مدارات

"الميدان"- جريدة الحزب الشيوعي السوداني : العمل النقابي اليساري العربي والمهمات الراهنة / كمال كرار

شهدت أربيل انعقاد السيمنار النقابي اليساري الأول وهي مبادرة دعا لها الحزب الشيوعي العراقي بمساهمة الحزب الشيوعي الكردستاني وانطلقت أعمال السيمنار يوم الخميس ٢٤ تشرين الأول/أكتوبر، واستمرت جلساته ثلاثة أيام، تناول خلالها المشاركون جملة قضايا تخص دور النقابات ومنظمات اﻟﻤﺠتمع المدني، في الحراك السياسي الراهن بالمنطقة. وهذا تلخيص لأهم ما دار في السيمنار من مداولات.

شكر وتقدير لسفير وشعب العراق :

شكرت السفير العراقي بالخرطوم، الذي استضافني بمكتبه ومنحني فيزا الدخول لبلاده في ثوان وعلى شكل إكرامي دون رسوم، ووجدت من طاقم السفارة كل ترحيب واهتمام. واكتشفت بعد ذلك أن الشعب العراقي كله مسكون بحب السودانيين ونضالهم وحزبهم الشيوعي وهبطت بي الطائرة بعد يوم من ذلك في مطار أربيل بإقليم كردستان العراق فاستقبلني الرفاق الشيوعيون في الحزبين الشيوعي العراقي والكردستاني بالود والترحاب والبشاشة التي يتميزون بها، وحدثني الرفيق نبيل ونحن في الطريق لوسط المدينة عن الترابط والتواصل بين الشعبين العراقي والسوداني عبر التاريخ، وعن الود الخاص الذي يحملونه للحزب الشيوعي السوداني، وحدثته عما نحمله نحن الشيوعيين السودانيين من تقدير وحب للشيوعيين العراقيين والأكراد وعن بطولاتهم الخالدة في أعماقنا.
عندما حلقت بي الطائرة فوق مطار أربيل وهي عاصمة كردستان العراق، لاحظت حركة العمران المتنامية، والخضرة الزاهية جنباً إلى جنب مع التخطيط البديع للمدينة والمظهر الجمالي الذي تعبر عنه التماثيل واﻟﻤﺠسمات التي تملأ الساحات.
بعد نصف الساعة كنا في فندق (جوارجرا) الأنيق الساحر وهي كلمة كردية تعني المصابيح الأربعة، وهنالك وجدت الرفاق ممثلي الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية المدعوون، كان النقاش مثمراً في تلك القاعات البديعة، لحيوية القضايا المطروحة، فكرياً وسياسياً، أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي وانعكاساتها عربيا، واقع العمل النقابي العربي ودور اليسار فيه، والعمل النقابيّ العربي والمهمات الراهنة في حركة التغيير.

الواقع السياسي في البلدان العربية:

افتتح اليوم الأول بكلمة الرفيق حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ثم كلمة كاوه محمود وزير الثقافة في حكومة الإقليم، بعدها ألقيت كلمات الوفود المشاركة في السيمنار.
وناقش اﻟﻤﺠتمعون في اليوم الأول، الواقع السياسي في البلدان العربية، واﻟﻤﺨاطر المحدقة بثورات الربيع العربي، وشددوا في خلاصة حديثهم على ضرورة استكمال النضال السلمي، وصولاً إلى هدف مرحلي هو بناء دول مدنية ديمقراطية تتمتع شعوبها بالعدالة الاجتماعية.

زيارة الى مسعود البارزاني

وبعد استكمال المناقشات، توجهت الوفود المشاركة إلى زيارة السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق.
وفي أجواء ودية استقبلنا البارزاني، مرحبا بنا ومؤكدا على حرص قيادة الإقليم على توطيد العلاقات مع حركة اليسار والقوى الديمقراطية والمدنية في المنطقة. وتحدث عن التجربة الكردستانية وما حققته من انجازات خلال السنوات التي أعقبت انتفاضة ١٩٩٠ ومنها تحقيق المصالحة الوطنية في الإقليم وبناء التجربة الديمقراطية وتحقيق النمو والتطور في الميادين اﻟﻤﺨتلفة، مشيدا بموقف الشيوعيين العراقيين ومشاركتهم البارزة في النضال الوطني من اجل الديمقراطية للعراق وتحقيق الحقوق القومية المشروعة لشعب كردستان ثم تكلم سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق حميد مجيد موسى شاكرا رئيس الإقليم على هذا اللقاء والحفاوة التي استقبلت بها الوفود المشاركة في السيمنار اليساري الذي يعقد في العراق بعاصمة الإقليم. وشرح ابرز الموضوعات التي يتناولها السيمنار، ومنها الظروف السياسية والحراك الذي تشهده المنطقة، وتطلع شعوبها للخلاص من الأنظمة الدكتاتورية والظلم والتخلف والاضطهاد السياسي، والعيش في أجواء الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية.
بعد ذلك تحدث، باسم الوفود المشاركة، الرفيق فرج طميزة نائب الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، شاكرا رعاية الإقليم لهذا اللقاء.
وعبر عن التقدير للانجازات التي تحققت في كردستان العراق، خصوصا التفهم لأهمية التعددية السياسية وحرية الرأي الآخر.
بعد ذلك توجهنا إلي مقبرة شهداء الحزب الشيوعي العراقي في أربيل، التي تضم رفات شهداء الحزب الذين كان لهم شرف الإسهام في حركة الأنصار التي قارعت الدكتاتورية، مع أنصار (بشمركة) الأحزاب الكردستانية.
وكانت الزيارة مناسبة للحديث عن الشهداء ومآثرهم البطولية، وكما قال الرفيق أركان ( الفلسطيني) فهم رحلوا بأجسادهم ولكنهم باقون في ذاكرة النضال يشحذون الهمم والمقاومة.

نضال جماهيري بلا هوادة:

واصل السيمنار أعمال يومه الثاني، صبيحة الجمعة الماضية، بالوقوف دقيقة صمت، تخليدا لذكرى شهداء الطبقة العاملة العربية والعالمية، واستذكارا لفقيد الحزب الشيوعي اللبناني، ورئيس تحرير مجلة «الطريق» الرفيق محمد دكروب الذي رحل الخميس الماضي.
وناقش اﻟﻤﺠتمعون موضوعين أساسيين، تضمنتهما ورقة مقدمة من قبل لجنة المتابعة لقوى اليسار في البلدان العربية، مظاهر أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي، والعمل النقابي اليساري العربي والمهمات الراهنة.
كانت أولى المداخلات، مداخلة الحزب الشيوعي العراقي، قدمها الرفيق حسان عاكف عضو المكتب السياسي للحزب، التي أكد فيها أن التطور الرأسمالي هو النهج المُرجح، في بلداننا العربية على المدى المنظور، ولأن خيارنا الاشتراكي هو من يضع البلاد على طريق التنمية الشاملة، من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وقال: نضج شروط تحقيق هذا الخيار، تبقى صيرورة نضالية طويلة الأمد، ولهذا فإن خوض نضال جماهيري لا هوادة فيه، يظل واحداً من أبرز مهام قوى التقدم.
كما تحدث عن استقلالية العمل النقابي، وإبعاده عن هيمنة الحكومة أو الأحزاب، والاستقلالية لا تعني عدم انخراط حزبين ناشطين في هذا العمل، أو ابتعاد النقابات عن العمل السياسي الديمقراطي في إطاره العام. ثم قدم رئيس نقابة البناء والمشاريع، في محافظة السليمانية عبر الشاشة صوراً لمعاناة شرائح من الطبقة العاملة في السليمانية وآثار إصابات العمل.
ثم جاءت مداخلة ممثل الحزب الشيوعي اللبناني، أشار فيها الى واقع الاتحادات العمالية الرسمية التابعة للسلطة، والتي دخلت فيها الآن، الطوائف والمناطق والأحزاب، مما صعَّب عمل القوى اليسارية. كما تحدث عن تجربة العمل النقابي في لبنان، ووجود ٥٢ اتحاداً عمالياً، تضم أكثر من ٧٠٠ نقابة، في ظل منع العمل النقابي في القطاع العام، وفي كثير من مواقع القطاع الخاص.
ثم قدم ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مداخلته، التي أشار فيها إلى أن المدى المنظور يؤشر بقاء المنطقة العربية، تحت وطأة السياسة الأمريكية، التي تنظر الى منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها ساحة لمصالحها الاقتصادية والإستراتيجية. ودعا الرفيق لعولمة تحقق نظاما عالميا منصفا ومتكافئا، نظام يحترم الإنسان، ويتفاعل مع كل الثقافات، لبناء عالم آخر، عالم العدالة والحرية الحقيقية، ثم جاءت مداخلة ممثل حزب التقدم والاشتراكية المغربي، التي أكد فيها أن البيروقراطية والتبعية، هما ما يعاني منهما العمل النقابي، الذي اعتبره ليس تنظيماً موازياً لحزب ما، بل هو رافد من روافد الحركة الثورية.
الرفيق ممثل جبهة التحرير الفلسطينية، أكد في مداخلته، ضرورة تفعيل دور اليسار، عبر التوحد الفكري، والتوجه لدعم الاقتصاد الوطني، والاتجاه نحو عملية التغيير الديمقراطي، وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. وأشار الى معاناة الطبقة العاملة الفلسطينية، ومصاعبها الاقتصادية والاجتماعية، من جراء الاحتلال الإسرائيلي وحالة الانقسام الفلسطيني.
ثم تحدث الرفيق ممثل الحزب الشيوعي الكردستاني، مشيراً في مداخلته الى حاجة الجماهير الشعبية للعمل الديمقراطي النقابي، للدفاع عن مصالحها السياسية والمطلبية.
خصوصاً في ظل الوضع الحالي، الذي يتميز بانتعاش نضالات الجماهير الشعبية.
ثم كانت مداخلة ممثل الحزب الشيوعي المصري، وفيها أشار الى أهمية هذا اللقاء الذي يأتي ومصر قد نجحت في إسقاط المشروع الأمريكي، الذي كان يسعى لتمكين الفاشية الدينية من حكم مصر. ونوه الرفيق بدور عمال مصر في كسر حاجز الخوف لدى الشعب المصري، عندما تظاهروا من أجل إسقاط نظام مبارك.
وقدمت مداخلة الحركة التقدمية الكويتية التي أشارت إلى أن الطبقة العاملة الآن، هي ليست تلك التي كانت في القرن التاسع عشر، إذ هناك تغير في البنية، كما تغيرت بنية النظام الرأسمالي، وتحدثت المداخلة عن الحركة العمالية في الكويت، وأشارت إلى أن الإسلاميين غير معنيين بها، ولا هي في دائرة اهتمامهم. فالأخوان المسلمون في الكويت لديهم بنوك وشركات، وهم حلفاء وشركاء طبقيون للحكام. .ثم تحدث ممثل جبهة التحرير البحرينية، عن الحركة النقابية العمالية في البحرين، والصراع داخلها ومع أصحاب العمل والحكومة. كما تحدث عن اتصالات عمال البحرين بالحركة العمالية العالمية، والمشاركة في الكثير من فعالياتها.
أما مداخلة الحزب الشيوعي الأردني، فقد أوضحت واقع الحركة العمالية الأردنية، وعلاقة الحركة بالربيع العربي، ومهامها في المرحلة المقبلة، ثم دعوة الحزب الى برنامج يساري للعمل النقابي، ممثل حزب الشعب الفلسطيني، تحدث عن أثر الانقسام الفلسطيني الداخلي على الحركة النقابية العمالية.
وقدم الحزب الشيوعي السوداني ورقة عن تاريخ الطبقة العاملة السودانية ونضالاتها، والدور الذي لعبه الحزب الشيوعي السوداني في بناء النقابات وتعزيز نضالها، والواقع الحالي للعمل النقابي، مؤكدا ضرورة تغيير القيادات الانتهازية الحالية، في الاتحاد الدولي للعمال العرب، وانتزاع اتحاد عمال أفريقيا من القيادة الحالية، مشيرا للجهود المثابرة لخلق حركة نقابية ديمقراطية عامة في السودان، تعبر عن العمال وتدافع عن حقوقهم الاقتصادية والسياسية.

البيان الختامي وبرنامج العمل:

وفي ثالث أيام السمنار، اتفق ممثلو الأحزاب والحركات اليسارية على برنامج عمل تنسيقي طرحت فيه المهام التي من الممكن العمل عليها كقوى يسارية في البلدان العربية؛ تخص التضامن والعمل المشترك وحملات المدافعة من اجل تشريع قوانين تخص مصالح العمال.
كذلك التفكير بلجنة تنسيق الجهود، كما أقر اﻟﻤﺠتمعون صيغة البيان الختامي.

رابطة الانصار الشيوعيين العراقيين

أمسية الجمعة ٢٥ تشرين الأول/أكتوبر ذهبت ومعي الرفاق من الأحزاب الأخرى إلى مقر رابطة أنصار الشيوعيين العراقيين، وهم من قاتلوا وحملوا السلاح مع الأكراد ضد النظام البائد، فاستقبلتنا اللجنة التنفيذية وعلى رأسها الرفيق الجنرال حيث سرد لنا تاريخ الرابطة ونضالها وهو تاريخ الكفاح المشترك للشيوعيين والأكراد والدماء التي سالت لأجل حرية وكرامة العراق وحقوق شعوبه عربا كانوا أم أكرادا أم تركمان أم آشوريين.
وكان السيمنار فرصة لحديث طويل مع الرفيق حميد مجيد (أبو داوود)، ينشر لاحقاً بالميدان، وسانحة للتعرف عن قرب برفاق النضال في الأحزاب اﻟﻤﺨتلفة، أبو سمير سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني، وحمدي من الحزب الشيوعي المصري وكاسترو من الشيوعي اللبناني، ومحمد المغربي وأركان الفلسطيني و(العم) ورفيقته من الحركة التقدمية الكويتية والرفاق الآخرون من الأردن والبحرين.

خذني للحزب خذني

أما الرفاق في الحزبين الشيوعي العراقي والكردستاني فقد استقبلونا بالمحبة وودعونا والدموع تترقرق في المآقي، أبو سلام وابو نصار وفرمان وجاسم الحلفي وأبو داوود وأبو سمير وولاء وأبو الشفيع والآخرون والأخريات الذين حرصوا على أن نختتم البرنامج بليلة بهيجة من الطرب العراقي والكردي والتركماني أحيتها فرقة موسيقية رائعة غنت المقام العراقي وخدني إلى الحزب خدني، وكنا قد زرنا القناة الفضائية (ريكا) التابعة للحزب الشيوعي الكردستاني ومقر صحيفة الطريق.
في الطريق لمغادرة أربيل عبر الشوارع الأنيقة النظيفة، لمحت القلعة التاريخية التي تحكي عن تاريخ المقاومة والنضال، وآثار القصف الجوي ما زالت بها، ورنت في أذني جملة قالها فرمان (أنا أحب الرفاق في حزب عبد الخالق محجوب)، وتحايا من القلب حملني إياها أبو داوود للحزب الشيوعي والشعب السوداني فنزلت دمعة تأبى الفراق وتأمل في لقاء قريب يوم أن ينتصر الشعب السوداني على جلاده كما انتصر العراقيون والأكراد والتركمان والآشوريون على الطغاة عبر التاريخ.