مدارات

قمة بديلة واحتجاجات حاشدة رافقت قمة العشرين

رشيد غويلب
تميزت قمة العشرين التي عقدت في هامبورغ الألمانية يومي 7 و8 تموز الجاري بكونها إحدى القمم الأكثر سخونة منذ انطلاقها في عام 2008 بسبب التوترات الثنائية والخلافات الجوهرية بين دول المجموعة وسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وخاصة ما تعلق منها بالمناخ والمصالح الاقتصادية. وحضر القمة قادة الدول الصناعية والناشئة الرئيسية، ما عدا الرئيس البرازيلي الذي منعته فضائح الفساد التي تحاصره من حضور القمة. وقد سبقت ورافقت اعمال القمة حركة احتجاجات حاشدة تنوعت اشكالها، وقمة بديلة طالبت بسياسة بديلة لسياسة المراكز الراسمالية العالمية والبلدان الصاعدة.
طبيعة مجموعة العشرين
وانطلقت قمة العشرين في سياق الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة، وتحولت بفعل تركيبتها الى اطار سياسي واقتصادي. والبلدان المشاركة فيها تعتبر هذه المؤسسة "المحفل الرئيس للتعاون الدولي في المسائل المالية والاقتصادية". ولاشك ان لهذه المجموعة وزنا مؤثرا: الدول الصناعية المتقدمة والبلدان الصاعدة تشكل ثلثي سكان العالم، وتساهم بـ 80 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي، 75 في المائة من التجارة العالمية. وفي الوقت نفسه تفتقد "مجموعة العشرين" لأية شرعية ديمقراطية. فليس هناك شرعية دولية لتشكيل المجموعة، ولا توفر الامم المتحدة مظلة شرعية لها. ولهذا طالب وزير الخارجية الالماني وآخرون بربط المجموعة رمزيا بالأمم المتحدة.
تتكون "مجموعة العشرين" من رؤساء اقوى 19 بلدا اقتصاديا في العالم، اضافة الى رئيس المفوضية الأوربية. ما عدا ذلك تتمتع اسبانيا بصفة ضيف دائم في اجتماعات القمة، التي يشارك فيها رؤساء العديد من المنظمات العالية مثل الأمم المتحدة، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة العمل الدولية، منظمة التجارة العالمية، منظمة التنمية والتعاون الأوربي المشترك، بالاضافة الى عدد من المنظمات الاقليمية المهمة.
قمة هامبورغ
عقدت القمة تحت تأثير السياسات "الجديدة" لإدارة الرئيس الأمريكي ترامب والتي جسدها شعار "امريكا أولا". هذه السياسات التي خلقت جدلا عالميا في قضايا مفصلية مثل قضايا المناخ، التجارة، الهجرة واللجوء، والتسلح. ولكن واقع التوازنات اجبر ترامب على القبول بعدد من الصيغ التوفيقية.
اتفقت المجموعة، بخصوص ملف التجارة الحرة المهم، على "اطار منفعة متبادل لأغراض التجارة والاستثمار". واقرت المجموعة حزمة من الإجراءات التي اعتبرتها "شرعية" لحماية التجارة. وبسبب سياسة ترامب الانعزالية، لم يحدد التزاما واضحا ضد الحمائية، وعليه ما قيمة الصياغات، اذا كان كل طرف يفسرها بطريقته؟ وبخصوص اتفاقية المناخ، عبرت جميع البلدان المشاركة، عدا الولايات المتحدة، عن التزامها بالمعاهدة والتأكيد على ان "لارجعة فيها". ورفضت القمة طلبا امريكيا باعادة التفاوض بشانها.
وتكررت الصيغ التوافقية بشان جملة من الملفات مثل الشراكة مع البلدان الأفريقية، الصحة، الهجرة، الأتمتة، العمالة، والنهوض بالمرأة. وعلى هامش القمة اتفق الرئيسان الامريكي والروسي على وقف اطلاق النار في جنوب غرب سوريا، وكذلك على محاولة جديدة لتنفيذ وقف اطلاق النار في اوكرانيا. ولكن القمة لم تعكس انفراجا حقيقيا في السياسة العالمية، بقدر ما تجنبت المواجهة المفتوحة في القضايا المتنازع عليها، لان ذلك يعني انفراط عقد المجموعة.
احتجاجات متنوعة وحاشدة
ترافق الإعلان عن عقد القمة في المانيا مع نشاط تحضيري واسع للقوى البديلة المتمثلة بقوى اليسار السياسي والحركات الاجتماعية، والمناهضين للعولمة الراسمالية. وبموازاة قمة العشرين كانت هناك قمة بديلة تحت شعار"سياسة اخرى ممكنة"، الى جانب نشاط تعريفي ونظري متنوع. ولم تنحصر المشاركة في النشاط الاحتجاجي على مدينة هامبورغ ومحيطها، بل كانت هناك مشاركة المانية وعالمية واسعة. ومن المفيد الاشارة الى اتساع النقد والرفض في معسكر المحتجين الى انجرار مجموعات متطرفة لاستفزازات الشرطة، علما ان لهذه المجموعات قاعدة في مدينة هامبورغ.
ومنذ مساء الثلاثاء بدأت التجمعات الاحتجاجية، والتظاهرات الرافضة لعقد القمة، ولسياسات المراكز المالية العالمية. وقد شهدت تظاهرات الخميس مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين. واكدت احدى ممثلات الحركة المضادة للعولمة ان الاستفزازات بدأت من الشرطة تجاه التظاهرة التي نظمتها مجموعات يسارية متطرفة تحت شعار "اهلا بكم في الجحيم" . وقد قامت الشرطة باعتقال اكثر من 120 متظاهرا، عدا الجرحى الذين بلغ عددهم 14 جريحا.
وشهد السبت التظاهرة الختامية، والتي دعا اليها تحالف واسع، وامتازت بسلميتها وحسن تنظيمها. وقد سارت التظاهرة تحت شعارها الرئيسي "التضامن اللا محدود بدلا من قمة العشرين" . وعلى الرغم من ان المشاركة فيها جاءت دون التوقعات التي تحدث عن امكانية مشاركة 100 الف متظاهر، حيث شارك فيها حسب المنظمين 76 الفا، في حين تحدثت الشرطة كالعادة عن 20 الف فقط. وركزت الشعارات المرفوعة في التظاهرة والكلمات التي القيت في تجمعها الختامي على رفض السياسات التي تفرض على العديد من شعوب العالم دون مشاركة من يمثلهم باقرارها، وبالخصوص تلك المتعلقة بملفات الحرب والسلام، والعقوبات الاقتصادية، والترحيل القسري للاجئين، واتفاقيات التجارة الحرة التي تسلب البرلمانات الوطنية حقها السيادي.