المنبرالحر

نفس الحرامي/ ابراهيم الخياط

ملفا.. ملفا تغلق الفضائح، دون أن يعرف عباد الله: من المتهم؟ من البريء؟ من الذي سرق؟ ومن الذي يسرق؟ فمن هروب وزراء الدفاع والكهرباء والثقافة والتجارة، الى التلاعب بسكر التموينية، الى لغز أجهزة «السونار» في السيطرات، الى أحجية مدارس الحديد الجاهزة، الى رشى صفقة السلاح الروسي، الى مجلس عزاء «بسماية»، الى غرق بغداد بسبب زختين وصخرة، الى خطة إعمار الارصفة، والى ـ أخيرا وليس آخرا ـ قرع ناقوس البسكويت.. وكل هذه الملفات هي ملف واحد، لأن الحرامي واحد وان اختلفت وزارته أو كتلته أو طائفته أو قوميته. وما يحصل الان سبق?ان حصل في الخمسينات في احدى درابين بغداد.
الحاج «حمزة» الساكن في منطقة الفضل، خرج صباحا من داره، متوجها إلى محل رزقه. وفي الباب نادته زوجته «الحجية»، وأخبرته أن الدهن نفد في البيت، فأجابها بأنه حالما يصل الى محله سيرسل لها الصانع، وعليها ان تعطيه «الجدرية» النحاسية الكبيرة ليأخذها إلى بائع الدهن في الشورجة فيجهزه بـ «حقة» دهن.
وفعلا، بعد ربع ساعة دُق باب الدار، فأجابت «الحجية» من الحوش: منو؟ سلم عليها شخص وقال لها: دزني الحجي عالجدرية حتى أجيب الكم دهن.. فقامت «الحجية» وأتت بالجدرية من المطبخ وسلمتها له، وكانت الجدرية ـ بحق ـ كبيرة ومن الصفر الخالص النادر.
انصرف الرجل بها إلى دكان بائع الدهن، وأخبره أن الحاج «حمزة» أرسله اليه ليملأ الجدرية بـ «حقتين» من الدهن الحرّ ومن النوع الجيد، فنفذ بائع الدهن طلبه على الفور وملأ الجدرية.
بعد نصف ساعة جاء الصانع الأصلي الى «الحجية» وطلب منها الجدرية لملئها بالدهن حسب توصية عمّه، فتفاجأت الحاجة، وقالت له: يمه.. ليش انته مو أخذت الجدرية قبل شوية؟
رجع الصانع وابلغ الحاج «حمزة» فقصد هذا بدوره بائع الدهن الذي أخبره أن شخصا جاء بجدريتهم نفسها والتي يعرفها، وملأها بـحقتين من الدهن الحرّ ومن النوع الجيد، فدفع الحاج ثمن الدهن وراحت الجدرية!
القصة لم تنته كما قصة النهب الرسمي لدينا لا تنتهي، مادامت المحاصصة جالسة على كرسي المواطنة. فبعد حوالي ثلاثة أسابيع دقّ شخص باب دار الحاج «حمزة»، وحين أجابته الحاجة من خلف الباب كما هي العادة: منو.. شتريد؟ أجابها :
ـ حجية.. الحرامي اللي باك الجدرية والدهن، قبضت عليه الشرطة وهو هسه بالقلغ، وطلبوا من الحجي يحضر حتى يتعرف عليه، والحجي دزني يريد العباية «الجاسبي» حتى يروح بيها للمركز..
فما كان من «الحجية» طيبة القلب الا أن تنهض وتأتي بالعباءة الثمينة الفاخرة وتسلمها للعينتين، ليأخذها كما أخذ هو نفسه الجدرية والدهن!!.