مدارات

قراءة في خطة التنمية الوطنية للسنوات 2013- 2017 / فرحان قاسم

تتكون خطة التنمية الوطنية للسنوات 2013- 2017 من تسعة فصول، نشرت منها الفصول الستة الاولى وهي : التنمية في العراق، السكان والقوى العاملة، التنمية الاقتصادية، التنمية القطاعية، التنمية المكانية، التنمية البشرية والاجتماعية . ولم تنشر الفصول الثلاثة المتعلقة بالاستدامة البيئية للتنمية والحكم الرشيد والمتابعة والتقييم .

اكدت خطة التنمية الوطنية لسنة 2013- 2017 على "ان رسم طريق واضح للتنمية لا يتم الا من خلال وضع خطط واستراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى مبنية على اسس منهجية سليمة واستقراء للواقع الاقتصادي والاجتماعي والعمراني والبيئي". ومن خلال قراءة متأنية للخطة واجهتنا إشكاليات واسئلة عديدة منها :

إشكالية التخطيط والتطبيق:

من المعروف ان افضل الخطط والبرامج تبقى حبرا على ورق اذا كانت غير قابلة للتطبيق ، والغريب في هذه الخطة ان الفريق الذي اعدها يعترف صراحة بعدم امكانية تطبيقها حيث ورد في الصفحة السابعة ما ياتي " ان وضع خطط تنمية واقعية يتطلب مستوى عاليا من الاستقرار الامني، والاقتصادي، وهذا شرط افتقدته الى درجة ما عملية اعداد هذه الخطة مما يجعل فرص ترجمتها على ارض الواقع يكتنفه عدم اليقين" وورد في مكان اخر مايشير الى مكامن فشلها مسبقا " يواجه مشروع اعداد خطة التنمية الوطنية للسنوات 2013- 2017 ظروفا لا تختلف عن مجمل التحديات و?لمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي واجهتها خطة التنمية للسنوات 2010- 2014 " و"ان الخطة تؤمن باستمرار قوة التحديات السياسية والامنية فضلا عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وهو ما فسر انخفاض كفاءة تنفيذ اهداف الخطة السابقة وانخفاض امكانات الوصول الى اهداف الخطة الحالية " .
اذا ما علمنا انه " بعد عام كامل من العمل المكثف والمنهجي للكوادر القيادية والاختصاصية في وزارة التخطيط وبمشاركة فاعلة وجادة من كافة الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات وممثلين عن القطاع الخاص وبعض منظمات المجتمع المدني وعدد من الاكاديميين انجزت هذه الوثيقة الاستراتيجية الوطنية " اليس من حقنا ان نسال عن جذور التناقض بين " اعداد الخطة على اسس منهجية سليمة واستقراء للواقع " من جهة وبين " تحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية تجعل فرص ترجمتها على ارض الواقع يكتنفه عدم اليقين " و ما الذي يجعل فريق عمل يك?ل خطة هو لا يمتلك يقينا انها قابلة للتنفيذ . ان مثل هذه الحالة سابقة غير مالوفة، فمن حق اي باحث ان يبين رايه بعدم واقعية الخطة ومن واجب وحق المخطط ان يدافع عن واقعية خطته، اما ان يعترف المخطط بان الخطة التي وضعها غير قابلة للتطبيق فامر غير منطقي على الاطلاق و يثير اسئلة كثيرة عن السبب وراء صياغة "وثيقة استراتيجية وطنية" يشك واضعوها في امكانية "ترجمتها على ارض الواقع". ان ما طرحه فريق البحث وبشكل صريح بانخفاض "امكانات الوصول الى اهداف الخطة الحالية" حفزنا لدراسة الاسباب الحقيقية الكامنة وراء استنتاجهم هذا.

اولا: الاصلاح الاقتصادي بين الشكل والمضمون

ان الازمة البنيوية التي نشات بفعل سياسات النظام الدكتاتوري السابق، والتي تعمقت واخذت مديات اوسع بعد 9 نيسان 2003 بفعل مشروع الاحتلال، وما نتج عنه من تبني المحاصصة اساسا للنظام السياسي سبب خرابا شمل مختلف الجوانب دون استثناء، الامر الذي جعل من الاصلاح امرا ضروريا تفرضه عوامل موضوعية تجلت في "اختلالات وتشوهات عميقة في الاقتصاد، وتدهورا شاخصا في الخدمات "، انعكس على ازمات متكررة ضمن الازمة البنيوية الشاملة . لذلك يجمع الاختصاصيون على ضرورة الاصلاح الاقتصادي وان اختلفوا في مضامين هذا الاصلاح حيث نجد فريقا منه يسعى :

1- "الى إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي وفق متطلبات التحول لاقتصاد السوق وتوسيع قاعدة الانتاج من خلال اعتماد آليات السوق وتحرير التجارة الداخلية والخارجية والانتقال من الادارة المركزية للاقتصاد الى الادارة اللا مركزية وتسهيل خصخصة الشركات العامة
2- اعادة النظر في طبيعة الدولة العراقية بتحويلها من دولة مالكة الى دولة حارسة أي كشرطي يقوم بحماية النمط الجديد من التطور".

وفريق آخر يرى:
"ان الاصلاح عملية اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية شاملة وليس عملية فنية بحتة تعتمد :

1- استراتيجية تنموية متكاملة بديلة توظف جميع القطاعات الاقتصادية وهذه الاستراتيجية مرتبطة بشكل ومحتوى الدولة كبديل لدولة الاستبداد التي انتجت آليات النهب وسوء الادارة والبيروقراطية والطفيلية .
2- توفير ارادة سياسية حازمة وقوى اجتماعية قادرة على وضع مشروع الاصلاح موضع التطبيق ."
من الجلي ان مرجعية الاختيار الاول هو اللبرالية الجديدة التي تسعى الى تعزيز تبعية العراق الى عجلة الاقتصاد الراسمالي العالمي، ومنظماته الدولية المتمثلة بالمصرف الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وافضل مشروع لهذا الاختيار هو مشروع بريمر الذي يعتمد الخصخصة، واقتصاد السوق الراسمالية، واعادة هيكلة القطاع العام . و مرجعية الاختيار الثاني هي اعتماد استراتيجية تنموية تستثمر العوائد النفطية لاعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لصالح تطوير الصناعة والزراعة و انقاذه من الاقتصاد الريعي الاحادي الجانب .
والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه هو اين تضع الخطة نفسها من هذين الاختيارين ؟ وحينما تبحث عن اجابة لهذا السؤال تجد نفسك امام مجموعة كبيرة من المفاهيم والعبارات المتقاطعة في الظاهر، فمن جهة تشير الخطة انها " تهيئ الظروف للاقتصاد العراقي في نهاية مرحلتها للانطلاق والبدء في التحرر من ريعية الاقتصاد واعتماده على مورد النفط الوحيد باتجاه توزيع قاعدة الاعتماد على الانشطة الاخرى" و"رؤية مستقبلية بعيدة المدى تهدف الى بناء اقتصاد متنوع ومزدهر تقوده قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة والسياحة كاقطاب تنموية يكون القطا? العام والخاص والمجتمع المدني شركاء في التنمية " ومن جهة اخرى تؤكد الخطة على ان " الاصلاح الاقتصادي يتضمن التحول من الاقتصاد المخطط مركزيا الى اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي والاندماج مع العالم " . ورغم ان الخطة توصلت الى استنتاج له اهمية كبيرة وهو " ان طبيعة تحديات التحول الى اقتصاد السوق اوجدت بيئة مضطربة توزعت افرازاتها لتغطي مفاصل الاقتصاد العراقي كافة فضلا عن التلكؤ في تنفيذ مراحل التحول ومنهجياته وترحيل التشريعات الساندة له الى اجل غير مسمى كقانون الخصخصة " فان جوهر ما ورد في ا?خطة حول " الاصلاح الاقتصادي " يشير الى اعادة انتاج ما دأبت عليه الخطط السابقة منذ 2003 وهو محاولة ترسيخ وصفة صندوق النقد الدولي التي واجهت تحديات ومصاعب كثيرة في التطبيق ادت الى :

1- "تكريس ريعية الاقتصاد العراقي، وانكشافه للعالم الخارجي .
2- انخفاض نسبة الانشطة السلعية في توليد الناتج المحلي .
3- محدودية الدور التنموي للجهاز المصرفي .
4- اختلال بنية الانفاق العام لصالح النفقات التشغيلية من اجمالي الانفاق العام حيث بلغت 68بالمئة يقابلها 32بالمئة نسبة النفقات الاستثمارية لسنة2012.
5- اتساع نطاق الاقتصاد غير المنظم وتقليدية سوق العمل العراقية " .
ما تقدم انتج كما تشير الخطة الى :
1- "تعمق في التمايزات الاجتماعية وزيادة في مساحة الفئات المهمشة .
2- استمرار الازمات .
3- اتساع الامية لتصل خمس سكان العراق.
4- هبوط في مشاركة المراة في النشاط الاقتصادي 13بالمئة .
5- ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل .
6- تفاقم العجز في الوحدات السكانية حيث بلغ مليوني وحدة سكنية.
7- معاناة بيئية بعناصرها الثلاثة الماء والهواء والتربة".
8- الارتفاع النسبي ما بين البطالة والمستوى التعليمي .
9- وصل العجز في الابنية المدرسية الى ( 7000 ) .
10- اتساع الفساد المالي والاداري عموديا وافقيا .

يتضح ان السبب وراء عدم قناعة فريق العمل الذي اعد هذه الخطة بعدم امكانية تحقيق اهدافها هو اعتمادهم مرجعية حاولت فرض وصفة جاهزة لم تزكها الوقائع، و انتجت فوضى ضاربة في ارجاء المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والخطة تشير الى حقيقة ناصعة وهي " ان مشروع الخطة يواجه ظروفا لا تختلف عن مجمل التحديات والمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي واجهتها خطة التنمية للسنوات 2010 – 2014 " وهو ما فسر كما ذكرنا انخفاض كفاءة تنفيذ اهداف الخطة السابقة وانخفاض امكانات الوصول الى اهداف الخطة الحالية .

ثانيا: الفساد المالي.. ناتج عرضي ام تكوين بنيوي؟

لا احد يختلف على ان الفساد المالي اتسع نطاقه، واتخذ طابعا مافيويا منظما، واصبح عائقا كبيرا امام تنفيذ اية خطة تنمية، وحوتا يبتلع الاموال الضخمة للموازنة، وحاجزا امام الاستثمار وقدوم الشركات الرصينة. لقد تعاملت الخطة مع هذه الظاهرة الخطيرة على انها ظاهرة اخلاقية وفنية واحالتها الى:
1- "انتشار القيم الاجتماعية والادارية الحاضنة للفساد والحامية له والمتسامحة معه " دون ان تسأل الخطة لماذا انتشرت تلك القيم وتعمقت .
2- "ضعف الشفافية في التصرفات المالية وضعف النظام المصرفي وعجزه عن الامساك بادوات التطبيق السليم لاجراءات ومتطلبات منع عمليات غسيل الاموال والقصور في معاقبة المفسدين".
ان الوقائع اثبتت بما لا يقبل الشك ان الفساد المالي ابعد بكثير من كونه ظاهرة اخلاقية فنية، وانه جزء من التكوين البنيوي لمشروع الاحتلال الاقتصادي، فهو الوسيلة الناجعة والمجربة لخلق طبقات اجتماعية جديدة، تكون ساندة للمشروع العولمي في بلد خرج من معطف الدكتاتورية باغلبية ساحقة تعاني من الفقر المدقع، وبلوحة طبقية مشوهة، لذلك رفع الاحتلال يده عن عمليات الاستحواذ على المال العام والخاص وعطل من الناحية العملية العقوبات الجزائية بحق المفسدين بغض النظر عن مواقعهم، اضافة الى ان الفساد لم يعد مقصورا على الجهاز الحكومي ?قط، وانما اتسع نطاقه الى مختلف القطاعات، وما يبدو على المشهد الطبقي من بروز شريحة كومبرادورية ترتبط مصالحها بالراسمال العالمي لها تاثيرعلى مراكز القرار السياسي والاقتصادي الا دليل واضح على نجاح الفساد المالي في خلق هذه الشريحة التي لم يكن لقسم من افرادها اي دور في الحياة الاقتصادية قبل 2003، اضافة الى بروز اخطر لشريحة البيروقراطية التي استغلت وجودها في مراكز الدولة لغرض الاثراء على حساب المال العام اولا، واستغلال العمولات التي تفرضها على الشركات والمقاولين لتعزيز مكانتها المالية، وتحول قسم من اقطابها الى ا?حاب شركات تمارس اعمالها سواء داخل العراق ام خارجه.
يكاد يجمع الاختصاصيون على انه لا مستقبل لاية خطة تنموية دون ان تضع القضاء على الفساد المالي كاحد اولوياتها اذ بدون ذلك لن ترى تلك الخطط النور وستتحول اغلب اموالها الى جيوب المفسدين او الى مشاريع فاشلة او متلكئة، ولم المس في خطة التنمية للسنوات 2013 – 2014 اي اولوية في معالجة هذا الجانب الحاسم في نجاح او فشل اية خطة تنموية .

ثالثا : الإيرادات غير النفطية

اكدت الخطة على ان العراق "لم يشهد تغييرا بنيويا في اقتصاده، اذ ما زال الاتجاه العام يؤكد اولوية القطاع النفطي في توليد الناتج المحلي الاجمالي حيث يشكل 67بالمئة" كما اعتمدت الموازنات الاتحادية على الايرادات النفطية بمعدل 88 بالمئة بينما لا تشكل الايرادات غير النفطية سوى 12بالمئة في افضل الاحوال. ولغرض معالجة ضعف مساهمة الايرادات غير النفطية في الموازنة دعت الخطة الى " دعم الموازنة لاليات الانتقال الى اقتصاد السوق من خلال توزيع قاعدة الضرائب" ولم تلجا الى الاسلوب الناجع في معالجة هذا الخلل عن طريق توظيف العو?ئد النفطية الهائلة لاعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لصالح تطوير الانتاج الصناعي والزراعي ومعالجة الخلل الرئيس الاخر في " بنية النفقات العامة حيث بقيت تميل اتجاهات الانفاق العام لصالح النفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية". مرة اخرى تؤكد خطة التنمية الوطنية هدفها الاساس في اعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لصالح مشروع اللبرالية الجديدة عن طريق معالجة الخلل في بنية النفقات باعتماد الية التوزيع والتبادل بدلا من الية الانتاج لتحقيق اندماج الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الراسمالي العالمي.