المنبرالحر

المسؤول عما يحدث / عبد المنعم الأعسم

الجملة الإعلامية الجاهزة والمتداولة، بين فرقاء الأزمة السياسية، وعلى نطاق واسع تعطينا المعادلة الآتية: كابينة رئيس الوزراء نوري المالكي، وحليفاتها الأكثر قربا، تحمّل خصومها ومعارضيها (زعماء العراقية ومشتقاتها) وأنصارهم وامتدادهم الطائفي مسؤولية التدهور الأمني، وتغطية المشروع الإرهابي، وعرقلة عمل الحكومة ووقف عملية بناء الدولة، وإنها ضحية، وعُرضة للتآمر، واستطرادا، تؤكد أنها تتمتع بتفويض الشعب في مواجهة هؤلاء الخصوم، وأنشطتهم.
وفي المقابل، يطلق المعارضون والخصوم، بمسمياتهم الحزبية والسياسية، وشخصياتهم النافذة، القول بان المسؤول عما يجري، وعلى جميع المستويات والملفات، هو رئيس الوزراء ومقربوه، بتحيّزه الطائفي، واحتكاره سلطة القرار، وإخضاع الأجهزة المستقلة والجيش والشرطة الى مشيئته، والى لون واحد، وتوجيهها ضدهم وما يمثلون من امتداد طائفي، ومناطق نفوذهم، وهم، كما يكررون القول، يمثلون الأغلبية المتذمرة مما يجري.
وفيما سعى ويسعى كل طرف الى تسويق حجته وخطابه ومشروعه السياسي بحشوات من التاليب والتهديد والمخاشنة، وبزخم من المعلومات والروايات وأنصاف الحقائق، فان المراقب الموضوعي يجد من المستحيل ان يصدّر حكما عادلا ومتوازنا، وأن يحدد المسؤول عن "تدمير فرص بناء الدولة المستقرة" من دون ان يسجل انتهاكات وممارسات بائنة ولا دستورية يرتكبها الطرفان، بوازع طائفي مكشوف، وتصميم سياسي فئوي أناني، وثمة الكثير من هذه الانتهاكات المتبادلة حدثت في خلال معادلة الفعل ورد الفعل بينهما..
تلك المعادلة الكارثية التي شهدنا واحدة من اخطر فصولها في حادث القبض على حماية وزير المالية رافع العيساوي والتي انتهت أخيراً (في تداعيات الفعل من طرف ورد الفعل عليه من الطرف الآخر) الى اجتياح الانبار والفلوجة من قبل العصابات المتطرفة باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش، فيما كل طرف يبعد مسؤوليته عن هذا المآل.
أما الظهور بمظهر البريء، والضحية، والاكثر حرصا وشعورا بالمسؤولية، فانه يسقط في اول خطوة لترجمة هذه الإدعاءات الى الواقع حين يتطلب الامر نوعا من التنازلات المتبادلة بينهما، أو الاستعداد لها، إذ يتمترس الطرفان في خندقة اعمق فأعمق، بل إنهما يخوّنان ويشهران بشركاء لهما يدعون الى حكمة العقل وبناء الجسور بين الحكومة وخصومها، ويفضلان معا (وهذا موضع الغرابة) حل الأزمة على اساس "صفقة" غير معلنة برعاية طرف خارجي له قوة النفوذ والتأثير والاختراق، وتتحدث الكواليس، هنا، عن دور للولايات المتحدة، وأخرى عن دور إيراني، وث?لثة عن دور مشترك (لا غرابة في السياسة) لواشنطن وطهران. اما المبادرات التي أطلقتها جهات عراقية (عمار الحكيم. البارزاني..) فقد ارتدّت، بسرعة الى الرفوف العالية.
في ضوء ذلك، لا تعتبر براءة اختراع القول بان المسؤول عن كل ما حدث لعملية التغيير وبناء الدولة وبسط الأمن من انتكاسات وكوارث هو الطبقة السياسية النافذة والشريكة في الادارة بزعاماتها وفئاتها والقوى الدولية التي تقف وراءها، كل من موقعه، والمساحة التي يتحرك عليها، لكن التحليل الموضوعي، الذي يستشرف الحل، لا بد ان يضع المسؤولية الاولى، دستوريا ووطنيا واخلاقيا، على عاتق كابينة الحكم. وإذا ما شئنا الدقة، والتلخيص، فان مسؤولية الحل لإخراج البلاد من حافة الإنهيار والمواجهة المفتوحة تقع على الحكومة، ورأسها حصرا.
وقد يسأل سائل عما هو المطلوب لتدارك الانهيار، لينفتح المشهد على خطوة محددة وقائية عاجلة: مبادرة حل وطني من رئيس الوزراء، كمسؤول اول في الدولة، عابرة للطائفية والأنانيات والامتيازات والخنادق، ومن دون ذلك فإننا قاب قوسين أو أدنى من العاقبة.. وما أدراك ما العاقبة.

********
"ستتعلم الكثير من دروس الحياة أذا لاحظتَ ان رجال اطفاء الحرائق لا يكافحون النار بالنار".
شكسبير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تنشر بالتزامن مع جريدة (الاتحاد) الغراء