مدارات

على طريق التحضير للانتخابات البرلمانية القادمة ...مؤتمر حزب اليسار السويدي ينهي اعماله/ د.صالح ياسر

بحضور اكثر من 200 مندوب ومندوبة، وفي اجواء احتفالية بهيجة، التأمت خلال الايام 10-12/كانون الثاني/2014 اعمال المؤتمر الدوري لحزب اليسار السويدي والذي عقد هذه المرة في العاصمة السويدية، ستوكهولم. وكان من بين اولويات المؤتمر التحضير لانتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجري في 25 آيار القادم، وأيضا لانتخابات البرلمان السويدي في 14 أيلول/سبتمبر القادم (له في البرلمان الحالي 19 نائبا من اصل 349)، هذا اضافة الى انتخاب رئيس الحزب وقيادته. وبحث المؤتمر العديد من القضايا التي تتعلق بسياسة الحكومة الحالية، والتحالف مع المعارضة التي يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إضافة الى مسألة الضرائب والبطالة والهجرة والتعليم والصحة.
يجب وقف الخصخصة
من أهم المسائل التي توقف عندها المؤتمر، في جلساته العديدة طيلة الايام الثلاثة، هو موضوع الخصخصة التي انتهجها ائتلاف يمين الوسط الحاكم بقيادة حزب المحافظين منذ 2006 في القطاع العام، والرفاهية الاجتماعية والرعاية الطبية والمدارس وتوفير فرص العمل للشابات والشباب والمواطنين من أصول أجنبية. وموقف حزب اليسار من الخصخصة في القطاع العام انه يرفض الأرباح التي تجنيها الشركات الخاصة التي تستثمر في القطاع العام في هذه المجالات بما يخص المدارس والرعاية الطبية ورعاية المسنين.
وقد حظيت هذه النقطة باهتمام كبير في المؤتمر ومداولات المندوبين، حيث تجنب حزب اليسار العموميات في التعامل مع هذه النقطة طارحا وللمرة الاولى خطة لإيقاف هذا الربح. فمن المعروف ان الكثير من هذه الارباح اليوم في هذا القطاع تذهب الى شركات خاصة تحاول التنصل من دفع الضرائب بدلا من ذهابها الى المعلمين والممرضين. ويضيف الحزب بأنه ليس ضد الشركات الخاصة بالعمل في مجالات القطاع العام ولكنه ضد ذهاب تلك الارباح الى جيوب هؤلاء بدلا من ذهابها لتطوير وتحسين مجالات العمل في هذا القطاع. ويؤكد الحزب إن الشركات الخاصة الكبرى تقوم بإزالة الشركات الصغرى التي تريد العمل بشكل خيرى ومبدأي. وينطلق الحزب في محاججته حول هذه الاشكالية من واقع انه بدلا من التركيز على العمل الجيد وتقديم خدمات جيدة في هذه القطاعات تركز الشركات الخاصة على الربح والربح وحده وبهذا تفقد هذه المجالات النوعية الجيدة في الخدمات المقدمة سواء تعلق الأمر بالمعلم في المدرسة او بالممرض في المستشفى او في مجال تقديم الرعاية الصحية بالنسبة لكبار السن.
توسيع قاعدة الحزب.. مهمة لا تقبل التأجيل
كما ناقش المندوبون وضمن حوارات واسعة ومتنوعة قضية توسيع قاعدة الحزب ورفع كفاءته الانتخابية، حيث يحصل الحزب في العادة على 6-8% من اصوات الناخبين في السويد. وبينت المناقشات انه توجد امكانيات فعلية لرفع هذه النسبة ويجب بذل جهود اكبر لرفعها علما ان عام 2013 كان عاما ايجابيا على نشاط حزب اليسار حيث توسعت قاعدته الحزبية بانضمام حوالي 1500 عضو جديد خلال العام المذكور ليصبح عدد اعضاء الحزب الاجمالي حاليا 14000 عضو. ولم تكن الزيادة تخص عضوية الحزب بل طالت ايضا اصدقاءه ومؤازريه حيث ازدات خلال نفس الفترة بحوالي 43%.
ويعزو بعض المحللين اسباب "شهر العسل " للحزب مع الناخبين الى عاملين: الاول المشاركة النشيطة لنشطاء الحزب في صلاتهم مع الناس، والثاني استراتيجيته الذكية في التعامل مع الناخبين وقضاياهم، حيث بدأ الحزب يتحدث عن السلطة والمشاركة في الحكم على مستوى المحافظات والمجالس البلدية واليوم بدأ الحزب يتحدث عن ضرورة المشاركة في "حكومة حمراء – خضراء"، في حالة فوز قوى اليسار - الخضر في الانتخابات البرلمانية القادمة.
وإذا استمرت هذه الارقام حتى الانتخابات البرلمانية القادمة فان حزب اليسار سيواجه منافسة شديدة حول المركز الثالث في البرلمان السويدي القادم مع حزب " سفاريا ديموكراتنا SD" وهو حزب يميني عنصري ومعادي للأجانب. وقد حدث هذا في دورة برلمانية سابقة (1998-2002) عندها حصل حزب اليسار على مقعد واحد اكثر منSD ليصبح حزب اليسار القوة الثالثة في حينه.
هذا مع العلم ان حزب اليسار وفي ظل تناسبات القوى الحالية لا يراهن على تحولات راديكالية في نسبة تأثيره بل يعتقد أن العملية تتطلب وقتا، والتغيير يحتاج الى زمن كاف من أجل التوضيح للشعب بان حزب اليسار يعمل على حل مشاكل المجتمع الكبرى وبان رفاقه ورفيقاته مؤهلون لتحمل المسؤولية، والتغيير لا يمكن أن يحدث في ليلة واحدة.
نعم للمشاركة في الحكومة ولكن ليس بأي ثمن !
وفي مواجهة نشاط ائتلاف يمين الوسط والحد من سياساته التي الحقت الضرر بفئات اجتماعية عديدة وفاقمت الاستقطاب الاجتماعي –الطبقي، فقد أكدت مناقشات المندوبين على ان واحدة من المهمات التي تواجهها القوى المناهضة لهذا الائتلاف هو ضمان الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة وإلحاق الهزيمة بالقوى المشكلة للائتلاف الحالي. والمهمة الملحة التي ينبغي ان تركز عليها القوى المناهضة لليمين –بحسب مندوبي مؤتمر حزب اليسار - هو تشكيل حكومة كتلة حمراء – خضراء، تضم حزب الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب اليسار وحزب البيئة/الخضر.
ورغم اهمية هذه المهمة فان رئيس الحزب توماس خوستيدت Jonas Sjöstedt اكد في كلمته عند افتتاح اعمال المؤتمر على ان حزب اليسار في الوقت الذي يدعو الى تشكيل هذه الحكومة والمشاركة فيها ولكنه لا يطالب بذلك بأي ثمن بل لا بد ان تكون مهمتها – أي الحكومة القادمة- واضحة بشأن الخصخصة فهذا هو شرط حزب اليسار، مضيفا: " لن نجلس في حكومة تواصل اتباع سياسة الخصخصة الحالية" أي سياسة حكومة اليمين.. وأكد ان الحزب لن يشارك بأي حكومة تنتهج هذا الأسلوب، فقد اكدت تجربة السنوات الأخيرة حيث سيطر ائتلاف اليمين على السلطة في السويد، ان نهج الخصخصة الذي اعتمده حكومات الاتلاف المذكور ادت الى نتائج سلبية كبيرة تركت اثارها على قطاعات واسعة من السكان وأدت الى تعظيم الاستقطاب الاجتماعي، وبالمقابل تعززت مواقع الرأسمال الكبير وتعاظمت ارباحه وتعولم نشاطه. وقال خوستيدت ايضا "نحن الان الحزب الوحيد في السويد الذي يعلن بصراحة ووضوح اننا لا نريد احزابا يمينية في السلطة بعد انتخابات 2014. ان كل صوت يحصل عليه حزب اليسار هو صوت للتغيير ومن اجل حكومة حمراء –خضراء".
ويبدو أن تأكيد يوناس خوستيدت Jonas Sjöstedt على هذه النقطة يأتي ردا على بعض الاصوات داخل حزب الاشتراكيين الديمقراطيين التي تريد التعامل مع حزب البيئة فقط وترفض مشاركة حزب اليسار في حكومة ثلاثية، بل ان بعض الاصوات القيادية من حزب الاشتراكيين الديمقراطيين تذهب بعيدا في محاولاتها لاستبعاد حزب اليسار (في حال فوز بلوك اليسار والبيئة في الانتخابات القادمة) من خلال طرح مطلب تشكيل حكومة تتألف من الاشتراكيين الديمقراطيين و حزب البيئة وبعض الاحزاب البرجوازية ! علما ان حزب اليسار هو الحزب الوحيد الذي ينادي بحكومة مشكلة من ثلاثة أحزاب مكونة من اليسار والبيئة والاشتراكيين الديمقراطيين. علما ان كل حزب من هذه الأحزاب الثلاثة سوف يخوض الانتخابات فرديا.
هذا مع العلم ان تعاون حزب اليسار مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البيئة توقف منذ عام 2010 ولكن رغم ذلك فان امكانيات استمرار التعاون الاحزاب الثلاثة تبقى قائمة في حالة فوزهم في انتخابات عام 2014 فهم قريبون من بعضهم في النظر الى المشاكل والمقترحات بحلها. مثلا بشأن قضايا البيئة والمناخ هناك اتفاق في وجهات النظر بين حزب اليسار وحزب البيئة بشأن ايجاد موارد طاقة جديدة وبناء المزيد من طرق السكك الحديدية. كما هناك اتفاق لحزب اليسار مع الاشتراكيين الديمقراطيين بشان الإجراءات المطلوبة حول تخفيض نسبة البطالة.
يوم عمل بست ساعات فقط
ومن ضمن القضايا التي تحتل اهمية استثنائية لدى حزب اليسار هي قضية تقليص يوم عمل الى ست ساعات مع الابقاء على مستويات الاجور على حالها من دون تخفيض.
وكانت مجموعة عمل قد شكلها الحزب قبل المؤتمر الاخير قد اقترحت تخفيض يوم العمل الى 6 ساعات وبمعدل 30 ساعة عمل في الاسبوع. وطرحت المجموعة في حينه خيارين:
الخيار الاول هو تطبيق هذا المقترح خلال فترة عشر سنوات وبمعدل اسبوع عمل مكون من 30 ساعة.
اما الخيار الثاني فهو انه وفي المرحلة الاولى يتم التخفيض الى 35 ساعة في الاسبوع (بدل من الـ 40 ساعة اسبوعيا والمعتمد حاليا) وذلك خلال 5 سنوات وليس عشر سنوات.
ولكن استطلاعات الرأي تشير الى ان هذا المطلب ما زال يحتاج الى المزيد من النقاشات والتوضيح ولذلك اقترحت قيادة الحزب تأجيل طرحه لاحقا. علما ان هناك اعتراضات على المقترح من داخل حزب اليسار ذاته. فقد اشار البعض الى انه مكلف، وآخرون وصفوا المقترح بأنه طوباوي
انتخاب رئيس الحزب.. قيادة برأس واحد أم برأسين ؟
في اليوم الثاني للمؤتمر، يوم السبت، تم اعادة انتخاب يوناس خوستيدت رئيسا للحزب من طرف المندوبين بعد ان كان المرشح الوحيد لهذا الموقع. علما انه وخلال هذا اليوم جرت مناقشات واسعة وطرحت اراء متنوعة ركز البعض منها على ضرورة ان تكون قيادة الحزب ثنائية (رجل وامرأة) تعزيزا لمبدأ المساواة الجندرية الذي يدافع الحزب عنه. وبالمقابل قدمت مداخلات اكدت على تجنب تفسير مبدأ المساواة بهذه الطريقة بتحويله الى صراع جندر فمثل هذا الموقع الحساس، بحسب هؤلاء، يتطلب اشغاله اعتماد مبدأ الكفاءة والقدرات القيادية العالية والكاريزما الشخصية وعندها لن تكون هناك مشكلة فيما اذا كان الشخص الذي تتوفر فيه هذه الصفات رجلا او إمراة.
وفي الختام فاز المقترح الذي اشار الى الابقاء على الوضع الحالي (قائد واحد للحزب) حيث حصل على 131 صوتا مقابل 88 صوتا لصالح مقترح القيادة الثنائية المشتركة. علما ان مقترح القيادة الثنائية ورد من العديد من المنظمات المحلية في حين رفضته قيادة الحزب، كما ان هذا المقترح ليس جديدا بل كان قد طرح داخل الحزب في خريف عام 2011 ولم يحقق نجاحا حينذاك.
وبعد اعادة انتخابه القى خوستيدت كلمة اشار في مقدمتها: " ان يكون المرء رئيسا لحزبنا فهذه اجمل مهمة يمكن ان افكر بها. اعدكم انني سأبذل قصارى جهدي لمواجهة كل المهمات المطروحة على الحزب. ورغم تنوعنا فان ما يوحدنا نحن في حزب اليسار هو قيمنا وثقتنا في بناء مجتمع افضل وأكثر عدالة".
الاستراتيجية الانتخابية لحزب اليسار
ومن جهة اخرى اخذت قضية بلورة استراتيجية حزب اليسار للانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2014 حيزا غير قليل من مناقشات المؤتمرين. وبحسب حزب اليسار فان الانتخابات القادمة يجب ان تتضمن تقديم بديل واضح لسويد المستقبل. وستكون قضية الخصخصة في القطاع العام والرفاهية الاجتماعية والرعاية الطبية والمدارس وتوفير فرص العمل والموقف من سياسات الهجرة والأجانب من القضايا الاساسية التي تتضمنها الاستراتيجية الانتخابية للحزب. فموقف حزب اليسار من الخصخصة في القطاع العام انه يرفض الأرباح من قبل الشركات الخاصة التي تستثمر في هذا القطاع في هذه المجالات (المدارس والرعاية الطبية ورعاية المسنيين). وقد تم صياغة هذه الاستراتيجية بعد مناقشات حيوية وقدمت مقاربات مختلفة بل وحتى متباينة ولكنها بمجموعها بينت وجود مشاركة واسعة لمنظمات الحزب ورفاقه من القاعدة حتى القمة في بلورة هذه الاستراتيجية.
لقد اكدت الاستراتيجية على ان السويد امام مفترق طرق بشأن بناء مجتمع يشكل التضامن بين أفراده القوة المحركة وبين مجتمع يقوم على الكراهية – بحسب رئيس الحزب خوستيدت. وان حزب اليسار امام مهمة ان يجعل من السويد ذلك البلد الذي يتمتع فيه الجميع بنفس الامكانيات. والإستراتيجية الانتخابية المطروحة تجعل من حزب اليسار بديلا سياسيا واضحا. واليسار السويدي حزب اشتراكي وحزب مساواة وهذا يتطلب ان تكون له رؤية ابعد من الراهن. فهو حزب له طموحات بعيدة المدى ولكنه في الوقت نفسه حزب مستعد لان يساهم في تحقيق تحولات راهنة وفي السنوات القريبة القادمة. والحزب واع لحقيقة انه لا يمكن انجاز كل شيء خلال دورة انتخابية واحدة، ولهذا فانه يحدد وبوضوح امام ناخبيه طموحاته وسقوف تحقيقها. وحينما يمارس حزب اليسار الحكم فانه يمكن للناس ان يثقوا بأنه سيقرن الاقوال بالأفعال.
وفي معرض تقييمها لسياسة الائتلاف يمين الوسط الحاكم اشارت الاستراتيجية الانتخابية لحزب اليسار الى ان سياسة اليمين هذا ادت الى المزيد من مشاعر القلق وعدم اليقين، وهذا بدوره قاد الى التوتر وانعدام الافق وعدم التخطيط للمستقبل.
كما تؤكد الاستراتيجية على ان حزب اليسار يريد الرهان على تامين العمل للقادرين عليه. ويريد المزيد من مناصب العمل في المدارس، والقطاع الصحي والرعاية الاجتماعية بدلا من ما تمارسه حكومة ائتلاف اليمين التي اعتادت على تخفيض الضرائب على الاغنياء.
ويرى حزب اليسار ان انتخابات 2014 تمثل بالنسبة له امكانية تاريخية لتغيير وجهة تطور الاحداث والمسارات وإعادة بناء مجتمع يمكن الوثوق به، مجتمع يثق فيه المواطنون فيه ببعضهم البعض. ويرى الحزب ان السويد تمتلك كل الشروط والظروف لبناء مستقبل يقوم على التضامن والمشاركة الواسعة. وهذا لا يمكن تحقيقه بدون حزب اليسار.
. ان حزب اليسار هو اهم قوة نسوية في البرلمان. وبحسب الاستراتيجية الانتخابية لحزب اليسار فانه غير راض عما مما تعانيه النساء سواء كن ربات بيوت او عاملات حيث يحصلن على اجور اوطأ من الرجال. ويعتقد الحزب انه قد حان الوقت بالنسبة للسويد ان تحصل النساء على اجور مساوية للرجال وأيضا ان تتم مناصفة السلطة على مستوى الجندر.
أي اتحاد اوربي نريد؟
وبشان الموقف من الاتحاد الاوربي فان حزب اليسار يؤكد انه في الواقع احد اكثر المناهضين للتعاون الاوربي بقيادة الطبقات الرأسمالية. وقد حذر الحزب، منذ البداية، من المشاكل التي تعاني منها الاقتصادات الاوربية وفي مقدمتها الازمات المالية والاقتصادية الدورية وتعاظم البطالة والافلاسات التي وصلت الى مستوى دول بكاملها وتجربة اليونان ما زالت ماثلة. ورغم كل ذلك ما زالت هناك بعض الاحزاب السويدية ممن تعتقد انه يتوجب على السويد ان تعتمد اليورو كعملة داخلية، علما ان هذه العملة تمثل بالنسبة للحزب فكرة سيئة.
مع سياسة كريمة وإنسانية للجوء والهجرة
اما بصدد الموقف من اللجوء والهجرة فان حزب اليسار مع سياسة لجوء انسانية وكريمة. ويؤكد الحزب على انه يرفض نهج العنصرية ومعاداة الاجانب. على العكس من ذلك انه يعتقد ان الناس سواسية ولهم الحق في العيش بسلام وحرية وأمان، وان جميع القاطنين في السويد لهم نفس القيمة بغض النظر عن الجندر او اللون او الدين او العرق.. الخ.
انتخاب مرشحي حزب اليسار لانتخابات البرلمان الاوربي
وفي صباح يوم الأحد 12/كانون الثاني جرت عملية انتخاب مرشحي حزب اليسار للبرلمان الاوربي حيث انه ووفقا للنظام الداخلي للحزب يتم اختيار هؤلاء المندوبين من طرف مؤتمر الحزب. وتقف على رأس القائمة مالين بيورك والتي عملت لفترة طويلة في مجال المساواة والعمل النسوي، حيث كانت ومنذ عام 2009 مستشارة سياسية في البرلمان الأوربي، علما انها عملت في منظمة اللوبي النسائي العالمي في بروكسل ببلجيكا حيث يتركز اهتمامها على القضايا التي تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والحقوق الاجتماعية للنساء ومن بينها قضايا الاجهاض ومناهضة العنف ضد النساء.
جميع نواب الحزب ملزمون بدفع "ضريبة الحزب"
هذا وكان المرشحون على قوائم حزب اليسار قد وقعوا تعهدا خطيا بان يسددوا جزء من المكافئات (الرواتب) التي يحصلون عليها عند انتخابهم لعضوية البرلمان السويدي، تحول الى حساب اسمه "صندوق الانتخابات". وهذا تقليد متبع عند حزب اليسار ويطلق عليه "ضريبة الحزب". فمثلا خلال السنتين الماضيتين (2012، 2013) بلغ حجم المبالغ التي حولها اعضاء البرلمان من قائمة حزب اليسار حوال 2.5 مليون كرون سويدي. وفقط وحده رئيس الحزب يوناس خوستيدت كان قد حول خلال هذه الفترة حوالي 200000 كرون. علما انه ومنذ مؤتمر الحزب في عام 2012 اصبح دفع هذه الضريبة الزاميا وتبلع شهريا – كمتوسط – 7000 كرون لكل عضو برلمان. طبعا قد يكون لبعض النواب بعض الصعوبات الاقتصادية عندها يحتاج الامر الى التشاور مع قيادة الحزب التي وحدها لها حق اتخاذ القرار المناسب في مثل هذه القضايا. علما ان " ضريبة الحزب" تسري ايضا على جميع ممثلي الحزب في مختلف الهيئات دون مستوى البرلمان: مجالس المحافظات.. المجالس البلدية.. الخ.
الوحدة في اطار التنوع وليس التطابق
لم تكن هناك شكوك في اوساط المندوبين من ان يوناس خوستيدت الذي فاز بمنصب رئيس الحزب بالإجماع لعدم وجود منافس له، هو الشخص المؤهل لقيادة الحزب خلال الفترة المقبلة إلا ان هذا لا يعني ان نشاط قيادة الحزب خلال الفترة الماضية كان مقبولا اجمالا. على العكس من ذلك تعرض نشاط قيادة الحزب خلال تلك الفترة الى نقد قوي. فقد صعد الى منبر المؤتمر العديد من المندوبين و قدموا ملاحظات ناقدة. فقد قال احد المندوبين "اننا حزب ديمقراطي، حزب للمساواة، وحركة شعبية يحركها نشاط اعضائها وليس شركة بسيطة .."
ويوم السبت، ثاني ايام المؤتمر، جرى نقاش مطول استمر حتى وقت متأخر من المساء حول قضية توقيت طرح البرنامج الانتخابي للحزب. فقيادة الحزب كانت تريد طرحه في شهر اب القادم (أي قبل شهر من اجراء الانتخابات) بهدف ضمان المناورة السياسية للحزب. ولكن مندوبي المؤتمر اصروا على ان يعرض البرنامج الانتخابي في شهر نيسان/ابريل ليتاح الوقت للناخبين والمواطنين عموما الاطلاع عليه. وفي الاخير جرى التصويت على المقترحين وفازت وجهة نظر مندوبي المؤتمر ولو بأغلبية ضئيلة على مقترح قيادة الحزب.
كما عبر العديد من المندوبين عن عدم رضاهم لإعطاء اهتمام كبير لموضوع الارباح في القطاع العام والموقف من الخصخصة عموما.
واختتمت اعمال المؤتمر بانتخاب قيادة جديدة تضم 33 شخصا، اضافة الى تكريم طائفة من مناضلي ومناضلات الحزب وخصوصا كبار السن.

نحن لسنا للبيع !
وفي ختام جلسات المؤتمر القى رئيس الحزب توماس خوستيدت كلمة قوية وطويلة نسبيا وجه في بدايتها الشكر لجميع المندوبين والمندوبات على ما بذلوه من جهود وحرص في ان ينجز المؤتمر اعماله بنجاح، معلنا: الان انطلقت اعمال حملتنا الانتخابية ! مشيرا الى الاجواء التي انعقد فيها المؤتمر ودروسه ووضح بعض عناصر الاستراتيجية الانتخابية ومواقف الحزب الاخرى التي تنطلق من السؤال الحاسم: أي مجتمع يريده حزب اليسار.
كما شن هجوما قويا على ائتلاف احزاب اليمين بقيادة حزب المحافظين ورئيسه راينفيلد وسياساته الاقتصادية والاجتماعية التي ادت الى نتائج مدمرة بالنسبة للعديد من فئات وشرائح المجتمع السويدي وعمقت الاستقطاب الاجتماعي داخله. ونبه خوستيدت الى انه ورغم كل ذلك ما زال ائتلاف اليمين بقيادة راينفيلد (رئيس الوزراء السويدي الحالي) مصرا على ان السوق قادر على حل معظم المشاكل، اما تلك التي لا تحل من خلال السوق فيمكن حلها – حسب راينفيلد- من خلال التخفيض المتزايد للضرائب وخصوصا على الاغنياء منهم. وهو بهذه المقاربة للأوضاع يضع الناس في مواجهة بعضها البعض. وأكد خوستيدت على انه في الوقت الذي تلاحق حكومة راينفيلد المرضى والعاطلين عن العمل فان حزب اليسار يمتلك سياسة واضحة للتضامن الاجتماعي ومكافحة البطالة.
ومن جانب اخر اكد خوستيدت على ان حزب اليسار سيواصل كفاحه ضد العنصرية. وفي هذا الاطار شن خوستيدت هجوما قويا على حزب " سفاريا ديموكراتنا SD" واعتبره حزبا عنصريا وفاشيا يقوم على تنمية النزعات المعادية للديمقراطية ومعاداة الاجانب. وأضاف ان قوة حزب اليسار تكمن في تضامنه وعدم قبوله بصورة العالم الذي ترسمه العنصرية. وانتقد مواقف حزب الـ " SD" من الاجانب حيث يعتقد هذا الحزب ان هؤلاء الناس الفقراء الذين يأتون الى السويد هم سبب المشكلة، في حين ان الامر بالنسبة الى حزب اليسار ليس كذلك، اذ يؤكد الحزب ان سياسته ومقترحاته تتجلى في وضع حد لاستغلال هؤلاء الناس انطلاقا من نظرته التضامنية ورؤيته للناس على انهم سواسية ولهم نفس القيمة بغض النظر عن الاسم او محل الولادة او اللون او العرق او الدين.
واختتم خوستيدت كلامه بان حزب اليسار هو الضامن الاساسي للمساواة وحامل التغيير.. مضيفا وبقوة " اننا لسنا للبيع "!
وبعد ثلاثة ايام من عمل واسع ونقاشات ثرية ومتنوعة، وعلى انغام النشيد الأممي الذي ردده الحاضرون جميعا، انتهت اعمال مؤتمر حزب اليسار السويدي.