مدارات

فرنسا: حركة الرئيس ماكرون تحصد الأغلبية في البرلمان

رشيد غويلب
أحرزت حركة الرئيس إيمانويل ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام" اليمينية الليبرالية، الأحد أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي، بعد أن حصد وفقا للنتائج الأولية 350 مقعدا من أصل 577 في الانتخابات التشريعية، وتأتي النتيجة على اهميتها اقل بكثير من استطلاعات الرأي بين جولتي الانتخابات التي اعطت حركة الرئيس عددا من المقاعد يصل الى 450 وحصل حزب "الجمهوريين" اليميني المحافظ وحلفاؤه على 125 مقعدا، وبهذا يعد الحزب افضل الخاسرين، ومني الحزب الاشتراكي باكبر هزيمة في تاريخه، اذ لم يحصل على سوى 49 مقعدا، في حين كان يملك 202 مقعدا في الجمعية السابقة، وتعد النتيجة انهيارا للاشتراكيين، وقد اعلن سكرتيرهم الاستقالة من منصبه داعيا الى اعادة بناء الحزب على اسس جديدة.
وحصلت قوى اليسار الجذري ممثلة بالحزب الشيوعي الفرنسي وحركة "فرنسا الأبية" بزعامة جان لوك ميلنشون على 30 مقعدا منها 11 مقعدا للشيوعيين. وحصل حزب "الجبهة القومية" اليميني المتطرف على ثمانية مقاعد فقط ضمنت منها زعيمتة ماري لوبان، لاول مرة مقعدا في البرلمان الفرنسي.
هبوط تاريخي لنسبة المشاركة في التصويت
تجاوزت نسبة الامتناع عن التصويت في الدورة الثانية من هذه الانتخابات 56 في المائة، وهو تدنٍ في المشاركة لم تشهده الانتخابات الفرنسية منذ تأسيس الجمهورية الخامسه 1958 . ويمثل هذا الرقم المعدل الوطني. وفي بعض المناطق التي تعاني بشكل خاص من التدهور الاقتصادي والبطالة والفقر، كما هو الحال في بعض مناطق باريس الكبرى، بلغت نسبة المشاركة 25 في المائة من الناخبين فقط. ويعود ذلك الى عزوف الملايين عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، خصوصا بعد النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات الرئاسية في 14 ايار الفائت . وهذا يعكس تعب الناخبين الذي اعتقدوا ان فوز ماكرون الرئاسي قد حسم القضية، ولافائدة من إضاعة الوقت. بالاضافة الى السخط العام عن الحالة السائدة، وارتباك الكثير من الناخبين، لفشل الحزبين الرئيسيين، "الجمهوري" و "الاشتراكي" اللذين سيطرا حتى الآن على الساحة السياسية في البلاد . مراقبون يرون في ذلك استمراراً لـ "الأزمة السياسية"، وان النظام السياسي السائد قد فقد قوة الجذب لدى الملايين. وتحدث الحزب الشيوعي الفرنسي عن وجود "أزمة ديمقراطية" مثيرة للقلق .
حسابات ميلينتشون الخاطئة
لقد جاءت النتائج التي حصلت عليها حركة ملينتشون "فرنسا الأبية" لتثبت خطل حساباته التي اعلن عنها قبل الجولة الأولى من الانتخابات النيابية، والمتمثلة في امكانية حصوله على اكثرية برلمانية تؤهله لتشكيل حكومة يسارية تواجه سياسات الرئيس الليبرالية الجديدة.. وتأتي النتائج المتواضعة لليسار الجذري الفرنسي على خلفية رفض ميلينتشون تشكيل تحالف انتخابي على الصعيد الوطني مع الحزب الشيوعي الذي مارس مرونة عالية وقدم أكثر من مقترح للوصول الى الهدف المنشود، على اساس قراءة موضوعية لتوازن القوى على الساحة السياسية، في حين سعى ميلنتشون الى احتواء الحزب الشيوعي وقوى يسارية اخرى معتبرا حركته "قطبا جامعا" لجميع قوى اليسار البديلة.
هل هناك آفاق لاعادة تجميع اليسار وخوض الصراعات الاجتماعية الكبرى؟
على الرغم من الصعوبات التي يعاني منها اليسار لا ينبغي التقليل من النتائج التي حصل عليها، والتي تتيح لهذه القوى ان اجتمعت تشكيل كتلة برلمانية، يمكن أن تلعب دورا إيجابيا هاما في الوضع الناجم الآن. ويمكن لهذه الكتلة ان تكون نواة لاوسع تحالف اجتماعي – سياسي لمواجهة نهج الرئيس ومناصريه.
ويتساءل الكثير من المراقبين عن مدى امكانية صمود الأكثرية البرلمانية التي حققها الرئيس الفرنسي، اذا ما قادت النقابات والحركة الاجتماعية مدعومة من قوى اليسار السياسية مقاومة قوية لمشاريعه المعادية للمكتسبات الاجتماعية، والتي تمس حياة الملايين. ان حركة ماكرون لا تملك تراكما تاريخيا ولا تماسكا برنامجيا مشتركا. وتمثل الحركة تجميعا لقوى انقلبت على انتماءاتها السابقة، ارتباطا بما افرزته الانتخابات الرئاسية والصراعات التي سبقتها، فضلا عن عوامل آنية اهمها الفضائح التي اطاحت باليمين المحافظ، وعدم اتفاق قوى اليسار على بديل مشترك.
ولهذا يسعى الرئيس وفريقة الى التعجيل في تنفيذ برنامجه السياسي والاجتماعي، وهو يعرف جيدا مدى المقاومة التي سيواجهها، ويريد فريقه تحقيق، حتى 12 تموز المقبل، 48 لقاء على الأقل بين ممثلي وزارة العمل والشركات والاتحادات النقابية. ويهدف الرئيس من هذه اللقاءات الى تكوين صورة واقعية عن امكانيات نجاح خططه، والامكانيات الفعلية للجبهة الواسعة التي ستواجهه .
والمعروف ان فرنسا شهدت قبل عام حركة احتجاجية واسعة لمواجهة حزمة قضم اقل للمكتسبات الاجتماعية، لم تنجح حكومة الرئيس الديمقراطي الاجتماعي السابق هولاند في تمريرها، الا بالطرق غير الديمقراطية، مستفيدة من اكثر مواد الدستور الفرنسي رجعية. فكيف سيكون عليه الحال في حالة تنفيذ خطط ماكرون الاشد قضما وقسوة على المكتسبات الاجتماعية؟ هذا ما ستجيب عليه الاسابيع والأشهر المقبلة.