المنبرالحر

"العراقية الرياضية" وثقافة العنف / طه رشيد

تعرض القناة الفضائية «الرياضية العراقية» في بعض برامجها حلقات متواصلة وطويلة من مباريات المصارعة الحرة ، هذه المباريات التي غالبا ما تجري في نوادي القمار الامريكية وفي نوادي شرقي آسيا ، وهي مباريات مخصصة بالاصل للمراهنات. المصارعون يعرفون ماذا عليهم ان يفعلوا، فهم ممثلون بامتياز ويجيدون الحركات والقفزات البهلوانية الجمناستيكية . ويحيط بهم مجموعة مختارة من المتواطئين مع ادارة النادي لاظهار المنافسة وكإنها حقيقية . وهذه اللعبة والمشاهد المشبعة بالضرب المبرح تأسس للعنف وتشجع عليه، والامر التعس ان بعض المصار?ين لا يتورعون على سحل زميلاتهم « المصارعات» من شعورهن ويدورون بهن حول الحلبة .مناظر لا يقبل بها اي مواطن يحترم نفسه، اذ فيها استهانة كبيرة للمرأة .
وهذه المنافسات ليست بنت اليوم، ويتذكرها ابناء جيلي جيدا، حيث عرض تلفزيون بغداد لقاء مع مصارع عراقي عام 1965 في برنامج « الرياضة في اسبوع « تحدث عن هذه الرياضة وقدم نفسه كأحد ابطالها . وعلق معد ومقدم البرنامج آنذاك، مؤيد البدري، مفندا هذا النوع من الرياضة التي تدخل ضمن ما قلناه عنها في السطور اعلاه.
الا ان الكارثة حلت، وعلى كل المستويات، بمجيء حزب البعث للسلطة في تموز 1968. وفي مجال الرياضة تم استقدام نفس المصارع الذي ظهر واختفى بسرعة عام 65 وذلك في نهاية العام التالي لاستيلائهم على السلطة، الا وهو المصارع عدنان القيسي، وحشدوا كل ما يمتلكون من وسائل اعلامية لتسويقه وصار حديث الساعة وحين ثبّت الاستاذ مؤيد البدري موقفه مجددا من هكذا مهزلة، تم ابعاده عن كلية التربية الرياضية وتحمل عقوبات شديدة لموقفه الشريف هذا.
وذاع صيت القيسي وضربته الكاذبة « العكسية» حين فاز على الفرنسي « فيريري» وعلى «كوريانكو» ومصارع آخر لا اتذكر اسمه . وانتقلت «ضربته العكسية» الى العوائل العراقية لتشاهد الكدمات والكسور بين النساء والرجال والأطفال.
واستطاع البعث المقبور ان يلهي الناس بالمصارع العراقي ليمرر سياسته القمعية وتثبيت ركائز حكمه بعد ان جاء بحيلة أخرى وهي لعبة « أبو طبر « الاجرامية .
اليوم تفاجئنا العراقية الرياضية بعرض نفس الأكاذيب الرياضية، المتهافتة والتي لا تختلف عن بقية الفنون الهابطة . والأولى بهذه القناة، وهي قناة دولة مدنية تطمح لارساء دعائم الديمقراطية ، ان تكون اكثر حرصا على رفع ذوق المتلقي وان تبذل كل الجهود من اجل محاربة كل اشكال العنف وخاصة العنف المجاني في مجال الرياضة . كما هو الحال بمثل هكذا مصارعة، لا ان تشجع عليه. وما أحوجنا، وخاصة في الظروف التي يمر بها وطننا، لسياسة فنية وثقافية مهمتها الاولى تربية الاجيال الجديدة على اسس ثقافة التآخي والتسامح والمحبة والسلام