مدارات

اخترن الانتحار حلا نهائيا لمشاكلهن ! / سهاد ناجي

لم تمتلك "مها" خياراً آخر سوى الانتحار، لتتخلص من مشكلة الديون التي أثقلت كاهلها والتي لم تستطيع الإيفاء بها، فقد رفض ذووها مساعدتها في محنتها تلك، وذلك بإقراضها مبلغا كي تستوفي بعض ديونها، فالكثير من الدائنين اخذوا يطرقون بابها ويتشاجرون معها مطالبين إرجاع أموالهم، فاخذ الخوف منها مأخذاً، كأن يلتقي احد الدائنين بزوجها ويخبره بالأمر، مما يتسبب بحدوث مشاكل لا أول لها ولا آخر. وبدون شعور منها تقدمت ببطء نحو مسدس زوجها المخبأ في احد أدراج المكتب والتقطته لتطلق رصاصة واحدة نحو جبهتها، وترحل بصمت، تاركة وراءها طفلتين صغيرتين لم تبلغا بعد الثانية والرابعة من ع?رهما، وزوج حائر لا يعرف ما الذي يفعله.
أما "هدى" البالغة سبعة عشر عاما وبعد أن ضربها زوجها أمام والدته وأهانها، لجأت للانتحار بسكب النفط الأبيض على جسدها وإحراقه، فيما الأرملة "جنان" وأم لخمسة أبناء عاشت ليلة صعبة ووضعا نفسيا سيئا قبيل انتحارها شنقا بحجاب رأسها، لرفض أهلها زواجها السري من اخي زوجها المتوفى واعتدائهم عليها بالضرب أمامه، و"بشرى" تناولت السم بعد فشل عمليات التجميل العديدة لجسدها المشوه بسبب الحروق، والذي كان سببا لعزوف الشباب من التقدم للزواج منها.

عنف وتدهور امني

قد تختلف طرق انتحار النساء، لكنها تتشابه لنفس السبب وهو ظلم مجتمعنا ألذكوري للمرأة الذي يجبل على تعنيفها دون سواها، ولا يغفر لها أي ذنب ترتكبه بل يحاسبها لذنوب غيرها، نظرا لأمرين أولها :تعسف الأعراف العشائرية بحقها ك"النهوة والفصلية وزواج الكصة بالكصة وغيرها"، وثانيهما السلطة الأبوية للرجل او ما يعرف بالعنف الأسري، فلا يحق لها تقرير مصيرها بنفسها في أمور تخص حياتها، بل بعضهن يتعرضن للضرب والاهانة وبشكل يومي ومستمر، وأخريات يتعرضن للخيانة الزوجية،او يتزوج زوجها بامرأة أخرى، ومنهن من تفشل في علاقتها العاطفية?او الدراسية، ما يجعلها تسأم من الحياة وتفقد ثقتها بنفسها، لتصل مرحلة من اليأس بحيث تختار الانتحار حلا أخيرا.
وحسب خبراء اجتماعيين من الأسباب المضافة لارتفاع معدلات الانتحار "الوضع الأمني السيئ في البلد والتهديدات بالقتل وارتفاع معدلات البطالة والفقر" والتي أفضت لحالات اكتئاب وخوف وقلق لدى العديد من العراقيين خاصة النساء منهم وبالأخص ممن فقدن المعيل الوحيد للعائلة وضياع الملاذ الآمن لها ولأطفالها، وبالتالي فضلن الانتحار بدل تحمل مسؤولية العائلة لوحدها.

غياب الإحصائيات المؤكدة

الأنكى من ذلك أن الكثير من العوائل تتكتم على خبر وفاة بناتها انتحارا، باعتباره خللا اجتماعيا في منظومة الأسرة والعشيرة، وخوفا من النظرة الاجتماعية الضيقة التي سترتب جراء ذلك. فكثيرا ما تسجل حالات الانتحار على أنها حالة وفاة اعتيادية،لذا لا توجد إحصائية رسمية حكومية بسبب التعتيم الإعلامي والاجتماعي على حوادث الانتحار، ويعتمد على ما تسجله دوائر الصحة هنا وهناك من حالات انتحار، كدائرة صحة البصرة سجلت أكثر من 40 حالة انتحار خلال العام الحالي، فيما سجلت صحة نينوى 11محاولة انتحار في يوم واحد أما إقليم كردستان س?ل انتحار 71 امرأة، و298 امرأة قامت بحرق نفسها في النصف الأول من العام الحالي.. ورصدت منظمة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" بالتعاون مع إحدى المنظمات الخيرية المحلية انتحار نحو 200 امرأة خلال أعوام 2010 و 2011 و2012، إضافة إلى حالات أخرى لم تسجل وبعضها اعتبرت حوادث عرضيا.فالظاهرة خطيرة جدا مما يتطلب جهدا مجتمعيا من قبل رجال الدين والمنظمات النسوية والإعلامية ، وذلك بتبني مشروع نشر ثقافة التسامح والسلام في المجتمع والتوعية بحقوق المرأة الاجتماعية باعتبارها صمام الآمان لمنظومة الأسرة وضمان ديمومتها، كما?يتطلب التعامل معها كانسان قد يصيب ويخطئ في مسار حياته، وجهد حكومي يفعل ويدعم الطب النفسي من خلال إنشاء مراكز تخصصية للعلاج النفسي، والتداول بالعلاج النفسي على انه ضرورة للمصابين بأزمات نفسية من اجل وضع البرامج الكفيلة للحد من أسباب الانتحار، وأخيرا تشريع قوانين تنسجم مع المواثيق والعهود العالمية لحقوق المرأة.