مدارات

اليابان: تحالف واسع للدفاع عن الدستور

رشيد غويلب
بدأت الثلاثاء، الماضي في اليابان ، رسميا الحملة الانتخابية الانتخابات البرلمانية التي ستجري في الثاني والعشرين من هذا الشهر. وقد قامت جميع الاطراف في الحكومة والمعارضة بالتعريف بمرشحيها خلال تجمعات انتخابية شهدتها العاصمة طوكيو.
وتجمع انصار الحزب الشيوعي الياباني امام محطة قطار شينجوكو الكبيرة. وفي تصريح لجريدة " اساهي شينبون" اكد السكرتير العام للحزب الشيوعي الياباني كازو شي قائلا " أنه لم يسبق لحكومة أن داست على الدستور كما تفعل الحكومة الحالية"، واضاف "إن أهم سؤال في هذه الانتخابات هو ما إذا سيتم السماح لإدارة آبي (رئيس الوزراء) التي لا يمكن السيطرة عليها، بالاستمرار في ادائها المعروف ".
ومن اجل ازاحة التحالف الليبرالي الجديد الحاكم والمؤلف من الحزب الليبرالي الديمقراطي، والحزب البوذي "كوميتو" من السلطة، دخل الحزب الشيوعي الياباني في تحالف يضم الى جانبه حزبين معارضين آخرين. وفي السابع من الشهر الجاري اعلن ممثلو الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الليبرالي الديمقراطي اليساري، في مؤتمر صحفي مشترك، تحالفهم الانتخابي الجديد. وشارك في المؤتمر الصحفي أيضا ممثلون عن "التحالف المدني من أجل السلام والحياة الدستورية"، الذي يضم نشطاء سابقون في الحركة المناهضة للحرب، ومبادرات مجتمعية مثل "أمهات ضد الحرب".
واتفقت الأحزاب الثلاثة على رفض "تعديل" الدستور اليابانى. ويخطط رئيس الوزراء الحالي الى افراغ المادة التاسعة من الدستور، التي تلزم اليابان بالسياسة السلمية. وبهذا تحاول الحكومة ازالة ما يتعارض مع سياستها الساعية الى العسكرة والسماح بتدخل الجيش الياباني، باشكال مختلفة، في الصراعات العسكرية الخارجية الى جانب بلدان الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويدعو التحالف الانتخابي الجديد أيضا إلى الغاء "قانون الأمن" الذي أقر في عام 2015 . كما يدعو التحالف الى انهاء استخدام وتطوير الطاقة النووية، الذي تتمسك به الحكومة، على الرغم من النتائج المروعة لكارثة فوكوشيما النووية في آذار 2011 . ويعارض التحالف الزيادة في ضريبة المستهلك بدءا من عام 2019 من 8 الى 10 في المائة، والتي يعتبرها التحالف خطوة غير اجتماعية.
وفي الثامن من الشهر الحالي دعا قادة احزاب التحالف الجديد وممثلو المنظمات الداعمة له الى تجمع كبير في احدى ساحات العاصمة. ووفق جريدة الحزب الشيوعي الياباني "أكاهاتا" ، فان "مرحلة جديدة" بدأت للعمل المشترك بين احزاب المعارضة.
وسيجري انتخاب 295 عضوا في البرلمان في 249 دائرة، وقد تمت تسمية مرشحين مشتركين لقوى التحالف تغطي جميع الدوائر، وفق نظام الاكثرية الانتخابي. وهناك 180 مرشحا آخرين سيتنافسون في 11 دائرة انتخابية يجري التصويت فيها وفق نظام التمثيل النسبي .
وينص الدستور الياباني، الذي اقر في 3 ايار 1947 ، في اعقاب مأساة القصف الوحشي الامريكي بالقنابل النووية لمدينتي هيروشيما و ناغازاكي ، في مادته التاسعة، على تخلي الشعب الياباني " وفي جميع الاوقات عن الحرب كحق سيادي للامة، وعن التهديد واستخدام القوة كوسيلة لحل النزاعات الدولية". وتتضمن المادة أيضا "من اجل تحقيق الهدف الوارد في الفقرة السابقة، سوف لا يتم تمويل أية قوات مسلحة في البر والبحر والجو. ولا يعترف بحق الدولة في شن الحروب".
إن هذا الدستور ما زال نافذا، على الرغم من تجاهل مضمونه السلمي بشكل تدريجي في اجواء الحرب الباردة في خمسينيات القرن الفائت، عندما تم في عام 1954 تحت تأثير الولايات المتحدة وتدخلها المباشر تأسيس «قوات الدفاع الذاتي»اليابانية . وعبر «اتفاقية الأمن» مع الولايات المتحدة تم جر اليابان الى اطار الخطط العسكرية الامريكية في الشرق الاقصى. وتحتفظ الولايات المتحدة الى يومنا هذا بقواعد عسكرية كبيرة في الجزر اليابانية، على الرغم من الانهاء الرسمي للاحتلال الامريكي لليابان منذ عقود. ولكن نشاط الجيش الياباني ظل محصورا من الناحية الرسمية في الدفاع عن البلاد في حال وقوع اعتداء خارجي عليها.
وطيلة عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تجرأ الأوساط الحاكمة على الغاء مواد الدستور التي تؤكد سلمية النظام السياسي الياباني، او تعديله. ويعود الفضل في ذلك الى حركة الإحتجاجات الواسعة التي تصدت الى جميع المحاولات السابقة، والتي جسدت توق مواطني اليابان الى العيش بسلام والمحافظة على الدستور باعتباره الضامن لذلك.