مدارات

في العيد الثمانين .. نتذكر إضراب عمال شركة الزيوت النباتية / علي عبد الكريم حسون

يشير د . كمال مظهر أحمد إلى منتصف القرن التاسع عشر كبداية لتكوين الطبقة العاملة العراقية .... وما أن حلّ القرن 20 بأحداثه الكبيرة وخاصة بنتائج الحرب العالمية الأولى , ووقوع العراق تحت حصة وإشراف وانتداب بريطانيا العظمى , وتقدم الجيوش الانكليزية عبر البصرة بإتجاه بغداد وصولا للموصل . حتى إزداد وزن الطبقة العاملة , عددا ونوعا، في منشآت ميناء البصرة والمعقل , والسكك الحديد والسدود , ومن ثم نشوء وميلاد حزبها الشيوعي العراقي في 31 آذار 1934 , والذي مهدّت لنشوئه الحلقات الماركسية الأولى في بغداد والبصرة والناصرية , منذ 1928.
منذ بداية ثلاثينات القرن الماضي , وبالتحديد في 1931 , كان لعمال الكهرباء تمرينا نضاليا ' في تبني مقاطعة الكهرباء إحتجاجا على أسعارها العالية , متبنين تخفيض أجورها . وما إضراب كاورباغي في كركوك عام 1946 , وأضرابات الموانيء في البصرة في الخمسينات , وبأشراف الشهيد سلام عادل , الا شواهد على قدرة الشيوعيين على التعبئة والتحشيد النقابي -السياسي .
تشير موسوعة التشريعات العمالية في القطر العراقي / المجلد الأول , إلى أن شهر حزيران والنصف الأول من شهر تموز سنة 1968 , شهدا أحد عشر إضرابا في شركات ومشاريع القطاع العام , وأهمها : شركة الصناعات العقارية ومصلحة الخياطة العامة والقطن الطبي وشركات فتاح باشا والسجاد والجوت والغزل والنسيج والأجهزة والمعدات الكهربائية والسيارات , ومعمل صنع علب السيكاير ومصلحة الغزل والنسيج الحكومية بالموصل. شهدت فترة عقد الستينات بمجملها 45 إضرابا في الموانيء والسكك والنفط والزيوت والكهرباء والمطابع والبناء والسكائر .

العودة الثانية للبعث

عاد البعث بالقطار الأمريكي البريطاني , ومعه عادت الأساليب الفاشية في التعامل مع الجماهير , وخاصة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي . واستهدفوا النقابات العمالية , التي حاولوا الأستيلاء على قياداتها وتغيير وتزوير نتائج الأنتخابات. ولم يكن العمال بغافلين عن ذلك , فلم يكونوا يثقون بوعود البعث حول تحسين أوضاعهم , بعد تجربة التسعة أشهر من حكم البعث في 1963, التي كانت كافية لترسيخ الوعي الثوري لديهم .
كان من نتائج الانتخابات العمالية التي جرت في عهد عارف الثاني (عبد الرحمن ) , أن فاز ممثل العمال فاضل جبار , وأصبح العامل الشيوعي عبد جاسم مسؤولا عن اللجنة الثقافية , كذلك فاز حمودي عبد الجبوري . شيء من التاريخ عن شركة الزيوت.. وأهمية الأضراب
هي شركة متخصصة في صناعة الزيوت السائلة والدهون الصلبة والصوابين ومستحضرات التجميل ومساحيق التنظيف . ويعود تأريخ تأسيسها إلى العام 1940 , وكان إسمها (شركة إستخراج الزيوت النباتية ) , وخلال أعوام 68 - 1970 تمّ دمج 4 شركات معها , بحيث أصبح عدد عمالها 1200 عاملا .
وكانت الشركة تضم قسمين إنتاجيين هما : مصنع الرافدين لصناعة المنظفات، ومصنع الزيوت .
عن أهمية الأضراب يمكن أن نشير الى ما يلي :
أنه حدث في واحدة من أكبر المؤسسات الصناعية الأنتاجية المملوكة للقطاع العام , والتي تضم جمهرة كبيرة من العمال .
أنه وقع بعد أقل من 3 أشهر على إنقلاب 17 – 30 تموز 1968 فشكل تحديا لسلطة البعث الفاشي الثانية .
رعب الدولة التي حشدت فلولها من شرطة ومخابرات وأستخبارات وجيش , وأوكلت مهمة التصدي للأضراب إلى عضو قيادتهم القطرية صلاح عمر العلي , وأشرف من مكان قريب عليه المجرم صدام حسين , كما أشرف على تنفيذ الهجوم فهد جواد الميرة آمر معسكر الرشيد .
إستمرار الساحة العمالية بإنجاب القادة العماليين والنقابيين الميدانيين النشطين والفاعلين المتمرسين على قيادة النضالات العمالية , والمتخرجين من مدرسة الكادحين , مدرسة الحزب الشيوعي العراقي ... وكان للشخصيات العمالية المؤثرة في الشركة دورا كبيرا من أمثال : العامل الشيوعي عبد جاسم الساعدي والشهيد جبار لفتة رحيم الشيخ علي واليادي الشيوعي.
شرارة الأضراب ومطالب العمال
أندلعت الشرارة أثر رفض إدارة الشركة الأستمرار بتوزيع نسبة 5 بالمئة من أرباح الشركة على العمال , وهي كانت توزع أما بشكل نقدي أو عيني . وكانت حجة البعثيين الذين عادوا للسلطة قبل شهرين فقط هي أنهم سيقومون ببناء مساكن للعمال . وأمهل قادة العمال الحكومة عشرة أيام لتنفيذ مطالبهم التي قدموها لوزير العمل، وبعكسه يقومون بالأضراب . وأستمرت المفاوضات لغاية الثالث من تشرين الثاني 1968 , وفي اليوم الرابع من الشهرنفسه تمّ إعلان الأضراب ورفع شعار (عمالنا بهذا البلد قوة حديدية ) و (عمالنا متحدين موتوا يارجعية ) . في ال?امس من الشهر , إقتحمت قوات الجيش والشرطة الشركة وسط إطلاق للنار بشكل كثيف , مما أدى إلى إستشهاد القائد العمالي البارز جبار لفتة وجرح ثلاثة عمال . وكانت (أسلحة ) المقاومين هي الألواح الخشبية والعصي والقناني الزجاجية وأسلاك الحديد , وقد سعوا لتعطيل تقدم القوة المهاجمة عند الباب الرئيسي للشركة . وجرى أعتقال عدد كبير منهم وتوقيفهم في مركز شرطة المسبح القريب من موقع الشركة , وكذلك في دائرة أمن بغداد . وكان منهم غضبان أحمد، شاكر حليوت، هاشم حسن، حسين كاطع، كرم مشجل، علي عبود، محمد عبد، خلف محمد وغيرهم .
كما تمت مداهمة بيوت العمال وأعتقال الكثير منهم , وإتهام العامل عبد جاسم بقتل رفيقه العامل الشهيد جبار لفته. ورغم الأعتقالات وقتل الشهيد جبار لفته , فقد أستمرت حركة العمال النضالية الذكية وبالتعاون مع عمال الشركات الأخرى , بأيصال الطعام وزيارة العمال في مراكز التوقيف والمعتقلات , وتنظيم المذكرات المطالبة بأطلاق سراح المعتقلين .
وبسبب هذا الاضراب ورداً عليه، اقدمت حكومة البعث الانقلابية على:
• إلغاء قانون العمل .
• إلغاء المادة القانونية التي تنص على حق العمال بالأضراب والتجمع والتظاهر .
• محاربة صحيفة التآخي الكردية التي نشرت وقائع الأضراب , فعطلتها وزارة الأعلام لمدو 15 يوما .
ورغم عدم تنفيذ مطالب العمال , فان إصرارهم وتحديهم أضاف صفحة مشرقة لنضالهم .