مدارات

هل تحول الحكم من أبناء عبد العزيز إلى ذرّية الملك سلمان؟

أعفى الملك سلمان بن عبد العزيز فجر امس الأربعاء الأمير محمد بن نايف من مناصبه كولي للعهد ونائب لرئيس مجلس الوزراء ووزير للداخلية، وعين مكانه نجله الأمير محمد بن سلمان.
الاخير كان اساسا قد بدأ تسلّم مهام سلفه بالتدريج اثناء تعيينه كرئيس لمجلس امني تم استحداثه لهذه الغاية، بينما كان بن نايف يشغل منصب وزير الداخلية؛ أي ان المجلس في الأساس شكّل نوعا من اختلاف المرجعيات في مواضيع الامن الداخلي والتي رجّحت كفّة بن سلمان كما ظهر من المرسوم الملكي الاخير.
مراسيم ملكية
المراسيم الملكية الاخيرة التي تتالت صباح الاربعاء بدأت بإعفاء الامير محمد بن نايف من منصبيه كولي عهد وكوزير داخلية، وتسليم الامير الشاب محمد بن سلمان الذي يغدو اليوم وتدريجيا صاحب اليد الطولى في الحكم السعودي لمهام “ابن عمه” اضافة الى سلسلة مهامه التي تكاد تكون لا تنتهي.
وبذلك تنتهي جزئيا الحرب الباردة المعروفة في السعودية تحت عنوان “بن نايف مقابل بن سلمان” لصالح الاخير ونجل الملك الحالي. ونص الامر الملكي على “اختيار الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولياً للعهد، وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيراً للدفاع؛ واستمراره فيما كلف به من مهام أخرى”. كما تم تعيين الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزيراً للداخلية. وتعيين أحمد بن محمد السالم نائباً لوزير الداخلية بمرتبة وزير.
وشملت الأوامر الملكية “تعيين كل من الأمير بندر بن خالد بن فيصل بن عبدالعزيز مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير، وتعيين الأمير بندر بن فيصل بن بندر بن عبد العزيز مساعدا لرئيس الاستخبارات العامة بالمرتبة الممتازة”.
بالإضافة إلى “تعيين الأمير عبد العزيز بن تركي بن فيصل بن عبد العزيز نائبا لرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة بالمرتبة الممتازة، وتعيين أحمد بن محمد السالم نائباً لوزير الداخلية بمرتبة وزير وإعفاء ناصر الداود من منصبه وتعيينه وكيلا لوزارة الداخلية بمرتبة وزير”.
وكذلك “اعفاء؛ عبدالرحمن بن علي الربيعان نائب وزير الداخلية من منصبه؛ وتعيينه مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير”.
وتاتي هذه القرارات الملكية السعودية في وقت تشهد فيه منطقة الخليج ازمة كبيرة على خلقية قيام السعودية ومعها الامارات والبحرين بجانب مصر بقطع علاقاتها مع قطر وفرض عقوبات عليها.
إبعاد رجال "بن نايف"
وقال رئيس الملتقى الخليجي للتحليل السياسي سليمان نمر لموقع "فرانس24" "نشير إلى أن المصادر الإعلامية السعودية قالت إن 31 عضوا من أصل 34 في هيئة البيعة وافقوا على تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد وإعفاء الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد".
وأفاد سليمان نمر بأنه تم تعيين الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، وهو ابن شقيق الأمير محمد بن نايف، وزيرا للداخلية بدلا من عمه، مضيفا: "كان عبد العزيز بن سعود مستشارا لمحمد نايف". كما "تم إعفاء الرجل القوي في الداخلية عبد الرحمن الربيعان من منصبه كنائب لوزير الداخلية، وهو أحد رجالات الأمير محمد بن نايف. وتم تعيين الربيعان كمستشار في الديوان الملكي". وأوضح نمر أن "التعيينات في الديوان الملكي معظمها تكريمية ليس أكثر".
قرار مبكر
وقال سليمان نمر إن هذا الأمر كان "متوقعا منذ عدة أشهر، فمعظم المراقبين والدبلوماسيين في المملكة العربية السعودية كانوا يتوقعون إعفاء الأمير نايف من منصبه وتعيين الابن الأحب للعاهل السعودي محمد بن سلمان وليا للعهد".
واضاف ان ولي العهد الجديد "كان يقود دفة الأمور في المملكة خلال العامين الماضين" وكان "يعمل على بسط نفوذه داخل الحكم والسلطة" في المملكة.
وتأتي هذه الخطوة حسب مراقبي الشأن السعودي نتيجة لخلافات كانت قد بدأت تطفو على السطح في الآونة الأخيرة بين الملك وولي العهد محمد بن نايف.
وأكد نمر أن "هذا القرار ليس مفاجئا لكن المفاجئ فيه أنه جاء مبكرا، فكان البعض يتوقع ألا يحدث خلال الأشهر هذه لكن بعد ثلاثة أو أربعة أشهر". ورأى نمر أن "إمساك الأمير محمد بن سلمان بدفة الأمور في المملكة هو الذي عجل بإصدار قرار إعفاء محمد بن نايف" وأشار إلى أنها المرة الأولى التي يحصل فيها تغيير مماثل "بهذه الطريقة".
معركة نفوذ
من جهة أخرى يعتبر بروز اسم ولي العهد محمد بن سلمان، وتقلده مناصب مهمة في المملكة كان يرجح الوصول إلى مثل هذه المرحلة لتقوية الخط السياسي الموافق والمتزامن مع تغييرات استراتيجية في المنطقة أبرزها قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجارة قطر وفرض حصار عليها.
وأوضح سليمان نمر أن "الأمير محمد بن سلمان هو الذي يقود ملف السياسة الخارجية والسياسة الخليجية في السعودية، وهو من المشجعين والمؤيدين لقطع العلاقات مع قطر، فمعروف أن لديه علاقات جيدة مع الإمارات". وتابع "أعتقد أن يكون الموقف السعودي أكثر تشددا في الأزمة مع قطر".
وفي حادثة تكشف الانشقاق داخل العائلة الملكية، أورد موقع "الوطن" السعودي في حزيران 2016 تصريحات نسبها الى ولي العهد السابق محمد بن نايف قال فيها: "عملية عاصفة الحزم في اليمن طال أمدها وخرجت عن توقعاتنا"، كما أبدى محمد بن نايف استعداد القيادة السعودية لتقديم تنازلات من أجل فرض الاستقرار في المنطقة، بحسب التصريحات المنسوبة إليه آنذاك. واتهم بن نايف دول التحالف بأنها السبب الأول في عدم حسم المعركة في اليمن، لعدم قيامها بالمهام الموكلة إليها.
ثم نفى موقع "الوطن" هذه التصريحات جملة وتفصيلا مؤكدا أنه تعرض للقرصنة، لكن "لا أحد صدق قصة القرصنة" كما يقول الصحفي الفرنسي آلان غريش، والذي رأى في مقال تحليلي نشر في مطلع 2017، أن هذا "الجدل الاستراتيجي يخفي معركة نفوذ".
واعتبر غريش، المتمعن في شؤون الخليج والعالم العربي، أن وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم في 2015 رافقه صعود قوي لابنه محمد بن سلمان الذي عين عن أقل من 30 عاما وزيرا للدفاع ثم وليا لولي العهد.
وقال غريش نقلا عن مسؤول مصري إن ذلك بيّن "طموح الملك سلمان في إنشاء مملكة عربية "سلمانية" عوض المملكة العربية السعودية" عبر تهميش محمد بن نايف والتخلص منه. فهكذا سلم الملف اليمني إضافة إلى إصلاحات اقتصادية هامة لمحمد بن سلمان.
تعديل النظام
واصدر العاهل السعودي قرارا يمكن وصفه بأنه أكثر أهمية، والذي يتعلق بإجراءات تعديل في النظام الأساسي للحكم في السعودية، والمرتبطة بإمكانية تعيينات الملك لولي العهد وولي ولي العهد مستقبلا.
وجاء الأمر الملكي الخاص بتعديل نظام الحكم على النحو التالي، حيث عدل الفقرة (ب) من المادة الخامسة بنظام الحكم، التي أصبح نصها كالتالي: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز.. وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس".
حيث تمت إضافة جملة "لا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس".
ترتيب الخلافة
وبتعيين نجله وليا للعهد، يكون الملك سلمان عدل بأمر ملكي ترتيب الخلافة التي كانت تقتصر حتى الآن على أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وفسح المجال للانتقال إلى حكم الجيل الثاني. ويشير سليمان نمر إلى أن الأوامر الملكية الجديدة شملت "تعيين عدد من الأمراء الصغار أو الشباب في مناصب مختلفة.. سفير في ألمانيا وسفير في إيطاليا وأحدهم أيضا مساعد لرئيس الاستخبارات أي أنه تم إرضاء الجيل الجديد من الأمراء بمناصب داخل المملكة".
وتابع نمر "كل هذا يشير إلى أن الأمير محمد بن سلمان يعمل على إرضاء الأمراء الشباب، أما الكبار فلم يعلن حتى الآن أي منهم عن أي موقف، ويبدو أن تعيين أبنائهم أو أحفادهم في مناصب داخل الحكم السعودي يجعلهم يسكتون على ما يجري". والأرجح أن تمهد هذه "المقايضة" الصامتة لتحول المملكة العربية السعودية إلى مملكة "سلمانية".