المنبرالحر

ميكافيلية الجماعات الاسلامية المتطرفة ومراحلها من افغانستان الى سوريا/ انس محمود الشيخ مظهر

تصريح بثينة شعبان الاخير فيما يخص طلب بعض الساسة( السنة) في العراق من النظام السوري لفتح الحدود السورية العراقية امام الجماعات الاسلامية المتطرفة وإجهاض العملية السياسية العراقية بعد الالفين وثلاثة يعتبر دليلا واضحا على مدى تورط النظام السوري مع الارهاب العالمي والتنسيق الموجود بين الطرفين وعلى اعلى المستويات .
ولو جردنا التصريح هذا من بعده السوري وتناولناه من زاوية العلاقة بين الانظمة الاقليمية والجماعات الاصولية بشكل عام وتتبعنا مسيرة هذه الجماعات منذ بدايات تشكيلها في افغانستان ولغاية يومنا هذا فسنلاحظ وجود علاقة جدلية بين الطرفين تتسم بالتعقيد في حيثياتها وبالبراكماتية في سرعة تحولاتها وفق استمرارية مصالح وأجندات الدول التي تستغلها او انتفائها . فهي علاقة تستند الى رغبة هذه الدول في تمرير مخططاتها من جهة ورغبة مقابلة لهذه الجماعات في استمرار وديمومة عملها وفق نظرة ميكافيلية اسلامية تبرر الوسائل للوصول الى الغايات من جهة اخرى .
بدأت الميكافيلية الاسلامية في العصر الحديث بنشوء الفكر الجهادي في افغانستان بتحالف الاسلام السياسي مع امريكا والغرب تحت اشراف عربي رسمي لإخراج القوات السوفيتية من هذا البلد واستمر ذات النهج بعد ذلك في كل تحركات التنظيمات الاسلامية , وعلى الرغم من ذلك فقد مرت هذه الجماعات بثلاثة مراحل رئيسية بدأت بأهداف وغايات ( اسلامية ) خاصة تبنتها وفقا لقواعد فقهية اسلامية ( حسب مفهومها) لتنتهي اخيرا في احضان استخبارات دول تحركها كيفما تشاء ومتى ما تشاء , ويمكن تصنيف هذه المراحل على النحو الاتي : -
- المرحلة الاولى ... وتبدأ من حرب افغانستان ولغاية احداث سبتمبر , تعاملت فيها هذه الجماعات مع الغرب وأمريكا بوجود اهداف مشتركة بينهما مع حفاظها على نهج مستقل يعتمد على الفقه الاسلامي في مداهنة طرف والتفرغ للطرف الاخر دون الوقوع بالكامل في شرك احدهما , وما ساعدها في المحافظة على استقلالية قرارها هو تمويلها الذاتي الذي كان يأتي غالبا من رؤوس اموال غير حكومية عبر شركات او اشخاص .
- المرحلة الثانية ... وهي المرحلة التي تلت تفجير برج التجارة العالمي والتي حاولت فيها امريكا والمجتمع الدولي تجفيف منابع الارهاب (اقتصاديا) , فمنعت رؤوس الاموال الاسلامية من تمويل العمليات ( الجهادية) لهذه الجماعات ودخلت على خط التمويل استخبارات دول عالمية وإقليمية . وهنا اقترنت الميكافيلية عند هذه الجماعات بالوقوع وبشكل كامل ضمن المخططات الدولية وتحولوا من ( مجاهدين ) يعملون لأهداف شرعية حسب وجهة نظرهم الى ( مجاهدين ) يتداخل عندهم الغاية ( المقدسة ) مع اهداف وغايات دول بدأت في تمويلهم .
وتعتبر هذه المرحلة من اخطر المراحل التي واجهت هذه الجماعات وذلك للأسباب التالية : -
1- ارتباطهم باستخبارات اقليمية ودولية ورصد ميزانيات ضخمة لتمويلهم منحتهم حرية الحركة بين حدود دول المنطقة , ولكنها في نفس الوقت شتت التوجه المستقل الذي كانوا يتحركون وفقه سابقا مما ادى بالنتيجة للدخول في المرحلة الثالثة التي سوف نتناولها لاحقا.

2- ادت الميزانيات الضخمة التي وضعت تحت تصرفهم من بعض الدول الى زيادة رقعة عملياتهم ( الجهادية) حتى اصبحت تطال كل دولة تشهد توترا سياسيا في الشرق الاوسط .
3- ان زيادة رقعة نشاط هذه الجماعات ادت الى سهولة اختراقها من قبل عناصر استخبارات عالمية للعمل ضمن صفوفها و تحريكها كما تشاء , بحيث لم يعد الامر مقتصرا على تنسيقات استخباراتية كما كان في السابق . وبالتالي فقد أصبح من السهل على دول متضادة في المصالح مثل امريكا وإسرائيل من جهة وإيران وسوريا ودول عربية معينة من جهة اخرى ان يكون لهم في داخل هذه التنظيمات قيادات تخطط وترصد وتنفذ باسم الجهاد في سبيل الله .

- المرحلة الثالثة ... تبدأ مع بداية الازمة السورية , فقد ادى تعدد مصادر تمويل هذه الجماعات واختراقها من قبل عناصر استخباراتية لدول متعددة الى فقدانها لمركزية القرار الشرعي فيها والمتمثل بقيادات القاعدة في افغانستان وأصبح القرار الشرعي لها منوطا بقيادات ميدانية تتحرك وفق رؤى تقتضيها الظروف الذاتية المحيطة لكل مجموعة . وهذا ما يفسر الصراع المحتدم حاليا بين هذه التنظيمات في سوريا وخروج قسم منها عن طاعة قياداتها السابقة في افغانستان والمتمثلة في الظواهري لتتسلم القيادات الميدانية قيادة بعض هذه التنظيمات كما هو الحال مع جبهة النصرة .
ان فقدان مركزية القرار لهذه التنظيمات اعطت مؤشرات واضحة لأمريكا والغرب على صعوبة السيطرة عليها وتوجيهها كلها لخدمة اجنداتها في المنطقة مستقبلا . فقررت وبشكل جاد هذه المرة من اعلان الحرب الاقليمية على الارهاب وبمساعدة دول مثل العراق اعتمادا على مبدأ وداوها بالتي كانت هي الداء .
ان كانت امريكا والغرب قد ادركا خطورة هذه التنظيمات بعد ان انتفى الغرض منها فقد ظل بعض رجال الدين المسلمين ( بقصد او بجهالة ) مستمرين في تأييدهم لهذه الجماعات ودعوة الشباب المسلم المتحمس للجهاد ضمن صفوفها رغم الممارسات الغير انسانية والغير اسلامية التي تمارسها هذه الجماعات والتي لم تعد خافيا على احد . فهل ستكون هناك صحوة ضمير وصحوة دين لدى هؤلاء للتراجع عما ظلوا عاكفين عليه لعقود من الزمن ام سيستمرون في تحمل مسئولية قتل وسفك دماء طاهرة لشباب ساذج بدعوى الجهاد ؟