مدارات

اللقاء الأول والأخير مع الرفيق فهد / الفريد سمعان

نشرت جريدة "طريق الشعب" بتاريخ 14 شباط 2013 العدد 125 مقالا تحت العنوان اعلاه، وجاءت بعض المعلومات غير صحيحة، كما لم يذكر اسم كاتب المقال لكي نتعرف عليه.
وأود للحقيقة والتاريخ ان اسجل بعض الملاحظات واصحح بعض الاخطاء التي ربما وردت عرضا وربما احاط بها بعض النسيان او الايام القاسية.
لقد كان معتقل (ابو غريب) يتألف من معتقلين احدهما انفرادي وآخر جماعي حيث ثبت فيه المعتقلون حسب محافظاتهم وكنت احد الذين يشغلون زنزانة انفرادية وكان المعتقل على شكل حرف T باللغة الانكليزية.. في الاعلى اربع زنزانات يشغلها من اليسار الرفاق شريف الشيخ ثم الفريد سمعان بجواره جمال الحيدري وصابر والرابعة يشغلها زكي بسيم وهنالك ممر بعرض متر واحد في الركن المواجه للزنزانات الاربع الرفيق فهد يقابل زنزانته والممر بجواره عزيز الحاج ومن ثم غضبان السعد يقابلهما من الجهة الثانية عبد الرحيم شريف.. كامل قزانجي ثم جلال عبد الرحمن ومن وسط الممر حسين الشبيبي ثم يهوذا صديق.
لقد كانت الزنزانة التي تضمني مقابل الممر، وكنت ارى كل الرفاق اثناء ذهابهم الى المرافق الصحية صباحا لاني فتحت ثقبا صغيرا في الباب وقد اكتشفه نائب العريف (هجول) وداهمني ليلا والبرد قارص وكان يصرخ ويهدد وكان الوقت شتاء كانون الثاني 1949 ورغم المقاومة قام بسحب البطانيتين القذرتين اللتين كانتا في الزنزانة.. وبعد صراخ مع الحرس وعودة الهدوء طرق الرفيق فهد باب زنزانته التي كانت تقابل زنزانتي وزنزانة ر. شريف الشيخ وجاء العريف حسين الذي كان يقوم بتلبية طلبات الرفيق فهد.. وعندما فتح الباب سأله الرفيق فهد.. ما هذه الضجة، لماذا تتعاملون مع الرفيق (وهو يقصدني) بهذه الطريقة؟ فأجاب انه (زعطوط) فاجابه الرفيق (عيب عليكم ان تخافوا حتى مما تقولون عنه (زعطوط) وتأتون به الى هنا اعيدوا له البطانيات) وقد امتثل العريف حسين لذلك واعادوا لي البطانيات بعد ان اغلقوا الثقب المفتوح في الباب (بالجص) قمت بعد ذلك بفتح (ثقب اخر) وكنت اغلقه بالتمر لكي لا يتسرب فيه الضوء وعندما أقوم بمراقبة الممر افتحه حسب الحاجة وفي النهار حيث لا يوجد فانوس ولا يتسرب ضوء.
وقد شاهدت بنفسي الرفيق فهد اثناء اقتياده لتنفيذ حكم الاعدام مثقلا بالقيود وصرخ وداعا يا رفاق وداعا وكررها مرتين وقال له الرئيس حمدون آمر المعتقل الذي كان يرافقه.. (سمعوك سمعوك).
وبعد ذلك اقتادوا الرفيق الشبيبي وليس زكي بسيم كما جاء من المقالة المنوه عنها وقال: (في امان الله اخوان في امان الله رفاق) بصوت هادئ وبعد ذلك جلبوا يهوذا صديق الى زنزانة الرفيق فهد حيث جرى اقتياده في اليوم الثاني وكان موقفه ضعيفا.. ثم الرفيق زكي بسيم الذي نادى بصوت مرتفع وجهوري وبقوة وحزم (اودعكم يا رفاقي الموقوفين وانا في طريقي الى المشنقة) وكرر ذلك مرتين وكأنه كان يعوض تخاذل يهوذا الذي اخذوه قبله والغريب لا ادري من هو هذا الرفيق الذي كان بجوار الحيدري كما يقول الكاتب.
لاني (انا) الذي كنت بجواره واضيف بان الوصي بنفسه جاء للمعتقل وطرح اسئلة بواسطة آمر المعتقل اجاب عليها ر. بسيم بشجاعة وايمان وتحد وهنالك ملاحظة اخرى فقد طلبوا من الرفيق فهد ان يستدعي من يريد، فذكر سيدة من اقاربه كانت مع اولادها وبناتها توفر له المكان الآمن والحماية في محلة (صبابيغ الآل) وكنت اعرفها واصبح ولدها فيلكس رزوق (عديلي) وقد توفي رحمه الله في لندن قبل بضع سنوات وجاءوا له باخيه داود الذي كان في المعتقل الاخر الذي اشر ت اليه وقد بكى وواساه الرفيق فهد. اما بصدد ما قاله الرفاق وهم يرتقون درجات المشنقة فقد قال ر. فهد (إشنقوا فالشيوعية اقوى من الموت وأعلى من المشانق) وتم تنفيذ الحكم في ساحة المتحف في حين تم شنق الرفيق الشبيبي في باب المعظم والرفيق زكي بسيم في الباب الشرقي وقد ردد البيت الشعري.
(وان الذي يسعى لتحرير امة يهون عليه القيد والموت والسجن)وهذه المعلومة سمعنا بها ولم اكن شاهدا عليها وبالمناسبة فقد طوق المعتقل اثناء اصطحاب الرفاق الى المشنقة بالدبابات لان الرفاق الذين كانوا يقودون الحزب آنذاك هددوا السلطة بمهاجمة المشانق وحرقها وتحدوها باكثر من تظاهرة عنيفة قاتل فيها الرفاق رجال الشرطة من ساحة الوثبة وأماكن اخرى من بغداد بالعصي والحجارة قبل تنفيذ حكم الاعدام.
وأضيف ان كاتب المقالة لم يذكر اضرابنا عن الطعام الذي دام ثلاثة عشر يوما.
أرجو ان اكون قد وفقت لرفع بعض الالتباس الذي ورد في مقالة الرفيق الذي اجهل اسمه رغم اني كنت وما زلت اعرف كل المعتقلين الذين كانوا في الزنزانات الانفرادية كما كان هنالك في الطرف الآخر من المعتقل الانفرادي زنزانات جماعية كانت تضم مجموعة من الرفاق الاكراد منهم عزيز محمد واحمد عبد الغفور وكذلك الارمن والاثوريون منهم آراخاجادور وانترانيك واسطيفان.
تحية للرفاق الابطال والمجد والخلود لكل شهداء الحزب رفاق الطريق وقادة المسيرة الشاقة.