المنبرالحر

حتى وطحت بأخرى صرمهر !؟/ ئاشتي

البلاد التي تأكل لحمها السياسة في كل الأوقات، وتشرب من ضرعها حليب الصراع السياسي صباح مساء، لا ترى في نومها غير أن ترسم خريطة العبث السياسي بكل تفاصيله، وتسكب زيت محنتها على ثياب العدو الذي تخلقه، ليس لكي يحترق بقدر ما تراه يشارك في محنتها، يشارك ليس كفاعل يساهم في الحل بل كمفعول به يستحق العذاب الذي تعرض له برموثيوس أو سيزيف رغم الفارق بين ألاثنين حيث أن الأخيرين أرادا تقديم فعل إنساني للبشرية، بينما العدو الذي يخلقه نهج السلطة يـُبتغى منه أمر سياسي، وهذا العدو المختلق سياسيا يتجسد في أكثر من صورة، مرة ش?ص أو حزب أو دولة مجاورة، وخلق الاعداء في تاريخ السياسة ليس بجديد، فالتاريخ يحتفظ بأكثر من مليون صورة لهذا الخلق، إذ أن الكثير من الحكومات لا ترى مسوغا لديمومة استمرارها بغير خلق الأعداء، ويبدو أنهم جاهزون في بعض البلدان ومدفوع لهم الثمن مسبقا، أو ربما يشكلون هم أولى حلقات الارتزاق السياسي، وفي تاريخ بلادنا المعاصر لا يتمثل اختلاق العدو في صورة شخص أو جماعة، بل تلبس شكلا أخر، وهذا الشكل هو بالتحديد اختلاق أزمات مترابطة، وقد ابدعت سياسة حكامنا في اختلاق هذا الشكل من الأعداء، فانطبق عليهم قول الشاعر موفق محمد?أفنيت عمرك لم تقم من وجعة حتى وطحت بأخرى صرمهر وأنكس) والمضحك المبكي تكبر هذه الأزمات حتى تصبح مثل الدوائر الناتجة عن إلقاء صخرة في ماء بحيرة ساكنة.
فمنذ عشر من السنوات تناسل هذا الاختلاق بين الحكام، وهذا ما جعل زمن الدمار يتواصل على بلادنا، والمتابع لتاريخ بلادنا السياسي يكتشف دون عناء محاولات حكامنا في أمتطاء هذا الأسلوب لإدارة الدولة، ويتلخص بشكل واضح، من اجل حل أزمة اختلاق أزمة أخرى وهذه الازمات هي الضرع الذي يرتوي منه حكامنا لا بل أكثر من الارتواء، إنهم يحققون مكاسب حزبية تخدم استمرارهم في السلطة، والملاحظ أن زمن اختلاق الأزمات هو الزمن الذي يقترب فيه تحديد إمكانية هذا الاستمرار، وفي هذه الأيام تداخلت دوائر الأزمات، فمن محاربة الأرهارب إلى فك الاع?صام في الأنبار إلى القضاء على داعش وفلولها إلى حل الأزمة مع إقليم كردستان وأخيرا تشكيل المحافظات الجديدة، وهذه الأخيرة بالذات ستكون على قمة الأزمات حيث أنها تأخذ أكثر من بعد سياسي لأن لحن موالها طائفي بامتياز.
بلادنا التي تأكل لحمها السياسة وتشرب من ضرعها حليب الصراع، متى يستفيد حكامها من نصيحة جدنا كلكامش
(أعمل لنفسك في كل يوم مجالا للمتعة،
أرقص ليلا ونهارا وألعب،
ودع ثيابك تبقى لامعة وجديدة،
إغسل وجهك واستحم بالماء
وأرع َ ذلك الصغير الذي يتشبث بيدك،
دع زوجك تسعد بحضنك،
فهذا هو دور الإنسان)