مدارات

مأساة "انقاذ اليونان" مستمرة

رشيد غويلب
بلغت الارباح التي حققتها المانيا في سياق ما يسمى برامج انقاذ اليونان 1,34 مليار يورو. جاء ذلك في جواب لوزارة المالية الالمانية على سؤال طرحته على الحكومة كتلة حزب الخضر في البرلمان الاتحادي.
للوهلة الأولى،يبدو كل شيء من الناحية الفنية واضحا، اذ تبلغ حصة المانيا من الارباح المتحققة من برنامج شراء السندات الحكومية اليونانية من قبل البنك المركزي الأوربي، منذ عام 2015 ما قيمته 952 مليون يورو. وتضاف الى ذلك الأرباح المتحققة من القرض الالماني، المخصصة لاعادة الإعمار، في عام 2010 ، والبالغه 400 مليون يورو، ولكن ئظرة موضوعية الى ملف الديون يقود الى زيف الصورة المرئية.
وبهذا الصدد يشيرخبراء المعهد الالماني للبحوث الأقتصادية الى ان اليونان تقوم بدفع المبالغ التي تحصل عليها من "برنامج الانقاذ" لتسديد الاقتصاد والفوائد المترتبة عليها، وسيكون هذا مصير الدفعة القادمة التي ستستلمها اليونان خلال هذه الايام والبالغة 8 مليار يورو.
المانيا الرابح من الازمة""
ان هذا الشكل من انقاذ اليونان يثير تساؤلات مشروعة لدى كتلة حزب الخضر في البرلمان الاتحادي. ويجد المختص في الشؤون المالية لكتلة الحزب سيفن كريستيان كندلر ان هذه الاجراءات ليست فعالة ولا تضامنية، ويطالب باعادة الارباح المتحققة الى اليونان: " لايمكن ان يكون هذا مقبولا، ان فولف غانغ شويبله (وزير المالية الألماني) يريد اعادة هيكلة الموازنة الالمانية من الأرباح المترتبة على اليونان".ويرى كندلر انه يمكن ان يكون مقبولا، وفق الشكلية القانونية، ان تربح المانيا من الازمه اليونانية. ولكنه امر غير شرعي، وعليه يجب ان تعادالارباح المستحصلة الى اليونان "وهو وعد قدم منذ وقت طويل".
ما الذي تحتاجه اليونان؟
ويشير الكثير من خبراء المال المنصفين الى ان القروض المشروطة والإملاءات سوف لن تخرج اليونان من ازمتها، وان ما تحتاجه البلاد هو الاستثمار لاعادة الحياة الى الاقتصاد اليوناني وجعله قادرا من الوقوف على قدميه. ولكن بدلا من ذلك، تطالب البلدان المانحة بتنفيذ برامج للتقشف اقسى من سابقتها: على سبيل المثال ينبغي ان تكون الإيرادات الحكومية، وبشكل دائم مرتفعة بما لا يقل عن 2 في المائة من الإنفاق الكلي، ما يعني المزيد من القضم لمداخيل الأغلبية الساحقة من السكان، فضلا عن ان الخبراء الاقتصاديين يعتبرون النسبة المطلوبة لما يسمى بالفائض الأولي مرتفعة جدا، ومن شأن الإلتزام بتجفيفها أن يؤثر سلبا على امكانية الاستثمار، المحدودة اصلا، والتي تشتد الحاجة إليه، وبدونه لايمكن لليونان ابدا خفض جبل الديون الذي يثقل كاهلها.
وبدأت الأزمة اليونانية في أواخر عام 2009 مع عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها نتيجة الزيادة الحادة لحجم الدين العام. وأدى ذلك إلى رفع الأسواق المالية الفائدة على السندات اليونانية وارتفاع التأمين على السندات اليونانية ضد التخلف عن السداد. ومع تزايد حجم الدين العام واجه الاقتصاد اليوناني ضعفاً في النمو، وهو ما عقد من وضع اليونان وصعب من قدرتها على الحصول على قروض جديدة لتسديد ديونها السابقة. وفي العام 2010، طلبت الحكومة اليونانية السابقة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة تتضمن قروضاً لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد.
وفي 21 شباط 2012، أقرت دول منطقة اليورو الحزمة الثانية لإنقاذ اليونان، والتي تضمنت جملة إجراءات خصصت لها 130 مليار يورو، فضلاً عن اتفاق لتبادل سندات ديون أثينا مع دائنيها من القطاع الخاص ينص على شطب 107 مليارات يورو. وتوصلت حكومة اليسار الحالية في 14 آب 2015 إلى اتفاق مع مجموعة الدائنين يقضي بحصول اليونان على حزمة جديدة من المساعدات تصل قيمتها إلى 86 مليار يورو بعد موافقة البرلمان اليوناني على شروط قاسية حاول تجنّب إقرارها لوقت طويل. ومنذ ذلك الحين تمارس المراكز المالية الراسمالية ابتزاز الحكومة اليونانية بهدف اسقاطها. ومن المعروف ان اموال برنامج "الانقاذ" مكنت اليونان من عدم اعلان افلاسها، الا ان سياسات التقشف القاسية التي يفرضها الدائنون حولت الركود الاقتصادي الى كساد.