المنبرالحر

اوروك سيتي !/ طه رشيد

ما زال عالقا في روحي بعض من فرح اعياد الميلاد التي قضيتها مع الاهل والاصدقاء، وحين سألني احدهم (وهو لا يتكلم العربية) عن مكان سكني في بغداد، اجبته دون تفكير مسبق: اوروك سيتي.
ووجدت ان حي اور الذي سرعان ما يتحول الى بحيرة آسنة بمجرد ان يمسه المطر، يستحق ان نرفع من شأنه، حتى ولو لم ترفع الزبالات (جمع مؤنث سالم للزبالة) من تقاطعات شوارعه وساحاته، وان نغير من اسمه شكلا كما كان يفعل بعض اصدقائي الفنانين، في السبعينيات من القرن الماضي، حيث اطلقوا « الكواداروف « على «الجوادر» في مدينة الثورة . ولكل عصر مسمياته « فالكوادوروف» جاءت تيمنا بالتجربة السوفيتية، التي انهارت، بينما الجوادر المتسخة ما زالت صامدة . واوروك سيتي تسمية تنسجم مع التغيير الذي حصل بعد 2003 فنحن الان اقرب الى نيويورك من موسكو. فهل ستنهار التجربة الامريكية ويبقى «حي اور» رمزا للزبالة والقذارة والبخور؟ !
عدت من «الطريق» الى البيت قبل يومين مع حلول المساء مستقلا تاكسي صفراء (بالمناسبة سيارات التاكسي في نيويورك صفراء اللون ايضا، بس مو «سايبات»)، وعند احد مداخل حي اور سألني الجندي في السيطرة عن وجهتي فاجبته : اوروك سيتي .
قال دون ان يبتسم: حجي شني هيه، احنه وين؟ بجنوب افريقيا لو بالارض المحتلة؟
قلت مناكدا: بالأخيرة !
واستمر الحوار بيننا :
ـ ليش حجي شني صرنه اسرائيليين ؟
ـ جا ليش تسألني وين رايح ؟ شفتني ارهابي لو « داعشي» لا سامح الله. غير رايح للمهجوم الى بيتي ( والله ما عندي بيت في العراق العظيم رغم اني تجاوزت الستين، وربما هذه واحدة من ضرائب الغربة التي تجاوزت ثلاثة عقود).
ـ اي هاي هيه .وين بيتكم واشكد رقم المحلة مالتكم؟
ـ وانت شعليك؟
وهنا لمحت الشرر يتطاير من عينيه، وبصراحة تذكرت حادثة الكاتب عبد الزهرة زكي وما حصل له، قبل ايام، من إهانات مجانية من بعض الجنود، فقررت ان اوقف حديث المناكدة .
ـ محلة 377 !
ـ هاي هيه روح الله وياك.
استطعت ان اكظم غيضي ولكني لم استطع بلع سؤالي له :
ـ انت تعرف وين موجودة محلة 377؟
فاجاب بنعم . شكرته وانطلقت التاكسي مجددا باتجاه محلة 377 التي لا وجود لها الا في رأسي !!
واقتنعت بان حي اور يستحق اليوم التسمية الجديدة « اوروك سيتي» لان طريقة التعامل مع المواطن تذكرك بمدن الفصل العنصري، رغم ان الصراخ ليس عنصريا، بل طائفي مقيت.

طه رشيد