معتبراً أنها المرة الأولى في تاريخ تركيا التي "يتم فيها تغيير النظام بإرادة مدنية".
المعارضة التركية ترفض النتائج
رفضت المعارضة التركية نتائج الاستفتاء، وأكدت أن نسبة الرفض تتقدم على النسبة المؤيدة للتعديلات الدستورية بفارق نحو 2 في المائة، في حين قال حزب "الشعب الجمهوري" المعارض (الكماليون)، إن عمليات تزوير حصلت خلال الاستفتاء وأعلن اعتراضه على نحو 2,5 مليون صوت، بحسب ما أفادت صحيفة "زمان" التركية المعارضة. وأشار الحزب أيضا إلى احتساب 1,5 مليون بطاقة تصويت غير مختومة، فضلا عن احتساب بطاقات الانتخاب البيضاء.
من جانبه أعلن حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يمثل قوى اليسار في البرلمان التركي انه سيطعن بالنتائج، وسيشمل الطعن ثلثي صناديق الاقتراع في عموم البلاد و"وفق النتائج التي توصلنا اليها تم التلاعب بـ 3 إلى 4 في المائة ".
ومما زاد من شكوك المعارضة كان إعلان "المجلس الانتخابي التركي الاعلى" أنه سيحتسب أيضاً بطاقات التصويت التي لا تحمل الختم الرسمي لمكتب الاقتراع، وهو موضوع على بطاقة واحدة تحمل خياري "نعم" و"لا". وبعد تلقي المجلس شكاوى عديدة حول استخدام الناخبين لبطاقات غير مختومة، أعلن أنه سيحتسب هذه البطاقات بغض النظر عن خيارات أصحابها "إلا إذا توافرت أدلة على المجيء بها من الخارج".
واعلن مراقبو الانتخابات الدوليين في وقت متأخر من مساء الأحد، ان الاستفتاء جرى في ظل ظروف الأحكام العرفية، الأمر الذي يقوض المعايير الديمقراطية. وجرى اعتقال ممثلي أحزاب المعارضة والصحفيين وتم في اللحظة الاخيرة إبعاد ممثلين رسميين للأحزاب المعارضة من مراكز الاقتراع والاستعاضة عنهم بممثلي حزب العدالة والتنمية. وجرى التأكيد على حضور عدد غير كاف من مراقبي المنظمات الأوربية مثل المجلس الأوربي ومنظمة الأمن والتعاون الأوربية. وجرت أيضا إعاقة حركة المراقبين في المدن الكردية.
وفي ساعات متأخرة من مساء الاحد تظاهر الآلاف احتجاجا على التلاعب بنتائج الاستفتاء، وشهدت شوارع أحياء مدينة اسطنبول المعروفة بثقل المعارضة فيها اشكالا متنوعة من الاحتجاج، بمشاركة السكان الذين احتجوا بواسطة الضرب على أواني الطبخ. وكانت توقعات أنصار الحزب الحاكم تتحدث عن انتصار مريح، أكثر مما تحقق الأحد، إلا أن كبرى المدن التركية فاجأت الجميع بتصويتها ضد التعديلات الدستورية، وفي مقدمتها العاصمة أنقرة وأسطنبول، التي يعزى لها الدور الأبرز في إفشال محاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز 2016.
اليسار العالمي قلق على مستقبل الديمقراطية
عبرت الكثير من ردود الأفعال الأولية لقوى اليسار في العالم عن قلقها على مستقبل الديمقراطية في تركيا. ووصفت بعض القوى يوم الاستفتاء بأنه "يوم اسود لتركيا". وطالبت قوى اليسار بتصعيد التضامن مع القوى الديمقراطية التي رفضت نظام اردوغان الرئاسي. وان اردوغان مهد الطريق لدكتاتوريته بإجراءات استبدادية ضد أحزاب ومنظمات المعارضة، ولذلك لا يمكن الحديث عن استفتاء حر وعادل. وشبه نواب يساريون في البرلمان الألماني ما تعرضت له المعارضة التركية بالأجواء التي رافقت انتخابات الرايخ الألماني في الخامس من اذار 1933، حيث جرى اعتقال النواب الشيوعيين، وتفريق الشرطة تجمعات المعارضة الانتخابية. وطالبو الاتحاد الأوربي وحكومات البلدان الأعضاء بإنهاء سياسة التملق للدكتاتور التركي. وان نتائج الاستفتاء عكست في جانب منها ان اردوغان ليس تركيا، رغم فوزه بفارق ضئيل.
إن نتيجة الاستفتاء النهائية وبالطريقة التي فرضت فيها ستقود تركيا إلى سنوات من الصراع الاجتماعي السياسي المحتدم، وستعمق الهوة سياسيا بين الحواضر التركية التي رفضت في الغالب نظام اردوغان الرئاسي، والمناطق الريفية التي صوتت لأسباب معروفة لصالح الرئيس المؤمن.