مدارات

المرتدون عن الاشتراكية! / ألفريد سمعان

بعد الانتكاسة المروعة التي تعرضت لها الشيوعية قبل اعوام وتحول البلدان الاشتراكية التي كانت تتبنى الماركسية نهجاً وتخطيطاً وانتماء.. وظهور بواكير الراسمالية بسرعة غريبة مما يدل على التغلغل المسبق لفئات كبيرة ممكن كانوا يساندون الاشتراكية علناً وتضمر الشرور واقعياً وكان لها ارتباطات مسبقة مع دوائر المخابرات الغربية وكبريات الشركات والاقطاب الراسمالية المتمثلة بالمصارف الضخمة والشركات متعددة الجنسيات ودوائر الاستخبارات الغربية المدربة بشكل جيد وتعمل وفق خطط مرسومة بدقة وبخطوات مدروسة وشبكات اعلامية ذات نفوذ رهيب جندت لها افضل المواهب والدراسات والاستعانة بالمؤثرات والشبكات العالمية واسعة الانتشار بشكل اخطبوطي مذهل.
بعد الذي جرى انقسم حملة راية الشيوعية الى قطاعات لم تفقد الامل باستعادة ما فقد خلال فترات عصيبة وبسرعة مذهلة ولم يتزعزع ايمانها بعودة الحركة الشيوعية لان شروط واسباب انهيار الرأسمالية لم تتغير ولن تستطيع التخلص من الشباك التي تسقط فيها رغم انفها.. من جهة انهمرت دموع الضعفاء وغرقوا في بحيرات السقوط المالحة وغسلوا كل ما تعلموه ونادوا به خلال نضالهم بمياه اليأس وفقدان الامل بشكل نهائي. وفئة اخرى كانت اساساً غير مؤمنة بالمبادىء والقيم النبيلة التي جاءت بها الحركة الثورية ولكن التيار جرفها رغم تحفظها الى الانخراط بالحركة الثورية ضمن تأثيرات مختلفة وربما ضمن انطلاقات محددة. ونوايا نتهازية وقد وجدت المبرر للتراجع والتحول الى الضفة الاخرى لا سيما بعض الذين استطاعت الرأسمالية ان تصنع لهم ريشاً يحلقون به في آفاق الليبرالية والتفكيكية والانتماء من جديد لقيم ومبادىء ومقولات اكل عليها الدهر وشرب بدعوى (الصحوة) واستعادة الرشد الذي ضاع في مغاوير القناعات المزيفة كما يدعون ويتصرفون ببلادة قاسية لا تشرفهم ولا تصنع منهم رجال مستقبل حقيقي ومن بين هؤلاء عدد كبير من ادعياء الثقافة الحرة. ولكي يؤكد هؤلاء وجهات نظرهم انقلبوا اعداءً لتاريخهم واصبح كل ما قاموا به وانتصروا له وثقفوا انفسهم وسواهم به ضرباً من الوهم والخديعة والانسياب الاعمى مع تيارات ثورية مغرية.. ولكنها لم تحقق طموحهم الفردي. ان كل من يتابع الحركة الثورية في العالم يجد ان المياه القذرة الفاسقة بدأت تنحسر وتترك وراءها الاوهام المريضة وتبشر من جديد بعودة ثورية بعد الذي جرى لدى البلدان التي تحولت من النهج الاشتراكي الى رحاب العالم الرأسمالي. حيث ظهرت بوادر السقوط والانهيار وانتشرت البطالة وعصابات القتل والنهب والسرقة وتغلغل الفساد في كل الزوايا. واصبحت الدعارة جزءاً اساسياً في تركيبة المجتمع، كما اصبحت العاهرات من الصادرات المهمة التي استطاعت الاشتراكية ان تحاصرها وتحد من انتشارها. اضافة الى انعدام التخطيط وتحمل آثار التضخم الشنيعة وتأثيرها على الطبقات الشعبية. كما بدأت الشركات الرأسمالية تتسلل الى المواقع الهامة وتسيطر على القطاعات الاقتصادية والتجارة والصناعة، لتأكيد نفوذها وارباحها.
ان الخضوع والانتماء للنهج الرأسمالي جعل عشرات البلدان التي ابتعدت عن طريق الاشتراكية تقع فريسة للمشاكل التي تعاني منها الرأسمالية. ولم تفلح كل (هبات) وعطايا اليورو وهدايا البنك الدولي من انقاذ بعض الدول من الافلاس والسقوط والامثلة واضحة في اليونان واسبانيا والبرتغال وارتفاع نسب البطالة حتى في اكبر البلدان ذات الامكانيات الصناعية الكبيرة مثل المانيا وفرنسا وانكلترا وحتى امريكا التي يغذيها رأسمال البلدان النفطية المحجوزة في مصارفها الكبرى. ان (المرتدين) يسعون الى النظر بنظارات سوداء الى منجزات الاتشراكية ويتجاهلون عمداً وجود الصراع الطبقي ونظرية فائض القيمة واساليب الاستغلال الرأسمالي للعمال والكادحين ويبشرون بان العالم لن يعود الى الوراء وان العولمة هي الحل وقد فشلت وبعبارة اخرى فان الاستغلال الرأسمالي لن يتحرك من موقعه ولن يعاني من ازماته وهم يرون بام اعينهم ان الصراعات التي تدور بفعل التدخل الرأسمالي الامريكي بالذات لا سيما في البلدان العربية والشرق الاوسط عموماً وبلدان النفط بالذات. حيث تتسابق الجهود لخلق صراعات طائفية ومعارك دينية وافتعال ازمات وخلق زمر مقاتلة مستعدة للقتال في اي مكان وبشتى الاساليب ما دام هنالك من يدفع ويشتري الذمم لا للإصلاح والزراعة والصناعة بل للقتل والتدمير وتحطيم ارادة الشعوب ووضع كماشات الرعب على الافواه والعقول مستغلين تعاطف (شيوخ) النفط لحماية كياناتهم وسلطاتهم بشراء الاسلحة وانفاق المليارات لتخزين المدافع والطائرات وتطوير المنتجات الحربية لتكون اشد فتكاً وترويعاً وتدميراً عبر اشعال الفتن الطائفية وتحويل الصراع من طبقي عادل الى ديني مروع يتبنى القتل والدمار بدل الاعمار والبناء والتطور الصناعي والزراعي والتجاري وتحويل الخرائب الى عمارات والصحاري الى جنائن ومدارس ورياض اطفال وملاعب.
ان نظرة عميقة لما يجري على الكرة الارضية لا سيما بعد التطور الكبير الذي حققته الصين على صعيد الاقتصاد والتطور الصناعي والتفات روسيا للمخاطر التي ترسمها امريكا لتحطيم ما تبقى من القيم والملامح الاشتراكية ومحاولات الاستحواذ النهائي على العالم ونشر الصواريخ المرعبة على حدودها وكذلك نهوض بلدان العالم الثالث. اضافة للحركة العمالية الثورية في بلدان كثيرة يماط عليها اللثام في محاولة بائسة لإشعار العالم بان الرأسمالية ستظل الى الابد في ميدان غمائم البؤس وانحسار نفوذ الاحزاب اليمينية يبشر بنهوض جديد للإشتراكية واستعادة حق الكادحين في بناء اوطانهم لأنهم يظلون هم البناة الحقيقيون وليس اصحاب الياقات المنشاة ومقابض السيارات الذهبية.