مدارات

الخطوات الاولى مع المسيرة الثورية ... مظاهرة كلية الطب والرصاصة الفاجرة (7) / الفريد سمعان

كانت التوجيهات عدم التوقف والاستمرار في تنظيم المظاهرات والاحتجاجات وتأليب الجماهير على السلطة الملكية بعد الانتصار الكبير الذي حققه الشعب باسقاط وزارة صالح جبر التي عقدت معاهدة بورتسموث.. واصبح الشارع العراقي يموج والحشود تتزاحم في الشوارع والمدارس وحتى دوائر الدولة باستثناء الجهات الامنية التي كانت تتحين الفرص وترصد بعناية ورعاية (انكليزية) العناصر النشيطة الفاعلة في تحريك الجماهير وقيادة الفعاليات الثورية..
في صبيحة ذلك اليوم اتجهنا نحن طلبة كلية الحقوق التقدميون، كما كنا نفعل دائما الى دار المعلمين العالية لتعزيز حشدنا.. وتقوية صفوفنا وكان ما اردناه وسعينا من اجله.. ثم اتجهنا الى كلية الهندسة. مقابل متوسطة الغربية.. وكان في انتظارنا عدد كبير من الطلبة الذين تحدوا القوميين الذين بدأوا يتراجعون امام التحشد التقدمي بدعوى انتهاء مبررات التظاهر.. بسقوط المعاهدة والوزارة وكالعادة مارس نوري السعيد خبرته وتجربته وذكاءه وجاء بالسيد حسين الصدر رئيس مجلس الاعيان آنذاك رئيسا للوزراء وطلب منه تشكيل الوزارة لامتصاص الغضب ?لشعبي من خلال كسب قطاع (الشيعة) وتحميلهم المسؤولية ايضا في حالة فشله من اخماد النار المتأججة والقاء الخيبة على غيره وانطلقنا الى كلية الطب التي كانت ضمن مستشفى المجيدية التي اصبحت فيما بعد مجمعا طبيا ضخما بعد الإضافات التي شملتها بعد ثورة 14 تموز المجيدة. وسميت بمدينة الطب.
في ساحة كلية الطب التي تتوسطها دائرة مزروعة ببعض الاشجار والعشب الطري.. كانت الاخبار قد وصلت للعناصر التقدمية بقيادة قتيبة الشيخ نوري ورافد صبحي اديب والآخرين من الشباب.. وكان في مقابل الباب الرئيسي بهو امانة العاصمة.. حيث كانت تقام الحفلات الكبرى الرسمية.. وغير الرسمية.. وقد اصطف رجال الشرفة على بنادقهم. هراواتهم على السياج.. وتوقعنا المواجهة وجمعنا الحجارة المتوفرة في الممرات.. والحدائق الصغيرة المتفرقة بين الابنية.. والقاعات التي كانت تضم عشرات الاسر والمرضى الراقدين فيها وبحثنا عن عصي او اية وسائل نستط?ع ان نواجه بها الشرطة الذين كانوا يتوعدون وينظرون الينا بعيون حاقدة وبنادق مهيأة لاطلاق النار عند الضرورة. وبعد ان تجمع الشمل واتخذنا بعض الاستعدادات.. بدأنا بالسير لمغادرة الطلية والاتجاه الى شارع الرشيد وتحشيد المزيد من الجماهير التي كانت تنتظر وتترقب المسيرة.. وقبل ان تصل الى الباب الرئيسية التي تدخل منها السيارات.. انطلق الرصاص بكثافة وكان معظمه غير موجه للمظاهرة.. بل الى الاعلى. ولكن الاصداء كانت مروعة وتفرق المتظاهرون الى الزوايا وخلف الجدران وبعض العربات.. ووصل الى الباب اربعة من المتظاهرين اثنان عل? الجانب الايمن وكانا كل من الاستاذ حسين الجميل المحامي والعضو القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي وهادي عباس اللاعب الكروي المرموق وكان طالبا في المرحلة الرابعة في كلية الحقوق ورئيس فريق كرة القدم وهو شقيق النقابي الباسل عبد الامير عباس.. وعلى الجانب الايسر كان شخص وبجانبه الفريد سمعان.. كان في ايدينا بعض الحجارة مع مساند تستخدم للخيام اوتار اخذناها من مخزن كلية الطب.. وجابهنا الشرطة.. وهنا لا بد ان اشير بأن طلاب العراق كانوا اول من استخدم الحجارة في مجابهة السلطات الغاشمة وهم الذين علموا بقية الطلبة والمنا?لين في العالم العربي اثناء المجابهات على استخدام هذا الاسلوب في المعارك النضالية.. قبل سواهم. واثناء تراجعنا بعد ان نفذت الحجارة ورمينا اخر وتد. شعرت بشيء يرتطم بوجهي ويلتصق بخدي الايسر وكأنها (حبة طماطم).. ورأيت الشاب الذي كان يقف بجانبي وعلى بعد قدمين لا اكثر ممددا على الارض بعد ان صرخ (آخ) وعندما امتدت يدي لترى ما ارتطم بخدي الايسر وجدت (مخ) الشاب الذي اصابته رصاصة الشرطة في رأسه وانفجر دماغه.. مع انقطاع سلك الكهرباء الذي امتد على الارض.. وكاد ان يتسبب في قتل عدد من المتظاهرين لولا الصرخات التحذيرية الت? نبهت بخطورة ذلك.. وبذلك خزنا شهيدا كان موظفا صحيا في المستشفى.. وقد انضم الينا تضامنا مع مسيرتنا النضالية.. وهنا اتذكر ان مفوضا للشرطة كان اسمه صفاء ممتلئ الجسم كان يتوعد رفيقنا خلوق امين زكي طالب الحقوق وبطل المصارعة.. ولذلك طلب مني خلو قان يستبدل (القمصلة الجلدية) التي كان يرتديها بسترتي لكي يضيع الامر على صفاء.. فتبادلنا القمصلة بالسترة (الجاكيت) على جسم خلوق.. الذي اعتاد ان يتصدر المظاهرات ويجابه احد طلبة كلية الهندسة المدعو شاكر وقد اشبعه لكما لانه كان قوميا يعادي ويتصدى للمظاهرات التقدمية.. والشيوعي?ن وهكذا حزنا شهيدا باسلا.. ولكننا عدنا ثانية وتحدينا الشرطة الذين انهزموا امام هتافاتنا وانطلاقنا.. وسارت المظاهرة وتوسعت في شارع الرشيد امام وزارة الدفاع باتجاه منطقة سوق الهرج والميدان.. انها احدى لوحات النضال ضد الظلم والعبودية وانتصار للنشاط الثوري..