مدارات

الشهداء:زكي محمد بسيم، منذر أبو العيس وحمزة سلمان / ناصر حسين

عندما اتخذت السلطات القمعية للنظام الملكي المباد إجراءاتها لتنفيذ احكام الإعدام الصادرة بحق قادة الحزب الأماجد: يوسف سلمان يوسف (فهد)، حسين محمد الشبيبي، وزكي محمد بسيم أواسط شباط 1949 تعمدت تأخير تنفيذ الحكم بحق الشهيد زكي يوماً كاملاً بعد تنفيذه بالشهيدين فهد وحسين الشبيبي، مستهدفة التأثير على معنوياته. إلا ان القائد الشيوعي المقدام فاجأهم بثباته ومعنوياته العالية وهدوء الاعصاب الملفت للنظر.
ليلاً أرسلوا أحد عناصرهم إلى زنزانته ليحاوره والضغط عليه لجعله يتراجع عن موقفه الباسل في مواجهة الموت.
وكما لاحظ جيفارا كيف يرتعش خوفاً، الشخص الذي كلفوه بإطلاق النار عليه وتحداه، لاحظ الشهيد زكي محمد بسيم كيف كان من كلفوه بمحاورته مرتبكاً ويتلعثم فتحداه بأن اشار الى أنه يعرف أنه سيعدم صباحاً لكنه اكثر هدوءاً منه، وطالبه بأن يهدأ كي يستطيع التحدث معه: وهكذا باءت محاولتهم بالفشل. والمعروف أن الشهيد زكي في لحظة تنفيذ حكم الإعدام به في الخامس عشر من شباط عام 1949 خاطب الجلادين بالقول: "عشت شيوعياً وأموت شيوعياً، ولو قدر لي أن أعود الى الحياة ثانية، لما اخترت طريقا آخر غير طريق الشيوعية".
أما الشهيد منذر أبو العيس فالمعروف ان المجلس العرفي العسكري في بغداد أصدر حكما جائرا بإعدامه شنقا حتى الموت بتهمة ملفقة من ألفها الى يائها واودع سجن بغداد المركزي في باب المعظم.
وفي عام 1960 علم الشهيد وعلم الحزب وجمهور بغداد والكاظمية، بان حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم قد حددت موعدا لتنفيذ الحكم. فتقاطرت الوفود الى السجن لزيارة منذر زيارة الوداع، وقد كنت احد زواره في سجنه.
إدارة السجن فتحت باب الزنزانة. وعندما وصلت كان الشهيد منذر يقف في ساحة صغيرة أمام الزنزانة. ما زلت أذكر وقفته الشامخة بيننا وهو يرتدي بيجامة خضراء اللون. كان طويل القامة، ممتلىء الجسم، مرفوع الرأس يحدثنا وهو يتطلع الى امام. وفجأة امتقع لونه والتفت الى شاب يتجه نحونا وهو يبكي ويمسح دموعه بيديه، فصاح به:
لا، لا ياجبان وفتح ذراعيه يضمه الى صدره.
علمت لحظتها أن ذلك الشاب هو ابن عم الشهيد منذر.
ودعنا الشهيد، وغادرنا الساحة ليلتحق بعضنا بالجمهور المعتصم في شارع الرشيد قبالة وزارة الدفاع حيث مكتب عمل الزعيم عبد الكريم. وأعلن المعتصمون بأنهم لن يغادروا ما لم يلغ قرار إعدام منذر أبو العيس. واستمر الاعتصام فعلا الى أن أعلن بان الزعيم قرر تأجيل تنفيذ الحكم. لاحظ أيها القارىء الكريم: تأجيل تنفيذ الحكم وليس إلغاءه.
بقي حزينا، وبقيت جماهير شعبنا تطالب بإلغاء أحكام الإعدام الجائرة الصادرة من المجالس العرفية بحق مناضلي حزبنا، تلك المطالبات التي لم يستجب لها الزعيم إلا أواخر عام 1961، حين صدر البيان القاضي بتحويل احكام الإعدام الى السجن وشمول المعنيين بالقرار بالفقرة التي تنص على تخفيض أحكام السجناء بنسبة خمسين بالمائة من أصل الحكم. اثر ذلك أي في عام 1962 نقل الشهيد منذر ابو العيس الى سجن نقرة السلمان الصحراوي ليمضي فيه العام 1962 حاله حال بقية السجناء والمعتقلين الشيوعيين مثل حمزة سلمان وعبد الرزاق علي بيج وعبد المهدي الحاج حسون....
عام 1963 وبعد الانقلاب الفاشي في الثامن من شباط استدعى النقلابيون الشهيدين منذر أبو العيس وعبد الرزاق علي بيج.
والاخير معلم في مدينة عين التمر في محافظة كربلاء كان قد حكم عليه بالإعدام حاله حال الشهيد منذر والغي الحكم بقرار الغاء أحكام الإعدام وتحويلها الى السجن.
نعم، استدعى الانقلابيون الشهيدين منذر وعبد الرزاق من السجن الى بغداد وأعدموهما لكونهما شيوعيين ليس إلا، تماما مثلما فعلوا مع الشهيد حمزة سلمان.
الشهيد المحامي حمزة سلمان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اختطف منه بناية نقابة المحامين في المنصور ببغداد، أوائل شهر تشرين الثاني عام 1961 ونقل الى سجن نقرة السلمان. وهذا ما أكده شاهد عيان رأى بنفسه عملية اختطاف الشهيد حمزة سلمان من بناية النقابة. امضى الشهيد حمزة سلمان العام 1962 بكامله في سجن نقرة السلمان حتى شباط 1963 حين استدعاه الانقلابيون الفاشست من سجنه ونقلوه الى قصر النهاية الذي حوله الانقلابيون الى معتقل للتعذيب والقتل لمناضلي الشعب العراقي على ايدي كبار الجلادين وفي المقدمة منهم محسن الشيخ راضي، منذر الونداوي، حازم جواد...الخ. يؤكد البعض ممن كانوا في المعتقل آنذاك ان الشهيد حمزة سلمان لدى وصوله الى قصر النهاية كان العديد من كبار الجلادين موجودين فيه. وحتى رئيس جمهوريتهم آنذاك عبد السلام عارف كان موجوداً.
تحدثوا معه وهددوه بالموت، وسألوه ((الا تخشى الموت؟)) التفت إليهم يسألهم "وأين هو الموت؟ انا أبحث عنه".
وهكذا دخل الشهيد حمزة سلمان سجل الخالدين كما دخله من قبل ومن بعد الشهداء فهد، زكي بسيم، حسين الشبيبي، سلام عادل، محمد حسين أبو العيس، حسن عوينه، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، عبد الجبار وهبي- أبو سعيد- عايدة ياسين مطر، فوزية محمد هادي الخفاجي، رسمية جبر الوزني، فريال السامرائي، موناليزا أمين، رضية السعداوي، ومنذر أبو العيس.
المجد لجميع الشهيدات والشهداء.
والتحية للذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي.