مدارات

قوى اليسار الهولندي.. محاولة للمراجعة ومناقشة الأسئلة الراهنة

متابعة – طريق الشعب
جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية العامة التي شهدتها هولندا في آذار الفائت لتخيب آمال حزب الحرية اليميني الشعبوي المتطرف، الذي كان يأمل في احتلال الموقع الأول فيكلف بتشكيل الحكومة الهولندية الجديدة. وحافظ حزب الشعب للحرية
والديمقراطية اليميني التقليدي على موقع الصدارة بحصوله على 33 مقعدا بخسارة 8 مقاعد. و مني حليفه في الحكومة الحالية حزب العمل (ديمقراطي اجتماعي) بخسارة فادحة ليهبط عدد مقاعده من ٣٨ الى ٩مقاعد بعد ان تورط بالاشتراك في الائتلاف الحاكم منذ ٢٠١٢ وتبني سياسة الليبرالية الجديدة وما سببته تلك السياسة من تعميق الهوة بين ذوي الدخل المحدود واصحاب الدخول العالية، ولذلك عاقبه الناخبون.
وحقق حزب اليسار الأخضر افضل نتائجه حيث استطاع الحصول على 14 مقعدا بعد ان كانت له اربعة مقاعد فقط. وحافظ الحزب الاشتراكي الهولندي، الذي يمثل اليسار الجذري في البرلمان الهولندي على مواقعه تقريبا بحصوله على 14 مقعدا، أي بخسارة مقعد واحد فقط، على الرغم من حصوله على مليون صوت، أي بزيادة واضحة في الاصوات التي حصل عليها، مقارنة بانتخابات 2012
وشهدت الانتخابات مشاركة واسعة في التصويت بلغت نسبتها ٨٢ في المائة من مجموع الناخبين البالغ ١٣ مليونا. وادت نتائج الانتخابات وخصوصا الخسارة المدوية لحزب العمل الى تعزيز مواقع اليمين سياسيا واجتماعيا.
وعقدت اربعة احزاب تنتمي الى اليسار بمعناه الواسع اخيرا ندوة حوارية في امستردام، في محاولة منها لمراجعة نتائج الانتخابات ومحاولة الاجابة على الاسئلة الراهنة، وخصوصا تلك التي تتعلق بتعبئة الناخبين وتغيير موازين القوى سياسيا واجتماعيا لصالح المشروع البديل.
و كان السؤال المركزي الذي انشغل به الحوار هو لماذا حصل ما حصل، وما المطلوب من قوى اليسار عمله لمعالجة الاخفاق؟ واتفق اغلب المتحدثين على ان احد اسباب هذه الخسارة يعود الى ان الطبقة العاملة الهولندية ابتعدت عن احزاب اليسار، وهي التي كانت تصوت لها في الفترات السابقة، وقد صوتت في المرة الاخيرة الى احزاب اليمين المحافظ والمتطرف. واتفق المتحدثون على أن الطبقة العاملة باتت تشعر بانها تركت واهملت من قبل اليسار لسنوات عديدة. ونجم لشعور العمال هذا عن كون حزب العمل دخل في مساومات ارتباطا بطبيعة النظام السياسي في هولندا، مفضلا حصة له في السلطة على مشروعه المعلن والذي يحسب ضمن برامج اليسار في البلاد.
وشكل الحديث عن ضرورة التنسيق بين الاحزاب اليسارية، بدلا من العمل المنفرد لكل حزب، محورا هاما في الندوة الحوارية، كون الاحزاب اليمينية تتمتع بمركزية عالية مقارنة بأحزاب اليسار، ما يمنحها قوة اضافية.
و سلط النقاش الضوء على شعبوية اليمين بتياراته المختلفة واعتماده في الغالب مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، في حين ان الاحزاب اليسارية تركز على القيم والتحليل المنهجي وما هو مثالي. وان نسبة من المواطنين يعتقدون ان طروحات اليسار تصاغ بعبارات للمثقفين ورمزية وتجريدية بالنسبة لاغلب المواطنين، الامر الذي يجعلها صعبة على فهمهم ولا ينشدّون اليها كثيرا.
واوضح ممثل الحزب الاشتراكي ان المحيّر حقا هو ان تعاقب الاحزاب اليسارية وحدها من المواطنين، حين تدخل في مساومات وتوافقات تقود الى خيبات امل. فسقف مطالب المواطنين من اليسار عال دائما ، لانهم يتوقعون منه الافضل. فيما لا احد يتوقع شيئا من احزاب اليمين، لهذا تبقى هذه الاحزاب بعيدة عن العقاب.
واشار بعض الحضور من الطلبة الجامعيين الى ان نسبة غير قليلة من الشبيبة والطلبة في هولندا تميل نحو الفكر اليساري دون ان تكون لها انتماءات حزبية. وهذا الامر مرتبط بالرغبة في التغيير والبحث عن الجديد ارتباطاً بعدم اتضاح المستقبل، كما يرتبط بالازمات الاقتصادية ومحدودية فرص العمل.
ان سلوك الديمقراطيين الاجتماعيين ، في الكثير من بلدان اوربا ومنها هولندا ، يقوم على تفضيل المساومات والدخول في تحالفات حكومية مع اليمين وليس دعم بدائل يسارية كما حصل في البرتغال، حيث دعم الشيوعيون وحزب كتلة اليسار الديمقراطيين الاجتماعيين وازاحوا اليمين المحافظ من السلطة. لذلك كانت خسارتهم كبيرة في هولندا، وعلى اساس التوصيف التقليدي في الاعلام الراسمالي تحسب هزائمهم على مجموع قوى اليسار.
وهناك مشاكل أخرى تعود الى صعوبة تنفيذ مشروع اليسار في مجتمع خاضع لهيمنة راس المال المالك لقدرات مالية واعلامية خرافية, يستخدمها بقوة وقسوة لافشال اية محاولة يسارية، ناهيك عن ان مشروع اليسار يتقاطع في جوهره مع انانية الفرد وبالتالي يتطلب شروطاً واستعدادا اضافيا لمناصرته. ولعل تجربة حزب اليسار اليوناني تعكس الصعوبة الملموسة لقيادة اليسار السلطة في بلد ضربته الأزمة عميقا في الاتحاد الأوربي, الخاضع لهيمنة راس المال, وفي ظل عدم وجود حركة تضامن مؤثرة معه.